زنقة 20. الرباط
قال السفير المندوب الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، اليوم الاثنين، إن حركة عدم الانحياز مطالبة بأن تسهم بشكل فعال في إرساء نظام دولي جديد يشكل منصة لعمل مشترك فاعل يعزز الأمن الجماعي بكل أبعاده.
وأوضح السيد هلال في كلمة ألقاها خلال اجتماع تخليد الذكرى الـ 60 للمؤتمر الأول لدول حركة عدم الانحياز ببلغراد (11- 12 أكتوبر)، أنه “وإيمانا منها بأهمية العمل متعدد الأطراف البناء، فإنها مطالبة بأن تسهم بشكل فعال في إرساء نظام دولي جديد يكون منصة لعمل مشترك فاعل يعزز الأمن الجماعي بكل أبعاده ويتجاوب مع التحديات الحالية والناشئة”.
وبحسب السيد هلال، فإن هذا الأمر يتطلب العمل على تبني طرق عمل ومنهجيات متجددة ومرنة، ترتكز على العمل الملموس والمبني على النتائج.
وأضاف أن هذا ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى القمة الخامسة عشرة لحركة عدم الانحياز، حيث قال جلالته إن “حركتنا مدعوة، أكثر من أي وقت مضى، إلى الانخراط الإيجابي، كفاعل مؤثر ووازن، يسعى إلى إسماع صوته وإلى الإسهام البناء في إرساء قواعد حكامة جيدة، عادلة ومنصفة ومتوازنة، بما يكفل تثبيت السلم والأمن الدوليين، وترسيخ العمل الجماعي، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة”.
وذكر السيد هلال بأن هذه “المحطة التاريخية التي نحن بصدد الاحتفاء بها، تكتسي أهمية بالغة تساءلنا حول مدى نجاح حركتنا في التكيف مع التغيرات العالمية المعاصرة. كما تدعونا للتفكير مليا في السبل الكفيلة بتعزيز قدراتنا الذاتية والمضي قدما بجهودنا الجماعية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الآجال المنشودة”.
وأكد السفير أن المملكة المغربية، وهي العضو المؤسس ومن المشاركين في قمة بلغراد الأولى، لطالما اعتبرت حركة عدم الانحياز منصة مرموقة للعمل الجماعي، ومنتدى وجيه لبناء عالم تسوده القيم الديمقراطية والأمن والعدالة وحقوق الإنسان.
وأبرز الدبلوماسي المغربي أن التزام المملكة المغربية يندرج في إطار الرؤية الإستراتيجية الشاملة لجلالة الملك، قوامها تعزيز السلم والأمن الدوليين، ودعم التكامل الاقتصادي الإقليمي وتعزيز القدرات الوطنية في مجال التنمية البشرية المستدامة، وتطوير شراكات مثمرة وفعالة ومنفتحة، بإشراك القطاعين العام والخاص، ضمن تعاون ثلاثي يضم كذلك دول الشمال.
وتجسيدا منه لروح التضامن الفاعل – يضيف السيد هلال – أطلق جلالة الملك مبادرة عملية تمثلت في إقامة المغرب لجسر جوي نحو أزيد من عشرين دولة إفريقية وعربية، لنقل مساعدات طبية فورية من أجل دعم قدراتها الوطنية للتغلب على جائحة “كوفيد-19”.
كما بادر جلالته إلى التأسيس لأول مشروع وطني عملاق لتصنيع وإنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد وغيره من الحالات الوبائية المحتملة مستقبلا، كتدبير استباقي من شأنه أن يستجيب أيضا لكامل حاجيات القارة الإفريقية.
واستطرد السيد هلال قائلا “ونحن نحتفي بالذكرى الستين لنشأة حركتنا، تبقى القضية الفلسطينية في صلب انشغالاتنا، حيث تتطلع المملكة المغربية كما عبرت دائما عن ذلك إلى سلام عادل وشامل ومستدام في الشرق الأوسط، يفضي إلى قيام دولة فلسطين مستقلة، على ترابها الوطني ضمن حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلم وأمان، جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل”.
وتابع أن “المملكة المغربية، التي يترأس عاهلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لجنة القدس، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، تؤكد موقفها الثابت والمبدئي بخصوص ضرورة الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي والروحي للمدينة المقدسة، بما يجعلها أرضا للتعايش بين أتباع الديانات السماوية الثلاث وصلة وصل بين الشعوب لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة”.
وأضاف السفير أنه على الرغم “من اختلاف الظرفية الحالية عن تلك التي ولدت فيها حركتنا، إلا أن فلسفة ورؤية مؤسسيها لا تزال وجيهة وصائبة في وقتنا الحاضر”.
وقال “إذا كانت فترة الستينات قد طبعتها سياسات التحرر من براثين الاستعمار وبزوغ فجر الاستقلال، فإن الأولوية أضحت اليوم هي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمن الجماعي بكل أبعاده بغية ضمان التقدم والازدهار والعيش الكريم لشعوبنا”.
وحرص السيد هلال على استحضار صواب المسار المتنور الذي اتبعه الآباء المؤسسون للحركة، لاسيما الدور الرائد للملك الراحل محمد الخامس، طيب الله ثراه، في تضافر الجهود وتوحيد المواقف الإفريقية لتسهم في بناء الحركة كقوة اقتراحية فاعلة قادرة على تجاوز منطق المعسكرات والمفاهيم الضيقة للمصالح الوطنية.
وبحسب السفير، فإن “هذا ما أكده جلالة المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني، أحد مؤسسي حركتنا في كلمته أمام مؤتمر بلغراد الأول حيث قال: إن حيادنا لا يعني الانعزال أو اللامبالاة بالنسبة لجزء من البشرية، بل هو على العكس من ذلك يعني قبول كل ما هو عادل، وحق في نطاق الفكر البشري، وأنه حياد نشيط وحي، ولا يستهدف سوى إنقاذ القيم الإنسانية، وإقرار السلام والتقدير بين الجنس البشري”.
وأضاف أن هذه الحركة كرست جهودها منذ البداية للعمل على ترسيخ السلم والأمن الدوليين، والسعي إلى تشجيع التعاون المشترك وتعزيز التضامن من خلال تفعيل المبادئ العشر لمؤتمر باندونغ. “ومن أكبر تجليات هذه الجهود ترسيخ مبدأ احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام الاستقلال الوطني، ونزع السلاح، ورفض استعمال القوة أو التهديد باستخدامها، وتعزيز الشراكات والتعاون البناء، وتدعيم دور الأمم المتحدة”.
وفي الختام أعرب السيد هلال عن ترحيب المملكة المغربية بالمبادرة المشتركة التي أطلقتها دولة أندونسيا الشقيقة لتجميع الأرشيفات الوطنية للدول التي شاركت في المؤتمر الأول لقمة دول عدم الانحياز في بلغراد سنة 1961، وتسجيلها ضمن السجل الدولي ”ذاكرة العالم” لمنظمة اليونسكو، “مما سيسهم في الحفاظ على الموروث الغني لحركتنا وتمريره للأجيال القادمة”.
وأضاف “هذا الموروث الذي شكل لحظة تاريخية حاسمة ومتميزة شاركت فيها المملكة المغربية من ضمن الرواد الأوائل، في شخص جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه”.
وخلص إلى القول إنه و”انطلاقا من قناعتها بالجدوى القيمة لهذه المبادرة الهامة تعلن المملكة المغربية عن دعمها لها كمساهمة منها في الجهود التضامنية لحركتنا”.