إشكالية الفقر بالمغرب ومتطلبات الديمقراطية الاجتماعية عبد المطلب أعميار.
بقلم : عبد المطلب أعميار
تعتبر المسألة الاجتماعية إحدى الملفات الحاسمة في قياس وتيرة النمو بأبعاده المختلفة، وهي الوجه الذي يعكس مسار ونتائج السياسات العامة في كل البلدان، ومدى قدرتها على رفع تحديات التطور الفردي والجماعي،ومتطلبات التقدم والرقي لبناء المواطنة الفاعلة.وفي بلادنا، لا تحضى المسألة الاجتماعية بما يكفي من النقاش العمومي، حيث يتم تناولها عرضيا إما عند اندلاع أزمة من الأزمات، أوعند حدث طارئ.
وقد تكرس هذا المنحى خلال التجارب الحكومية السابقة، وتعمق خلال التدبير الحكومي الحالي حيث تم تهميش النقاش العمومي بصدد القضايا المجتمعية الحاسمة، وذات الأولوية، في اتجاهات لا علاقة لها بمتطلبات المرحلة الراهنة.
ومن حسنات النقاش الذي تفجر في مجلس النواب بخصوص مسألة الفقر ببلادنا،وما تلاه من ردود أفعال إزاء تصريحات الوزيرة بسيمة الحقاوي والتي اعتبرت بأن الفقر المدقع غير موجود ببلادنا، أنه( أي النقاش) أعاد المسألة الاجتماعية إلى صلب النقاش العمومي.
كما سمح بالكشف عن النواقص المترتبة عن المقاربات السطحية للفاعل السياسي، ومن ضمنها ما جاء على لسان وزيرة الأسرة والتضامن، حيث بات من الواضح أن مقاربة إشكالية الفقر ببلادنا لا تخضع لرؤية موضوعية، ومستقبلية ، بل إنها تظل سجينة الأرقام الدولية المرتبطة بقياس معدلات وخرائط الفقر في العالم، وكذا بالمعايير التقليدية المرتبطة بقياس الفقر بناء على الدخل الفردي.
وهو ما أسقط حزب العدالة والتنمية في تناقضات مكشوفة بين ما كان يصرح به في المعارضة، ، وما أصبح يصرح به اليوم إزاء نفس الظاهرة.
وفي هذا الصدد، ينبغي التذكير بأن الاتجاه العام الذي تتبناه العديد من الدراسات والتقارير ذات الصلة بالموضوع لم تعد تقارب الفقر ارتباطا بأبعاده المادية (ضعف القدرة الشرائية، تدهور الدخل الفردي، و انحطاط شروط العيش…) بل أضحت تدرج عوامل ومحددات أخرى من قبيل العجز المسجل في الولوج إلى الشغل،والصحة،والتعليم،والماء الشروب، والكهرباء، والتطهير،والسكن، وعدم القدرة على الادخار، والاستثمار، وكذا عدم القدرة على المشاركة في صنع القرار، والمساهمة في التدبير الجماعي، ناهيك عن أبعاده النفسية المترتبة عن الإحساس بالإقصاء الاجتماعي، والحرمان،والضياع، والعجز عن مجابهة متطلبات الحياة. وترتبط حالة الفقر بمؤشرات التطور الاجتماعي( على المستوى المحلي) ومؤشرات النمو البشري.
حيث لم يعد الفقر يقاس بمستوى الدخل، لتحديد الحد الأدنى من الاحتياجات ،و بمستوى الانفاق، بل أيضا بإدراج المحددات التنموية المرتبطة بمستوى الولوج للخدمات الاجتماعية،ومؤشرات النمو،والاندماج الاجتماعي، والمواطنة النشيطة..الخ.
وقد سبق لتقرير الخمسينية (المغرب الممكن) أن تنبه للأمرعندما أشار إلى أنه ” لا يمكن للفقر أن يختزل فقط في الحرمان من الموارد المالية.ذلك لأن هذا المفهوم يتسع ليشمل أشكالا أخرى من الحرمان الإنساني”.
واعتمادا فقط على المعيار المالي المرتبط بالفقر أظهر تقرير لمنظمة “فاو” للأغذية والزراعة، أن 5 ملايين مغربي لا زالوا يعيشون تحت عتبة خط الفقر، بأقل من دولارين في اليوم الواحد..
