طاجين بوعشرين أولعبة الاستدلال الماكر.
بقلم : عبد المطلب أعميار
تبدو حماسة مدير نشر جريدة “أخبار اليوم” السيد توفيق بوعشرين حماسة فائقة عند تناوله في افتتاحيته المعنونة ب” طاجين البام لن يكون جاهزا في أكتوبر”(عدد 1958) موضوع ما سمي باستطلاع الرأي المنجز من طرف معهد ” أفيرتي الذي هم 1098 من المغاربة الشباب مستعملي الانترنيت، والذي خلص إلى أن 45 بالمائة من المستجوبين يتوقعون أن يكون بنكيران رئيسا للحكومة المقبلة، فيما حصل الياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة على 15.3بالمائة من الأصوات،ونبيلة منيب الأمينة العامة للاشتراكي الموحد 8.3 بالمائة، وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال 2.3 بالمائة….
ودونما حاجة موضوعية لاستقراء النتائج المترتبة عن هذا الاستطلاع العشوائي الذي يفتقد للمقومات العلمية المرتبطة بهذا النوع من استطلاعات الرأي، وبالتالي عدم صلاحيته ليشكل قاعدة معطيات حقيقية لمعرفة توجهات الرأي العام ،ودونما حاجة كذلك لتناوله بالتحليل اعتبارا لغرابة الترتيب الذي أفرزه في الخريطة السياسية الحالية قياسا مع المعطيات الرقمية المرتبطة بنتائج الانتخابات الأخيرة، والموقع السياسي لكل الأطياف المتبارية في الحقل السياسي،لا يسعنا في هذا المقام إلا مساءلة الخلفية الإعلامية الماكرة التي تناول بها السيد بوعشرين نتائج هذا الاستطلاع الذي يبشرنا باكتساح العدالة والتنمية للانتخابات القادمة.
حيث يستنتج مدير ” أخبار اليوم “، بسرعة فائقة، بأن الكرة الآن في ملعب ” الدولة العميقة”، وأنه لا خيار أمامها إلا بقبول فوز العدالة والتنمية، فوزا عدديا عوض أن يحقق الأغلبية المطلقة المضمونة. بمعنى آخر، يقدم السيد بوعشرين نصيحة للدولة يفهم منها أنه مادام أن فوز العدالة والتنمية أمر محسوم، فالأفضل للجميع ” ألا يفوز بأكثر من 50 بالمائة من مقاعد مجلس النواب…وأن يقبل( حزب العدالة والتنمية) بالمرتبة الأولى في الانتخابات دون الوصول إلى الأغلبية المطلقة..وأن يرفع رجله عن “لاكسيليراتور” طواعية.
ماذا يعني هذا الكلام، من منطق بوعشرين؟.
معناه بأن حزب العدالة والتنمية إذا قرر حصد الأغلبية المطلقة في مجلس النواب سيفعل ذلك إن أراد،وسيحققه، ولا سبيل أمام الدولة إلا أن توقف زحفه المحتوم بهندسة انتخابية تضمن له الأغلبية العددية عوض الاكتساح القادم، وأن يقبل العدالة والتنمية بهذا الإخراج ” الذكي”، ودونما حاجة لكي يمر إخوان بنكيران إلى السرعة القصوى.
هذه الاستراتيجية الخطابية تسمى في تحليل الخطاب بالاستدلال الماكر ،وهو الاستدلال الذي يقوم على بناء حجاجي يشتغل على تمويه المتلقي ، وإيهامه بأنه أمام أمر واقع، و أمام مسلمة لا تحتاج لتشكيك، ولا خيار أمامه، والحالة هاته ، إلا قبول هذا المعطى كمعطى ثابت.وبالتالي، تعمل هذه الاستراتيجية على ترسيخ “الحقيقة” غير القابلة للتشكيك. و” الحقيقة” التي يريد بوعشرين إيهام المتلقي باطلاقيتها وحتميتها وهي أن البيجيدي سيكتسح مجلس النواب، ولا خيار أمام ما يسميه بالدولة العميقة إلا قبول هذا الواقع، والعمل على إخراج سيناريو إرادي يوقف زحف البيجيدي، ويعفيه من المرور إلى السرعة القصوى والتي ستمكنه لا محالة من انجاز فتوحاته الانتخابية، والاكتفاء بقبوله الطوعي بأغلبية عددية ستمكنه طبعا من احتلال المرتبة الأولى في انتخابات أكتوبر .
