مشروع قانون المالية 2016: الفرصة الأخيرة؟

بقلم : عزيز سعيدي

بعدما قدم وزير المالية والإقتصاد محمد بوسعيد مشروع قانون المالية لسنة 2016 أمام مجلسي البرلمان، وهو آخر قانون مالية لحكومة عبد الإله بنكيران قبل انتخابات 2016، يتساءل المتتبعون والمعنيون بهذا القانون بشكل مباشر وغير مباشر عن فحواه وعن المستجدات التي جاء بها، وعن أهميته، كفرصة أخيرة للحكومة الحالية لتنفيذ وعودها وتحقيق الإصلاحات التي قطعتها على نفسها في برنامجها الحكومي، فهل ستنجح الحكومة، عبر قانون المالية لهذه السنة، في اتمام ما بدأته والوصول لتلك العتبة المنشودة ليرضى المواطنون على ما أقدمت عليه من اصلاحات ونحن على بعد سنة من الإنتخابات التشريعية لسنة 2016؟ أم أن مستجدات قانون المالية لا ترقى لتطلعات كل المغاربة لكونه لا يتضمن أي جديد ملموس وملحوظ سينعكس مباشرة على قدرتهم الشرائية ومعيشهم اليومي؟ وبالتالي خيبة أملهم من الوعود التي أُعطيت لهم وسيبقى حالهم على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى؟

سياق إيجابي وطموحات محدودة؟

على بعد سنة واحدة من الإنتخابات التشريعية المزمع تنظيمها سنة 2016 وفي سياق مشجع باعتراف الحكومة نفسها وجل المتتبعين جاء قانون المالية لهذه السنة ليكرس توجه الحكومة الذي بدأت فصوله منذ أول قانون للمالية في عهدها، في ظل مجموعة من المؤشرات الإيجابية على المستوى الداخلي والخارجي و التي جعلت انتظارات المغاربة تكبر وتتقوي. مؤشرات تجسدت في النتائج المحققة على المستوى الماكرو اقتصادي، بحيث ينتظر أن يصل النمو الاقتصادي نهاية 2015 إلى 5 في المائة، والفضل يعود في ذلك بالأساس للسنة الفلاحية الجيدة وتراجع أسعار النفط وظهور ملامح تحسن الأنشطة غير الفلاحية بفضل الانتعاش التدريجي لاقتصاديات منطقة الأورو

كما أن التطور الكبير لصادرات قطاع السيارات، التي ارتفعت مساهمتها في مجموع الصادرات بعشرة نقاط خلال السنوات السبع الأخيرة، مسجلة رقم معاملات عند التصدير يفوق 40 مليار درهم نهاية سنة 2014، وزيادة بأكثر من 13 في المائة حتى متم شهر غشت الماضي، موازاة مع ارتفاع واردات سلع التجهيز بأزيد من 8 في المائة لمواكبة تطور الاستثمارات، وتحسن جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية المباشرة بما يناهز 23 في المائة، مؤشرات إيجابية اعتمدت عليها الحكومة في مشروع ماليتها، ورغم ذلك يرى البعض بأن  التوقعات ضعيفة و الطموحات التي جاء بها مشروق قانون المالية محدودة ولا ترقى لتطلعات المغاربة.

مستجدات مشروع قانون المالية لسنة 2016

يمكن تلخيص مستجدات مشروع قانون المالية لهذه السنة، كما جاء على لسان وزير الاقتصاد والمالية ،في أربعة توجهات أساسية وهي كالتالي:

– العمل من أجل توطيد أسس نمو اقتصادي متوازن يواصل دعم الطلب ويشجع العرض، خاصة عبر تحفيز التصنيع، وتشجيع الاستثمار الخاص، ودعم المقاولة، وتسريع المخططات القطاعية.

– تقوية دعائم نمو اقتصاد مدمج، يقلص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ويوفر فرص الشغل الكريم.

– تسريع تفعيل الجهوية والرفع من وتيرة الإصلاحات الهيكلية الكبرى؛

– تفعيل إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية ومواصلة مجهود الاستعادة التدريجية للتوازنات الماكرو اقتصادية.

ويتوقع مشروع قانون المالية لهذه السنة تحقيق نمو اقتصادي في حدود 3 في المائة خلال السنة المقبلة، مقابل 5 في المائة كتوقع للنمو الذي سيتحقق في هذه السنة، ومواصلة تقليص عجز الميزانية إلى 3.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وكذا التحكم في التضخم في حدود 1,7 في المائة، وذلك وفق توقعات تحدد 61 دولار كمتوسط لسعر برميل البترول، و5ر9 دراهم كمتوسط لسعر صرف الدولار مقابل الدرهم.

