زنقة 20. الرباط
أجمع رؤساء وممثلو عدد من المؤسسات الوطنية، اليوم الجمعة بالرباط، على ضرورة ترصيد المكتسبات وتجاوز الإكراهات التي تحول دون النهوض بوضعية المرأة والأسرة وضمان مشاركتهما الكاملة في جميع مجالات التنمية.
وأبرزوا، خلال الجلسة الثانية من المناظرة الوطنية الأولى حول المرأة والأسرة ورهان التنمية، التي تنظمها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أن قضايا المرأة والأسرة في علاقتها بالتنمية هي قضايا ذات ارتباط وثيق باستقرار المجتمع ومستقبله، داعين إلى ترسيخ ثقافة المساواة بين الجنسين ومحاربة الصور النمطية الشائعة حول أدوار المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة والعمل على ضمان تماسك أسري قوي قوامه منظومة قيم مشتركة ويؤسس لتحقيق تنمية اجتماعية دامجة ومستدامة.
وفي هذا الصدد، أوضحت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، أن “التنمية مفهوم لا يمكن اختزاله في مجرد النمو الاقتصادي أو التمتع المادي، بل هي فعل إنساني هادف يقوم على توسيع خيارات الإنسان باعتباره المستفيد والمحور والفاعل فيه في جميع الميادين”، مبرزة أن الحق في التنمية يقوم على مجموعة من العناصر الجوهرية، من بينها المشاركة وعدم التمييز والمساواة.
وأبرزت السيدة بوعياش أن المغرب حقق مكتسبات شتى، لاسيما في مجالات الإصلاح الدستوري والتشريعي والمؤسساتي، الذي اعتمده بشكل طوعي في إطار الخيار الديمقراطي والاقتناع بحقوق الإنسان، مشيرة بالمقابل إلى أن هناك تفاوتات مهمة بين الجنسين في التنمية، تؤكدها مؤشرات التنمية البشرية، التي يجب أخذ العديد منها بعين الاعتبار، لتكون المرأة فاعلة حقيقية ضمن قطار التنمية وبالوتيرة المنتظرة.
واعتبرت أن التزام الحكومة بأجندة واضحة وقابلة للتنفيذ وممتدة في الزمن، وذات ميزانية خاصة، سيمكن من تجاوز ضعف التقائية البرامج والمخططات القطاعية، بهدف جعل الأسرة نواة للاستقرار المجتمعي، والمرأة فاعلة وطنية وإقليمية ودولية بشكل يحقق تنمية تستوعب الجميع.
من جهتها، وفي مقاربة قانونية لموضوع هذه المناظرة، أوضحت ممثلة رئاسة النيابة العامة، القاضية أمينة أفروخي، أن تكريس الحماية الجنائية والاجتماعية والمدنية للنساء والفتيات، يعتبر مدخلا أساسيا لتمكين المرأة وضمان مشاركتها في التنمية، ويعتبر في نفس الوقت تنزيلا لمقتضيات دستور 2011.
وأكدت أن الدستور الحالي شكل محطة تحول هامة للنهوض بوضعية المرأة المغربية من خلال إقرار سمو المواثيق الدولية التي تمت المصادقة عليها على القوانين الوطنية، واعتبارها مصدرا من مصادر التشريع، وإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين والسعي نحو المناصفة باعتبارها خيارا دستوريا للمملكة.
وأبرزت السيدة أفروخي أن رئاسة النيابة العامة وقعت سنة 2020 على إعلان مراكش للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، الذي أعطيت انطلاقته تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للامريم، مشيرة إلى أن هذا الإعلان الموقع عليه إلى جانب العديد من القطاعات الأخرى، رتب على عاتق رئاسة النيابة العامة عدة التزامات في مقدمتها إعداد البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف وتتبع تنفيذ مضامينه، من أجل تجويد الخدمات المقدمة للنساء ضحايا العنف وجعلها تراعي خصوصية أوضاعهن وتستجيب لحاجياتهن.
وأضافت أنه، في إطار تنزيل التزامات إعلان مراكش، عملت رئاسة النيابة العامة، وما تزال، على الحد من زواج القاصر باعتباره صورة من صور انتهاك حقوق المرأة والفتاة المغربية، والحد من الهدر المدرسي، مؤكدة الحرص على ضمان متابعة الفتيات لتمدرسهن ووقايتهن من أضرار الزواج المبكر، عبر تنسيق الجهود المشتركة لتفعيل قانون إلزامية التعليم الأساسي.
وقالت، من ناحية أخرى، إن إدماج الجميع في عملية التنمية يقتضي “مواجهة الموروث الثقافي بكل شجاعة، والتأثير الإيجابي لتغيير المنظور المجتمعي الذي مازال يحصر المرأة في الأدوار التقليدية المتمثلة في العناية بشؤون الأسرة والأطفال فقط، ويحول دون مشاركتها في التنمية ما يحجب أكثر من نصف الرأسمال البشري للأمة”.
من جهته، قال عادل بويحيى، عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، “إن اختيار بلادنا لمشاركة المرأة الفعالة في التنمية على قدم المساواة مع شقيقها الرجل خيار لا لبس فيه”، مبرزا أن جلالة الملك محمد السادس مافتئ يؤكد على ذلك في خطبه السامية، لا سيما خطاب الذكرى الـ23 لعيد العرش الذي أكد فيه جلالته أن “بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية، لذا نشدد مرة أخرى، على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات”.
وأبرز السيد بويحيى أن إعلان مراكش للقضاء على العنف ضد النساء، والبروتوكول الترابي المنبثق عنه، يعتبران خارطة طريق عملية لتنسيق جهود الجهات المتدخلة في عملية التكفل وضمان التقائيتها فضلا عن تجويد الخدمات المقدمة لضمان حماية أفضل للنساء والفتيات، مشيرا إلى أن “مصادقة بلادنا مؤخرا على البروتوكول الاختياري المتعلق بالبلاغات الفردية الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تعتبر لبنة أخرى مهمة تنضاف إلى مسار تعزيز منظومة حماية حقوق المرأة وتمكينها وتفرض علينا مسؤولية مضاعفة الجهود من أجل الرفع من أداء هذه المنظومة وجعلها في مستوى المعايير الدولية المعمول بها”.
من جانبه، أشار الوالي المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، محمد دردوري، إلى أن موضوع المرأة في ارتباطه بقضية التنمية، هو موضوع جوهري لكونه يدخل في صميم الاستقرار المجتمعي، مضيفا أن عمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مجال الاقتصاد الاجتماعي رائد ، وأن آلاف الجمعيات والتعاونيات تشهد اليوم على منجز تمكين المرأة من ولوج عالم الاقتصاد.
وأبرز السيد دردوري أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أنجزت، بشراكة مع التعاون الوطني ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، آلاف المراكز ذات الأدوار المختلفة، والتي تستقبل وتواكب النساء والفتيات في وضعية هشاشة من مختلف المناطق، مذكرا بأن عددا من برامج المبادرة مكنت النساء من توفير حاجياتهن الأولية التي تعتبر شرطا أساسيا لممارسة حقوق أخرى مثل التمدرس.
وخلص إلى أنه على الرغم من المكتسبات المحققة في مجال التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء، إلا أن هناك العديد من مظاهر الفوارق والتمثلات التي يجب مواجهتها بأهداف واضحة، مبرزا في هذا الصدد أن المبادرة تشتغل حاليا على تغيير السلوكيات المرتبطة بصحة الأم والطفل في العالم القروي، من خلال برنامج للصحة الجماعاتية سيتم تنفيذه في 47 ألف دوار بشراكة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
أما ممثل اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، فأكد أن اللجنة، وفي إطار مواكبة تطورات العالم الرقمي دون المساس بالحياة الخاصة للنساء والأطفال والمراهقين، قامت بمجموعة من المبادرات من بينها إطلاق المنصة الرقمية (https://koun3labal.ma) في 9 دجنبر 2022، التي تعتبر بمثابة مدرسة افتراضية من شأنها تسهيل عمل الفاعلين في المجال ورفع الوعي بالحقوق وسبل الانتصاف المتاحة لحماية الحياة الخاصة.
وأضاف أنه من الضروري تظافر جهود كل الفاعلين، كل في إطار اختصاصاته، من أجل تعزيز حقوق المرأة وحماية الحياة الخاصة والمعطيات ذات الطابع الشخصي.
من جهتها، أوضحت ممثلة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نادية السبتي، أن موضوع المشاركة الكاملة للنساء في عملية التنمية هو موضوع يحظى باهتمام كبير من لدن المجلس، الذي يعتبر من المؤسسات السباقة التي أثارت خطورة التدني المستمر لمشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي وانعكاسات ذلك على التنمية الشاملة للبلاد وعلى الممارسة الفعلية للحقوق الأساسية للنساء.
ووقفت السيدة نادية السبتي على مختلف أوجه متابعة المجلس لموضوع المساواة بين الجنسين من خلال التقارير والتوصيات المقدمة في مختلف المناسبات وعناصر التقدم الذي سجله المغرب، من قبيل إصلاح مدونة الأسرة ومراجعة العديد من النصوص التشريعية على مستوى القانون الجنائي وقانون الجنسية، وكذا ولوج المرأة لبعض المهن التي كانت حكرا على الرجل مثل الوقاية المدنية والعدول والشرطة، وإقرار تدابير فعالة على مستوى الانتخابات التشريعية والمحلية بغرض تعزيز التمثيلية السياسية للنساء.
وخلصت إلى أن “المشاركة الكاملة للمرأة في التنمية تقتضي تحقيق المناصفة والمساواة الفعلية، والتي تنطوي على كسر +السقف الزجاجي+ الذي تمثله جميع الحواجز المجتمعية والنفسية لتمكينها من الوصول إلى المكانة التي تستحقها “.
تجدر الإشارة إلى أن جلسة المؤسسات الوطنية عرفت حضور السيدة لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري،وكذا عدة فاعلين ومهتمين بقضايا المرأة والأسرة في علاقتها بالتنمية.
وتنظم هذه المناظرة على مدى يومين من قبل وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة لمناقشة مجموعة من القضايا ذات الراهنية، والمتعلقة بالمرأة والأسرة وعلاقتهما برهانات التنمية، من خلال استحضار عدد من المرجعيات، من بينها منظومة القيم بكل أبعادها، باعتبارها مصدرا للمشترك الذي يستمد منه المجتمع المغربي خصوصيته وتفرده عن باقي المجتمعات، وباعتبارها أيضا، مصدر قوة تساهم في تسريع المجهودات التنموية بالمملكة.