متاهات حقوق الانسان بالمغرب
بقلم : عزيز إدمين
عرفت الدورة الحقوقية المغربية تطورا ملحوظا، سواء تعلق الأمر بالفاعل المدني المتمثل في الجمعيات والمنظمات والحركات الاجتماعية والاحتجاجية، أو بجانبها الرسمي.
فالحركات المدنية انتقلت من حركات ارتبطت بنضالات عائلات ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي إلى حركة مطلبية واقتراحية، من خلال الانخراط في إعداد التقارير الموازية والترافع أمام الحكومة والمنتظم الدولي بخصوص مختلف الانتهاكات ذات الصلة بالحالات الفردية أو باقي المواضيع الحقوقية.
أما على المستوى الرسمي، فقد عرف المجلس الوطني لحقوق الانسان، تطورا على مستوى الصلاحيات والأدوار المنوطة به وفق مبادئ باريس الناظمة لمؤسسات حماية وتعزيز حقوق الانسان، وذلك في صيغته الأخيرة بعد صيغته الأولى المتمثلة في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
إلا أن هذه المقالة لا تسائل الوضع الحقوقي بالمغرب أو حصيلة عمل الفاعلين في مجال حقوق الانسان، بل ترصد الآليات التي يشتغل بها هؤلاء، مستثنين كلا من وزارة العدل والحريات ووزارة حقوق الإنسان سابقا، والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان نظرا لطابعها الحكومي والإداري.
ترتكز الدورة الحقوقية بشكل عام، من خلال التجارب الدولية والممارسة الفضلى أو آليات عمل الأمم المتحدة، على ثلاثة ركائز أساسية: النضالية، الخبرة والمهنية، وموظفي حقوق الإنسان.
الركيزة النضالية: ارتبط النضال الحقوقي في مختلف التجارب العالمية بالحقوق المدنية والسياسية، في إطار تحرير الدول من الاستعمار أو في إطار النضال الديمقراطي وبناء الدولة الوطنية.
وفي نفس السياق يندرج عمل النشطاء أو المدافعين عن حقوق الانسان، والذين أصدرت الأمم المتحدة بشأنهم إعلانا يتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميا والمسمى اختصار “إعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان”، وذلك سنة 2000. كما أصدر الاتحاد الأوربي ما يسمى ب”الخطوط التوجيهية للاتحاد الأوربي حول المدافعين عن حقوق الإنسان”، والذي اعتبر أن هؤلاء النشطاء يتواجدون دائما في مواجهة مباشرة مع السلطات العمومية والأمنية، مما يجعلهم دائما في وضع هش ويتعرضون لشتى أنواع الخروقات والانتهاكات.
الخبرة والمهنية: ارتبط تطور حقوق الانسان بفرز إشكالات وموضوعات جديدة تتطلب إشراك خبراء ومهنيين يمتلكون أدوات تقنية وفنية للإجابة بشكل مباشر على القضايا المعروضة أمامهم بشكل علمي.
فعلى المستوى الدولي يسجل ارتفاع على مستوى الكمي أو النوعي في المساطر الخاصة لدى مجلس حقوق الانسان بجنيف، وتضاعف عدد الخبراء المستقلين وفرق العمل والمقررين الخاصين بعد سنة 2006، حيث وصل العدد اليوم إلى 38 إجراءا خاصا موضوعاتيا و15 إجراء خاصا إقليميا.
وينحصر عمل الخبراء في التوثيق وإعداد التقارير السنوية والموضوعاتية والزيارات الميدانية والتفاعل مع النداءات العاجلة، وينتهي دورهم بمجرد تقديم عملهم إلى ميكانيزمات السياسة الحقوقية.
الإدارة الحقوقية: إن تطور حقوق الإنسان عبر العالم فرض عليها أن تستفيد من التجارب الإيجابية في التدبير والحكامة والتسويق لدى المقاولات، مما جعل مجموعة من المنظمات غير الحكومية الدولية وأيضا الحكومية تولي اهتماما كبيرا لإدارة الحقوقية، فقد أصدرت المفوضية السامية لحقوق الانسان، سنة 2001، دليلا خاصا بالتدريب على رصد انتهاكات حقوق الانسان، والذي خصصت فيه جزء كاملا لموظفي حقوق الانسان، سطرت فيه مجموعة من القواعد المتعلقة بمدونة السلوك التي يجب أن يتمتع بها هؤلاء الموظفين.
عود على بدء، إن دورة حقوق الانسان ترتكز على العناصر الثلاثة، وكل تغليب لعنصر على الآخر يؤدي إلى منزلقات مختلفة، ويمس بالرسالة النبيلة لحقوق الانسان، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن:
أولا: خطر النضالوجية؛ ونعني بهذه المفردة كل شخص أو منظمة تعتمد على النضال لوحده في الدورة الحقوقية وتفرط في استعماله، فتصاب بالعمى وذلك لكون مطالبها وشعاراتها غالبا لا تتماشى مع التحولات الدولية والاقليمية والوطنية، وتبقى حبيسة الخطابات الكلاسيكية، وتقوم باجترار التحليلات القديمة غير المرتبطة بالواقع المادي والموضوعي للمرحلة.
ثانيا: خطر التقنوقراطية: لوحدها تؤدي إلى تكريس إيدلوجية التقنية الجافة، وتقتل روح النضال والارتباط العضوي بالمبادئ والقيم الكونية، فيتحول الفعل الحقوقي إلى مجرد مكاتب دراسات وأبحاث علمية.
ثالثا: خطر البيروقراطية، وهي الأخطر، حيث تجعل من الفعل الحقوقي مجرد وظيفة مهنية مؤدى عنها، ولاسيما التجارب التي تجعل من موظفي حقوق الانسان بمثابة موظفين في “الإدارات العمومية”، وخاضعين لهيكلة وفق تقسيم بيروقراطي بمفهومه السلبي. وغالبا ما تؤدي نتائج الفعل الحقوقي القائم على الموظفين بشكل صرف إلى خلق توترات متعددة مع النشطاء والخبراء.
إن هذه الدوائر الثلاثة هي التي تجعلنا ندرك سبب سوء الفهم الكبير بين بعض مكونات الحركة الحقوقية المغربية، وذلك راجع إلى آليات عمل كل مكون.
إن الدورة الحقوقية لا تكتمل إلا باندماج العناصر الثلاثة، وخلق توازن فيما بينها، وليس عبر تغليب عنصر منها على باقي العناصر الأخرى.
ويبقى في الاخير التساؤل مطروحا لماذا تنغلق بعض المكونات داخل دائرة واحدة؟ هل لأسباب تاريخية أو نسقية أو وظيفية؟