ويندرج قانون المالية لهذه السنة في سياق قانوني جديد بعد دخول القانون التنظيمي للمالية حيز التنفيذ طبقا لمقتضيات دستور2011. وتماشيا مع التوجهات الإصلاحية التي تروم ترسيخ النجاعة والفعالية والشفافية في تدبير المالية العمومية، جاء القانون التنظيمي للمالية بالمحاور الثلاثة الرئيسية كما يلي:

– تحسين نجاعة أداء التدبير العمومي،

– تعزيز المبادئ والقواعد المالية وتقوية شفافية المالية العمومية،

– تقوية الرقابة البرلمانية للمالية العمومية.

وضمن المستجدات التي سيتم العمل بها في تنفيذ قانون المالية لهذه السنة واعتماد محاسبة عصرية قوامها نجاعة الأداء بدلا عن المحاسبة القائمة على استنفاذ المخصصات واعتماد شفافية القوانين المالية والميزانية ومقروئيتها، من خلال توضيح المعالم الجديدة لكيفية إعداد قوانين المالية والمصادقة عليها ومراقبتها.

والقانون الجديد ينص على إلزامية إعداد قانون المالية استنادا إلى برمجة متعددة السنوات تغطي ثلاث سنوات ويتم تحيينها سنويا، وإخضاع منظومة المالية العمومية لمنهجية نجاعة الأداء من خلال تعريف وتحديد مسؤوليات المدبرين ومنحهم مزيدا من الحرية في التصرف مقابل التزامهم بإنجاز الأهداف المحددة وتقديم الحساب حول النتائج.

كما أن دور البرلمان الرقابي للسياسات العمومية تقوى عبر إشراكه في المشاورات حول التوجهات الكبرى والإطار العام الذي يتم فيه إعداد قانون المالية، وتمكينه من معطيات وتقارير مستفيضة حول المشروع القانون المالي ووضعية المالية العمومية.وما يأمله المغاربة هو أن يقوم البرلمان بالدور المنوط به في مراقبة المالية العمومية على أحسن ما يرام طبقا لما تخوله له المقتضيات الدستورية والقانونية الجاري بها العمل.

ولأن تفعيل الجهوية يشكل مرتكزا أساسيا لتحقيق التوازن المأمول بين دينامية النمو، ودينامية الإدماج الاجتماعي والحد من الفوارق المجالية فقد جاء مشروع قانون المالية الجديد بمجموعة من التدابير ومن بين أهمها إحداث صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات، ورصد الموارد الجبائية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، أي 2 في المائة من حصيلة الضريبة على الشركات، و2 في المائة من حصيلة الضريبة على الدخل، و20 في المائة من حصيلة الرسم على عقود التأمين، تنضاف إليها مخصصات مالية من الميزانية العامة تقدر ب 2 ملايير درهم، ما يعني رصد ما يفوق 4 ملايير درهم للجهات.

انعكاسات الإجراءات جتماعية في قانون المالية لهذه السنة على يوميات المغاربة

يتضمن مشروع قانون مالية 2016 مجموعة من الإجراءات ذات الطبيعة الإجتماعية حسب ما تدفع به الحكومة، ومن بين هذه الإجراءات مواصلة دعم القدرة الشرائية للمواطنين من خلال رصد مبلغ يقدر ب 15,5 مليار درهم لدعم غاز البوتان والمواد الغذائية الأساسية.

وفي نفس السياق حددت الحكومة مخصصات مالية متفاوتة الأهمية على القطاعات ذات الطابع الإجتماعي وتهم قطاعات الصحة، التعليم، والشغل، وتنمية العالم القروية بالمملكة. وقد خصص للمشروع الوطني الكبير الموجه لمحاربة هشاشة العالم القروي لفائدة 12 مليون مغربي أكثر من 50 مليار درهم موزعة على سبع سنوات بهذف “سد الخصاص على مستوى الطرق والكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والتعليم في العالم القروي”، حسب بيان الحكومة.

كما عرفت مخصصات قطاع الصحة ارتفاعا مهما وصل 13,1 مليار درهم بعدما كان 8 مليار سنة 2008.