وكشف التقرير أن مظاهر الفقر لازالت تعشش في المغرب، خصوصا في الوسط القروي. وإذا أصفنا إلى هذا المستوى الجوانب المرتبطة بالحماية الاجتماعية فيكفي أن نشير أن التغطية الاجتماعية لا تشمل سوى 36.8 بالمائة من مجموع سكان المغرب.
وقد سبق أن سجل ” التقرير الوطني حول السياسة السكانية ” بالمغرب أن نسبة الفقر قد وصلت إلى تسعة عشرة في المائة (19 %) وإن سبعمائة وثمانين ألف (780000) أسرة تعيش فقرها المدقع في تجمعات سكنية غير لائقة، بأحياء الصفيح وبمساكن هامشية.وتبرز معطيات البحوث حول استهلاك ونفقات الأسر التي أنجزتها وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط بالمغرب،في السنوات القليلة الماضية، أن نفقات أغلب السكان تقترب من عتبات الفقر.
ويصل المعدل الإجمالي للفقر على المستوى الوطني إلى حدود 22 في المائة، وفقا لنتائج البحث الوطني حول استهلاك ونفقات الأسر المغربية، وهي المعطيات ذاتها التي تبناها تقرير للبنك الدولي، حيث أظهر أن ربع سكان المغرب، أي ما يعادل 8.5 ملايين مغربي يعانون الفقر المتعدد الأبعاد والذي يتضمن التعليم و الصحة ومستوى المعيشة، منها 4.5 ملايين شخص في وضعية هشاشة ونحو أربعة ملايين شخص تحت خط الفقر… إن اشكالية الفقر بالمغرب، بقدر ما تعكس فشل السياسات الاقتصادية المنتهجة منذ عقود، بقدر ما تكشف اليوم اتساعا خطيرا لمظاهر البطالة، والهدر المدرسي ،والتشرد،والتسول،والدعارة،والمخدرات،والعنف بمستوياته المختلفة، والجنون…وكلها مظاهر تسائل منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا.
وقد تكرست هذه المظاهر ، واتسعت دوائرها، بعل الاختيارات الليبرالية للحكومة الحالية، وهي الاختيارات القائمة على تحقيق التوازنات المالية على حساب الحماية الاجتماعية.
ولا سبيل اليوم لمواجهة المخاطر الناجمة عن الفقر، بانعكاساته المتعددة المرتبطة ببناء مشروع الدولة الاجتماعية بما تفرضه من رهانات وتحديات سياسية، وثقافية، وتنموية إلا بإقرار ديمقراطية اجتماعية مبنية على سياسات حمائية حقيقية مبنية على قواعد العدالة الاجتماعية لمجتمع مغربي عادل يراهن على تحقيق مقومات المواطنة بما تفترضه من حدود دنيا للتوازن الاجتماعي، وتقليص الفوارق الطبقية من خلال التوزيع العادل للثروة.
وبناء النمو بالتوفيق بين النجاعة الاقتصادية والتنافسية من جهة، والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى،وتقوية برامج ومخططات الحماية الاجتماعية بعيدا عن السياسات الفئوية الضيقة، والخلفيات الانتخابية الظرفية،باعتماد استراتيجيات للتنمية الاجتماعية الاجتماعية طويلة المدى.
و هذه المحددات تمر، بالضرورة، عبر إقرار نموذج اقتصادي جديد يمكن من خلق الثروة، ويؤمن الشغل، ويعمل على ضمان العدالة المجالية ( التوازن بين الجهات والأقاليم) على حد سواء، تلعب فيه الدولة دورا مهما من خلال سن سياسات متجانسة، وناجعة، في توازن بين العرض والطلب، وبإقرارسياسات جبائية جريئة تروم تحقيق التوازنات القطاعية ما بين الفلاحة، والتجارة، والصناعة، وتوسيع الوعاء الضريبي، وتنظيم القطاع غير المهيكل،. هذه المداخل لا يمكن أن تحقق فعاليتها إلا عبر حكامة تدبيرية للشأن العام تزاوج بين مقتضيات الترسيخ الديمقراطي وسلطة القانون من جهة ، والنجاعة الاقتصادية من جهة ثانية.