زنقة 20 | الرباط
أصدر قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بالرباط -العاصمة- حكما في نازلة فريدة تتعلق بدعوى تقدّم بها زوج في مواجهة زوجته أمام القضاء المغربي لمطالبتها بمعاشرته جنسيا[1].
الحكم القضائي المذكور ، يعتبر تحولا في الاجتهاد القضائي في قضايا النشوز ودعاوى الطاعة في بلدان المنطقة، كما يشكل اجتهادا قضائيا قد يسعف في مسار تجريم الاغتصاب الزوجي.
تعود فصول القضية الى تاريخ 18-7-2019 حينما تقدم زوج بدعوى قضائية أمام قسم قضاء الأسرة بالرباط العاصمة، يعرض من خلالها أن المدعى عليها زوجته، وأنها لم تمكنه من الدخول بها، أي من معاشرتها جنسيا، رغم مرور وقت كبير على إبرام عقد الزواج، ملتمسا من المحكمة الحكم عليها بتمكينه من الدخول بها مع النفاذ المعجل وتحميلها الصائر.
وأجابت المدعى عليها بكونها لا تمانع في المعاشرة الزوجية شرط أن يلتزم زوجها بالمعاشرة بالمعروف وتبادل الاحترام والمودة تحت سقف بيت واحد.
و قررت محكمة الأسرة بالرباط رفض طلب الزوج بإجبار زوجته على معاشرته جنسيا، رغم وجود عقد الزواج، معتمدة على العلل التالية:
المعاشرة الجنسية وما يقتضيه واجب المساكنة “الشرعية” بحسب المادة 51 من مدونة الأسرة هي في الوقت ذاته واجب وحقّ لكلا الزوجين.
الهدف من المعاشرة الجنسية داخل مؤسسة الزواج لا يتمثل فقط في تلبية رغبات غريزية وقضاء عابر للوطر، بل قرنها المشرع بآداب المعاشرة التي يجب التقيّد بها من طرف الزوجيْن عند صفاء الجو بينها. ولا يتصور قط احترام هذه الآداب متى وجد ما يكدر صفو الحميمية ويقوض انجذاب الشريك لشريكه.
لا يجوز تنفيذ المعاشرة الجنسية من طرف الزوجة جبرا بعد الحكم بها قضاء، لأن ذلك يجافي مقاصد الشرع من الجماع المتمثلة في بعث السرور عند الزوجين معا توطيدا للعلاقة بينهما.
واعتمادا على هذه العلل قررت محكمة الأسرة بالرباط رفض طلب المدعي.
يعتبر هذا الحكم القضائي الذي تنشره المفكرة القانونية من بين التطبيقات القضائية النادرة لدعاوى البناء، وهي الدعاوى التي يطلب فيها الأزواج من القضاء تمكينهم من الدخول بزوجاتهم، إذ أن غالبية القضايا المعروضة على المحاكم تتعلق بالرجوع الى بيت الزوجية.
تترتب على واقعة البناء بالزوجة أو الدخول عدة التزامات مالية ترتبط باستحقاق المهر، كما قد يترتب عليها آثار أخرى تتعلق بالنفقة وتاريخ استحقاقها، إلى جانب ما قد يترتب عن رفع هذه الدعوى من آثار في مدى اعتبار أحد الزوجين مسؤولا عن الإخلال بالواجبات المشتركة طبقا للفصل 51 من مدونة الأسرة مما قد يرتب في حقه التعويض عن الضرر في حالة انهاء عقد الزواج.
رغم هذه الآثار التي تترتب عن واقعة البناء بالزوجة، رفضتْ المحكمة الحكم بإلزام الزوجة على المعاشرة الجنسية لزوجها، مؤسسة قضاءها على أنّ العلاقة الجنسية بين الزوجين ينبغي أن تنفذ بشكل رضائي لا بشكل قضائي.
وتؤسس المحكمة من خلال هذا التعليل لاتجاه قضائي بارز يجعل العلاقة الزوجية قائمة على الاختيار لا على الطاعة والإجبار.
وهي بذلك تضع حدّا لاتجاه موجود داخل الفقه واجتهاد بعض المحاكم[2] مفاده أن عقد الزواج يجعل الزوجة في حالة موافقة ضمنية على أي علاقة جنسية تتم بينها وبين الزوج، ما لم يكن هناك مانع صحي أو “ديني”، كما في حالة صوم الزوجة خلال شهر رمضان أو كونها حائضا.
من المأمول أن يساهم هذا الحكم في دعم الاتجاه القضائي القائل بإمكانية تجريم الاغتصاب الزوجي، رغم عدم وضوح النص القانوني، وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن غرفة الجنايات الاستئنافية بطنجة –شمال المغرب- سبق وأن قضت بتجريم الاغتصاب الزوجي في حكم فريد.
كما تخوض عدد من الجمعيات النسائية بالمغرب حملات مناصرة من أجل تعديل مدونة الأسرة لإنهاء آخر مظاهر التمييز بين الجنسين في النصوص القانونية بالمغرب.