ولكي يعضد السيد بوعشرين أطروحته، وينجز رؤيته التبشيرية، سيخبرنا بما يلي
-يقول مدير ” أخبار اليوم” في افتتاحيته ” عرفت أن استطلاعات الرأي التي تنزل من الأقاليم والعمالات تعطي تقدما كبيرا للمصباح الذي لم تتأثر شعبيته كثيرا..”، و” أن وزارة الداخلية اليوم أمام امتحان كبير لأن البيجيدي هزم النظام الانتخابي الجماعي الذي وضع منذ سنوات”. وفي هذا الصدد، نتساءل كيف عرف توفيق بوعشرين بأن تقارير العمالات والأقاليم تعطي تقدما كبيرا للمصباح؟، ثم إذا كانت شعبية بنكيران – كما يقول بوعشرين- لم تتأثر كثيرا، فإنها على الأقل تأثرت قليلا، فكيف لكاتب الافتتاحية أن يبشر باكتساح العدالة والتنمية لمجلس النواب ؟.
– ويضيف ” شعبية بنكيران مازالت واسعة، وهي لم تنحسر سوى في بعض الأوساط التي تضررت من قرارات حكومته ، أو التي لم يصل إليها شئ من “بركاته”. وعليه ، نتساءل لماذا لا يسمي صاحب الافتتاحية الأوساط التي تضررت من قرارات حكومة بنكيران؟ وهل هي أو ساط محدودة العدد لدرجة الجزم بأنها لم تؤثر في شعبية بنكيران؟.وهل القرارات التي اتخذتها حكومة العدالة والتنمية تؤهل الحزب الحاكم لكي يضاعف مقاعده في البرلمان لدرجة توقع فوزه بالأغلبية المطلقة من مقاعد الغرفة الأولى؟.
– ويستطرد بوعشرين قائلا” الطبقة الوسطى والبرجوازية في المدن الكبرى ستعطي ثقتها لبنكيران وحلفائه يوم 7 أكتوبر، والكتلة الناخبة في البوادي لن تمنع المصباح من نصر كبير..”…ولكي تكتمل فصول المديح يضيف السيد بوعشرين أن ” الحكومة أظهرت إحساسا اجتماعيا بأوضاع الفقراء حتى وان كانت مبادراتها رمزية..”.
وحقيقة، لا نعرف كيف يقيس بوعشرين معنى ودرجات الإحساس الاجتماعي بأوضاع الفقراء، وكيف يقيس ثقة البرجوازية والطبقة الوسطى في حكومة بنكيران. وإذا ما اعتمدنا الخلاصات الواردة في هذه الافتتاحية فان، كل الفئات الاجتماعية ستصوت لصالحه. سيصوت له الفقراء، والبرجوازية، والطبقة الوسطى….على الرغم من أن بوعشرين يصرح نفسه بأن حصيلة البيجيدي “ليست نموذجية”.وهكذا ، تكتمل اللغة التبشيرية التي سمحت للسيد بوعشرين بالقول إن ” طاجين البام لن يكون جاهزا في أكتوبر”، ووحده طاجين العدالة والتنمية سيكون إذن جاهزا لحصد نتائج انتخابات أكتوبر…ولأن للسيد بوعشرين طاجينه الخاص، والذي احترق، بموجب هذه الاستنتاجات “العظيمة” المجردة من أي حس تحليلي موضوعي،نلفت انتباهه بأن الإستراتيجية الإعلامية التي اعتمدها في هذه الافتتاحية سقطت مع الأسف في لغة الاستدلال الماكر، وعليه أن يتحكم في أعصابه إلى غاية محطة الانتخابات القادمة.