كما تم تخصيص 189مليار درهم للاستثمار العمومي بارتفاع يناهز13,5 في المائة مقارنة مع سنة 2015 والهدف من كل هذا كله خلق ما يناهز26000  فرصة شغل في الوظيفة العمومية وتنشيط الاقتصاد الوطني.

الا أن مجموعة من الاجرتءات التي جاء بها مشروع قانون المالية لهذه السنة وعلى وجه الخصوص تلك الاجراءات التي تخص الضريبة على القيمة المضافة سيكون لها أثر واضح على جيوب المغاربة. وفي هذا الاطار سترتفع قيمة الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على تذاكر القطارات والرفع من الضريبة على القيمة المضافة على استيراد القمح والذرة والزبدة.

وهمت كذلك هذه الاجراءات الضريبة اقتناء معدات البناء، حيث ستؤدى ضريبة تضامنية بقيمة 60 درهما للمتر المربع في حال تجاوزت مساحة السكن 300 متر مربع.، و 50 درهما للسكن المتراوحة مساحته بين 151 و200 متر مربع، وسيؤدي المالكون لمساحة تتراوح بين 201 و250 مترا مربعا سعر 80 درهما، في حين سترتفع القيمة الواجب أداؤها على السكن الذي تتراوح مساحته بين 251 و300 متر مربع إلى 100 درهم، ثم 240 درهما للمساحات المتراوحة بين 301 و400 درهم، وأخيرا 400 درهم للمساحات التي تفوق 500 متر مربع.أداء ضريبة تضامنية بقيمة 60 درهما للمتر المربع في حال تجاوزت مساحة السكن 300 متر مربع.

وهي بعض الاجراءات التي سيكون لها بدون شك أثر على القدرة الشرائية للمغاربة وثقتهم فيما تقوم به الدولة لتحسين مستوى معيشتهم وستدفع نسبة كبيرة منهم للتهرب وعدم أداء ما بذمتهم من ضرائب لصالح الدولة.

 

التهرب والغش الضريبيين في سوسيولوجيا الضريبة في المغرب

لا يختلف اثنان في كون الضريبة تشكل إحدى أهم الموارد التي تعتمد عليها الدولة والجماعات المحلية لتنفيذ برامجها ومخططاتها، وتشكل عبر التاريخ إحدى الإشكاليات الأساسية التي تخلق حولها الحدث وتثار بخصوصها مجموعة من التساؤلات وتختلف بخصوصها وجهات نظر مختلف المتدخلين.

وما يعاب على النظام الضريبي بالمغرب والذي لا يزال يثير غضب المغاربة هو التأخر في تكريس العدالة الضريبية بين كل المغاربة. موضوع جعلت منه الدولة أحد اهتماماتها في الآونة الأخيرة خصوصا بعد المناظرة التي عقدت في الصخيرات حول الاصلاح الضريبي. وما يلاحظه المغاربة هو التركيز على تضريب فئات دون أخرى والضغط ضريبيا على مداخيل المغاربة ومشترياتهم من خلال الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة وهو ما يؤثر بشكل سلبي مباشر على قدرتهم الشرائية.

العدالة الضريبية التي يتوخاها كل مغربي في علاقاته مع الدولة هو التعامل معه بنظام ضريبي عادل وشفاف. ويتجلى ذلك في تضريب من يربح أكثر وتخفيف العبء على من يربح أقل وذلك بالتنصيص على الضريبة على الثروة وتضريب الأثرياء على ممتلكاتهم الفخمة ومظاهر الغنى الخارجية وتحويل المداخيل الضريبية ليستفيذ منها المحتاجين لها.

وفي نفس الإطار يتساءل المواطنون حول المواطنة الضريبية ووعي المغاربة ممن يربح أكثر بأهمية التصريح بأرباحهم وأداء ما في ذمتهم من ضرائب وتكريس ممارسات مواطنة ونبيلة لمغربيتهم ومساهمتهم في نمو بلادهم عوض التهرب والتحايل على قوانين البلاد الضريبية. ومظاهر ذلك عديدة لا ينكرها عاقل وخصوصا في ما يرتبط بالنتائج السلبية للأرباح التي يتم التصريح بها دون أن تحرك في حق هؤلاء المتابعات والمراجعات الضريبية.

ولتجاوز ثقل الضغط الضريبي وعدم عدالة النظام الضريبي المغربي تختلف الآراء حول طبيعة الإصلاح والآليات التي يجب تفعيلها ويتجه  جلها نحو ملائمة الضغط الضريبي لمستوى معيشة المواطنين وتكريس العدالة عبر محاربة التهرب الضريبي عبر توسيع الوعاء الضريبي وإرغام المتهربين على أداء بما في ذمتهم ومعاقبة كل من تسول له نفسه التهرب والغش والتلاعب الضريبي.

وما يطلبه المغاربة من الحكومة في تعاملها معهم هو أن يشعروا بملائمة الضغط الضريبي والجبائي لمظاهر غناهم الخارجية ومستوى معيشتهم ونهج التدرج في تحديد قيم ونسب الضريبة الواجب دفعها وإرغام كل من تشمله المقتضيات اللقانونية على دفع ما في ذمته للدولة.

أرقام مشروع المالية ومؤشرات المؤسسات الدولية

صحيح بأن المغرب حقق مجموعة من النجاحات على المستوى الماكرواقتصادي وهو ما تؤكده تقارير  جل المؤسسات الدولية، إلا أن أرقام هذه المؤسسات وتنقيطها الإيجابي لاقتصاد المغرب المرتكزة على الإصلاحات المالية والإقتصادية التي أقدمت عليها البلاد لا تنعكس بشكل مباشر على المعيش اليومي للمواطن الذي يكتوي بنار الزيادات وبانعكاس ذلك على مجموعة من المعطيات التي تخص يومياته.

ومن بين هذه المجالات التي لا يزال المواطنون المغاربة تائهون بخصوص ولوجهم لها وجودة ما تقدم فيهما يمكن الإشارة لمجالين يظهر فيهما جليا عجز الحكومات المتعاقبة على تسيير الشأن العام ببلادنا على حل المعضلات التي يعانيا منها وهما قطاعي التعليم والصحة. فلا أحد ينكر تخبط السلطات المغربية في معالجة الإختلالات التي تعتري هاذين القطاعين الحيويين والدليل على ذلك ما تتضمنه تقارير المنظمات الدولية حول التنمية البشرية بيلادنا والتي تشير بشكل واضح لضعف المنتوجين التعليمي والصحي الذين يقدما للمغاربة من خلال تذيل المغرب تصنيفاتها السنوية رغم ما صرف ويصرف من أموال طائلة في البرامج التي باشرتها الدولة وآخر تجليات ذلك ملايير البرنامج الإستعجالي لإصلاح منظومة التعليم.

في نفس السياق، ورغم ما تم انجازه، لازال أكثر من ثمانية مليون مغربي يجهلون القراءة والكتابة، و أزيد من مليون ومائتي ألف عاطل عن العمل يتجرعون مرارة البطالة. مؤشرات من بين أخرى تنضاف لارتفاع الأسعار الذي تعرفه المواد الاستهلاكية وكذا ارتفاع نفقات الأسر المغربية على الصحة التي بلغت أكثر من 53 في المائة اذ أكدت التقارير وخصوصا تقارير منظمة الصحة العالمية التي صنفت المغرب ضمن السبعة والخمسين بلدا التي تعرف نقصا كبيرا على مستوى الموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي من بين الممرضين والممرضات. ويستنتج من ذلك بأن المغرب يوجد في وضعية حرجة من حيث القدرة على توفير الخدمات والعلاجات الصحية الأساسية للمواطنين.

عديدة هي المؤشرات التي تتناقض بشكل أو بآخر مع ما تقدمه الحكومة من أرقام تخص حياة ومعيش المغاربة، فمجموعة من المؤسسات الدولية تنشر بين الفينة والأخرى نتائج تقيمها لعيش سكان العالم والمغرب هو الآخر معني بنتائج هذه المؤشرات. فآخر هذه التقارير تقرير بريطاني يصنف المغرب ضمن البلدان التي تراجع موقعها ضمن لائحة الرأس المال الإجتماعي حيث تراجع رخاء وازدهار مواطنيها برسم سنة 2015 وذلك لعدة أسباب تتقدمها هشاشة قطاعي التعليم والصحة والسلامة والأمن والحرية والإقتصاد والموارد البشرية وهو ما يؤثر سلبا على نظرة المغاربة لما تقدمه الدولة من برامج لا تنعكس مباشرة على جيبه ومستوى معيشته الذين يتأثرا  بشكل مباشر وغير مباشر بإجراءات الحكومة التي تتضمنها قوانين المالية ومن ضمنها ما أُثير ويثار حول الضريبة على القيمة المضافة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد