دور العجزة أو ” الكارثة الصامتة ” في حرب جائحة كورونا….
بقلم : د. عبد الله بوصوف / أمين عام مجلس الجالية
وصل عدد قتلى جائحة كورونا حوالي مائتين الف نسمة على مستوى العالم مع تجاوز رقم مليوني مصاب بقليل…الأكيد انه رقم له دلالاته كما له دروسه…وهو بالفعل ما نسجله و نتابعه بكل مفاجآته وتعدد جبهاته…على مستويات السياسة و المال و الأعمال و الطاقة و الأنظمة الصحية و الاجتماعية…
ما اصبح معروفا هو العودة القوية للأطر الطبية و علماء المختبرات الى الواجهة كفاعلين أساسيين و مؤثرين سواء على القرارات السياسية الآن أو على مستوى السياسات العمومية في المستقبل…حتى ان قرارات جل الفاعلين السياسيين في العالم أصبحت تُـبَـرر بتقارير طبية اوعلى خلفيات أبحاث علمية تبشر بلقاح جديد من هـذا المختبر العلمي هنـا أوهنـاك…
الأكيد ان الانسان سينتصر على جائحة كورونا كما انتصر على غيرها من الأمراض المعدية و الأوبئة عبر تاريخه الطويل…لكننا نسجل ان التاريخ نفسه قد دَوًن العديد من الملاحظات و الانزلاقات في العديد من الحروب و الصراعات و الأوبئة السابقة …وهو ما كان يخلف ضحايا موتى أو جرحى…
ان ما اثار الإعجاب حقا هو التضامن اللامتناهي و الالتزام الجماعي و الاصطفاف الجماعي من اجل وقف خريطة انتشار فيروس كورونا عبر العالم…و ستُعجب الأجيال القادمة بكل صور تطبيق الحجر الصحي ، و مبادرات التضامن الاجتماعي و التحدي القـوة لفـيروس قـاتل وُصِف ” بالمستجد ” ، و ستُخلـد و الى الأبـد صُـور التشجيع الحضاري لرجال السلطة و لسيارات الإسعاف…و الغناء الجماعي من الشرفات و الأسطح للنشيد الوطني لهذا البلد او لذاك…كما ستُخلـد صور المساعدات الدولية من الأجهزة الطبية و الكمامات و الأطر الطبية…
لكن مقابل كل هذه الصور الجميلة و الراقية…عشنا لحظات ألــم عميق ونحن نقرأ أو نسمع أو نشاهد صور أو تقارير عن موت العديد من المتقدمين في السن بدول غربية كانت الى ما قُـبـَيْـل فيروس كورونا تتحدث عن حقوق الحيوان و النبات و البيئة و الطاقة البديلة …
كم كانت الصدمة قوية ونحن نحصي معهم قتلى ضحايا الفيروس ..تُـرِكُـوا لمصيرهم في دور العجزة او في منازلهم..او نُـزع عنهم جهاز التنفس بالمستشفيات لإعطاء الأسبقية لمريض آخـر أصغر سنا…وهي وقائع حية و تاريخية بكل من إيطاليا و اسبانيا و بريطانيا و فرنسا و غيرها…وهو ما دفع بمنظمة الصحة العالمية بالتنبيه لخطورة الامر و تـنشر احصائيات بآلاف الضحايا من ساكني دور العجزة ( متقدمين في السن ، ذوو احتياجات خاصة ، أمراض مزمنة…)…
بعض الأقلام الغربية وصفتها ” بالكارثة الصامتة ” أو “المسكوت عنها ” ، و ان دور العجزة أصبحت في زمن كورونا ” كجُـزُر ” تعيش خارج المجتمعات او بالتوازي معها.. وما يعزز هذا القول هي الأرقام المعلنة الكارثية رغم نسبيتها و انها لا تعكس كل الحقيقة….
لقــد أصبحت دور العجزة بمثابة الحلقة الضعيفة في الحرب على فيروس كورونا…وهو ما جعل ايمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي ، ينبه في خطاب ” عيد الفصح ” الأخير، الى ضرورة إعادة تنظيم دور العجزة حتى يتمكن الاقرباء من وداع اقربائهم نزلاء دور العجزة…فالى غاية15 ابريل فان نسبة 49,4 في المائة من مجموع الموتى هم من ساكني دور العجزة بفرنسا…اما في ايرلندا فقد وصل رقم ضحايا درو العجزة الى 55,2 في المائة من مجموع القتلى حسب احصائيات يوم 13ابريل الماضي…الارقام مرتفعة أيضا في كل من في السويد و كندا و بلجيكا… وهو ما جعل “هانس كلوغ ” مدير الفرع الأوروبي في منظمة الصحة العالمية يدعو باستعجال الى إعادة التفكير في كيفية اشتغال دور العجزة ، مؤكدا ان الأطر العاملة فيها يفتقرون الى التجهيزات الضرورية للوقاية مما يجعلهم عرضة للعدوى ووصفهم بابطال هذه الجائحة…
كارثة الأرقام داخل دور العجزة اعادت طرح أسئلة ذات حمولة أخلاقية و قيمية و قانونية و حقوقية تتعلق بالكرامة و حق العلاج و الحق في الحياة…وان التقدم في السن او التواجد في دور العجزة اثناء جائحة كورونا لا يرتفع الى درجة مبرر لكل هذه الأرقام…خاصة وان العديد من العجزة فـوق سن المائة قـد احتفلوا بالانتصار على كورونا وخرجوا من المستشفيات يرفعون إشارات النصر وسط تصفيقات الأطر الطبية..
الأكيد ان زمن ما بعد جائحة كورونا سيعرف إعادة النظر في ما يتعلق بدور العجزة سواء في التعريف بها و اختصاصاتها و تجهيزاتها .. وكذا أدوارالمشرفين و الممرضين …لان ساكني دور العجزة ليسوا فقط ارقام قتلى جائحة كورونا ، بل هُـم مجموعة تجارب حياة اشخاص و جـزء من الذاكرة الجماعية لمجتمعاتها..و بالتالي فلا يمكن لتلك المجتمعات ان تعيش بدون تجربة و بدون ذاكرة..خاصة وان الشيخوخة هي آخر فصل في كتاب الحياة..وغالبـا ما يكون الفصل الأخير هــو الأكثر أهمية و الأكثر اثارة ، لأنه خلاصة الفصول الأولى…