مؤتمر ‘البـام’..سؤال “المدينة و الهجرة و حقوق الإنسان”

بقلم : المصطفى المريزق

إن أهمية المؤتمر الثالث لحزب الأصالة و المعاصرة لا تخفى على كل الفاعلين السياسيين و المتتبعين و الإعلاميين داخل المغرب و خارجه.

و لا تستعصي الأسباب المباشرة الكامنة و راء تصاعد الدعوات و تكاثف التحركات و السجال و التنابز خلال هذه الأيام الأخيرة، بل و في الساعات القليلة التي تفصلنا عن المؤتمر، تحت عنوانين كثيرة و متعددة يمكن تلخيصها في السؤال التالي: “أية قيمة مضافة سيأتي بها المؤتمر الثالث لحزب الأصالة و المعاصرة؟”.

كما لا يخفى على أحد، أن سبب هذا الاهتمام الزائد بحزب الأصالة و المعاصرة يعود إلى أن الكل يتطلع إلى هذا المؤتمر أنه مؤتمر الحسم و المستقبل أمام ازدياد كفاحية الجماهير الشعبية و نضالها من أجل الحرية و الديمقراطية و تضخم عبئ الاختناق السياسي الناجم عن بلوغ السياسة الحكومية اللاشعبية و اللاديمقراطية و التفتت السياسي ذروة لم يعرفها المجتمع المغربي من قبل.

إنه مؤتمر يرى فيه جيل جديد من الفاعلين السياسيين و النقابيين و الحقوقيين و الشباب و الطلبة و مغاربة العالم و العمال و الفلاحين و النخب الاقتصادية، امتدادا لنضالهم من أجل الكرامة و العدالة الاجتماعية، في زمن تنامي العولمة و فشل النموذجين الليبرالي و الطوطاليطاري و النكسات الاقتصادية و الاجتماعية، و استفحال الفوارق الطبقية و فساد السياسة التعليمية المتبعة.

إنه مؤتمر ينتظر منه الرأي العام الوطني و الدولي فتح نقاش صريح و مسؤول حول التطلعات المستقبلية للمغاربة و المهام المطروحة على حزب الأصالة و المعاصرة كتجربة حزبية نموذجية، تنطلق من الحاضر لبناء المستقبل من أجل تعرية جذرية للأوضاع التي خلفتها الاختيارات السائدة، والعمل إلى جانب كل القوى الديمقراطية المناضلة من أجل إقرار اختيارات شعبية حقة، والمساهمة في ولوج المعالجات الأمنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الحقوقية و الثقافية انطلاقا من سياسته الواقعية التي تؤمن بالنضال من داخل المؤسسات لتحقيق الشفافية و إعمال آليات المراقبة و المحاسبة و المعاقبة.

و لعل من بين ما يتوجب الاهتمام به – كذلك – في هذه المحطة التاريخية، هو الدعوة إلى التفاعل مع التحديات الديمغرافية و ما ينتج عنها من مظاهر الإقصاء الاجتماعي و العمراني و التي تستدعي الحكامة و التخطيط الحضري و العمراني من أجل ضمان فضاء مجتمعي متوازن بين مختلف الفئات الاجتماعية و التفكير في تنمية الجاهزية الحضرية لتوليد مسار سياسي- اقتصادي- اجتماعي تنبثق منه حلول جذرية للمعضلات الناجمة عن سوء التدبير و التسيير و عدم مراعاة العامل البيئي في مخططات التنمية المحلية المستدامة، و الاستهتار بالتعليم و خدمات النقل و المواصلات و الصحة و الشغل و مرافق الترفيه و الرياضة.

إن المدينة كتدبير لمجال العيش المشترك، بهاجسها البيئي و التنموي و الأمني، يجب أن تكون ورشا محوريا من أوراش حزب الأصالة و المعاصرة و ذلك لتحقيق الحكامة الجيدة في التدبير التشاركي الذي يأخذ بعين الاعتبار كل أشكال المبادرة المواطنة.

إن وعي هذا الواقع هو شرط ضروري لاستقامة أي طموح وطني، و بالتالي لا بد من التشديد أيضا على ضرورة ايلاء الأهمية اللازمة لقضية الهجرة و مناقشتها في إطار “مشروع و طني” يندرج في خانة المشروع البرنامجي لإستراتيجية الحزب في المستقبل، مشروع و طني شامل، متجدد، و منصف لملايين المغاربة/مغاربة العالم، الذين دخلوا التاريخ من بابه الواسع، و راكموا نضالات و طنية ديمقراطية حققت انجازات مهمة على صعيد التنمية المحلية و الجهوية و الوطنية، مما يجب حمايتهم من العنصرية و الكراهية و التطرف، خاصة ما تتعرض له الفئات الهشة منهم و الأجيال الصاعدة التي جرفتها سيول الأزمة الاقتصادية و ضعف الحماية الاجتماعية و الاغتراب المزدوج.

كما ينتظر من المؤتمر الثالث لحزب الأصالة و المعاصرة، أن يكون مؤتمر الترابط المتنامي بين نضالات مغاربة العالم و تحقيق حقهم في المواطنة الكاملة هنا و هناك، و في مقدمتها الحق في المشاركة السياسية و ترسيخ الهوية المغربية المتعددة الثقافات و تشجيع الارتباط بالقيم التي تشكل المضمون الجوهري للثقافة المغربية و تنوعها مع احترام حريتهم و إرادتهم.

ومن جهة أخرى، و في إطار السياق التاريخي المرحلي و الاستراتيجي للحزب، يجب استحضار السؤال الحقوقي ببلادنا في ارتباطه الأصيل بالتعيير الديمقراطي الجذري في إطار التعبير السياسي الشامل عن مصالح الشعب المغربي و حقه في التربية و الحماية و العدل و المساواة و الحرية، من أجل الاستمرارية في النضال من أجل الكشف عن مصير ما تبقى من ضحايا الاختفاء القسري و اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين و الإسراع بإعمال كل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعلى رأسها وضع استراتيجية وطنية للحد من الإفلات من العقاب وإصلاح منظومة العدالة و السياسات الأمنية وملائمة القانون الوطني وخاصة المنظومة الجنائية، مسطرة وقانونا، مع المقتضيات الدستورية الجديدة ومع قاعدة أولوية القانون الدولي لحقوق الإنسان، و احترام الحق في التعبير و الحق في التظاهر السلمي بصفتهما الضامن لتدبير النزاعات على أسس سلمية وديمقراطية، و نهج مقاربة تشاركية مع كل الفاعلين الحقوقيين بشأن تحديد أدوار ومسؤوليات “المجتمع المدني” في الحياة العامة من أجل ضمان الحقوق والحريات من خلال الإسراع في إصدار مشاريع مختلف القوانين المقررة في الدستور من دون تشيئ حقوق المواطنة لكل الغاربة أينما تواجدوا.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد