مركز عزمي بشارة: البيجيدي منهك سياسياً و مستنزف شعبياً و مستعد لفعل أي شيء للبقاء في السلطة !

زنقة 20 | الرباط

نشر المركز العربي للأبحاث و دراسات السياسات و الذي يترأسه المفكر الفلسطيني “عزمي بشارة” ، تقريراً حول “قانون التعليم بالمغرب و موقف حزب العدالة و التنمية و تداعياته”.

و قال التقرير المطول أن حزب العدالة و التنمية مرر القانون الإطار الخاص بالتعليم و الذي يمهد الطريق نحو تعزيز مكانة اللغة الفرنسية رسميا في المدارس المغربية، رغم معارضته مع فكره ومرجعيته وبرنامجه.

و ذكر التقرير أن ” الكتلة البرلمانية القوية عدديًا لحزب العدالة والتنمية قامت بتسهيل التصديق على القانون في البرلمان؛ إذ صوّت عددٌ من نواب الحزب إلى جانب القانون بما ينسجم مع موقف الأغلبية الحكومية”.

و في محاولة لفهم موقف حزب العدالة والتنمية ، قال المركز في تقريره أن “البيجيدي” عرف تحولات في خطابه وسلوكه والتغييرات البنيوية والتنظيمية التي طالته منذ ترؤسه الحكومة الأولى عام 2011، و”سيطرته” منذ الانتخابات المحلية عام 2015 على أغلبية المدن والبلديات، ثم فوزه مرة ثانية في الانتخابات العامة وقيادة التحالف الحكومي منذ عام 2016.

مشيراً إلى أن ”  السياق الإقليمي المرتبط بثورات الربيع العربي، الذي تحول في صيغته المغربية إلى “حركة 20 فبراير”، دورًا حاسمًا في “المرونة” التي أبداها القصر تجاه الحزب، والقبول بقيادته الحكومة بوصفه الحزب الأكبر في البرلمان. كما أدى الرصيد السياسي والانتخابي والاجتماعي الذي راكمه الحزب إبان تجربته في المعارضة دورًا مماثلًا جعله أكثر ميلًا إلى المساومة والقبول بالحلول الوسطى”.

و اعتبر أن الحزب “ظل حريصًا على العمل ضمن الهوامش والخيارات الكبرى للدولة، والتي يرسم معالمها الملك، وإن حاول أن يحافظ في بعض المناسبات على هامشٍ من الاستقلالية، خاصة عندما يتصل الأمر بهويته ومواقفه من القضايا التي تميزه”.

“بناء عليه، كان منتظرًا أن يتخذ الحزب موقفًا معرقلًا للقانون رغم أنه يدخل ضمن الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي يترأسه المستشار الملكي عمر عزيمان. لذلك، رغم التوجه المنضبط للحزب في إطار التوجهات الملكية، فإن سلوكه فيما خص قانون “فرنسة التعليم” يمكن وصفه بالتحول المهم؛ إذ انتقل من مستوى المناورة ومحاولة العرقلة إلى مستوى الموافقة والتصديق عليه، وهو موقف عُدَّ صدمةً للبعض” يقول التقرير.

و زاد أن هناك ” مؤشرات تبين أن عوامل أخرى ربما تدخلت لتغيّر موقف الحزب، أولها تجميد مشروع القانون في البرلمان عدة مرات، وذلك بسبب مقاطعة فريق العدالة والتنمية لاجتماعات رؤساء الفرق النيابية من أجل تحديد تاريخ للمناقشة والتصويت على القانون، ثم تراجُعه عن التوافق مع بقية مكونات الأغلبية الحكومية، بل ودعوته إلى توافقٍ ثانٍ حول مشروع القانون[1]. لكن، وعلى نحو مفاجئ، توصل أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب إلى اتفاقٍ على دعوة للانعقاد والتصويت على المشروع بهدف إحالته على الجلسة العامة للتصويت”.

أما العامل الثاني، يقول تقرير المركز العربي للأبحاث و دراسات السياسات “فكان واضحًا في وجود تيارين على المستوى الداخلي لحزب العدالة والتنمية: أولهما يتزعمه الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، الذي اتخذ موقفًا معارضًا للقانون، واصفًا القرار الرسمي للحزب، بشأن التصويت إلى صالحه، بأوصاف قاسية (خطأ جسيم، خطيئة كبيرة، تنازل كبير…). أما التيار الثاني في الحزب فهو الذي يمثله العثماني، الذي مارس ضغوطًا شديدةً على نواب الحزب وطالبهم بضرورة الخضوع لقرار المؤسسات، كما أشهر ورقة التزكيات في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وسيلةً للضغط عليهم للامتثال”.

و بخصوص تداعيات كل هذا على مستقبل الحزب ، قال التقرير ، أنه ” إذا كان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وتياره تمكنا من الضغط على الفريق البرلماني للحزب من أجل التصويت لصالح قانون التعليم، وعدم تعريض الأغلبية الحكومية لأزمة توافق جديدة، فإن تداعيات تمرير هذا القانون تتجاوز اللحظة التشريعية إلى التأثير سلبيًا في علاقة الحزب بقواعده الاجتماعية من دون كسب قواعد اجتماعية جديدة من جهة، وتكريس واقع الممارسة الحزبية والسياسية في المغرب، ودور المؤسسة الملكية في توجيه وضبط الحكومة، حتى في قضايا مثل سياسات التعليم، بغض النظر عن التفويض الشعبي الذي تملكه للحكم، من جهة أخرى”.

“ورغم أن الخطاب الانتخابي والسياسي للحزب ظل يحاول البقاء قريبًا من انشغالات هذه الفئات واهتماماتها، فإن تجربة الحزب في العمل الحكومي دفعته إلى تبني إصلاحات لا تتفق بالضرورة مع مصالح هذه الفئات وتطلعاتها، ومنها على سبيل المثال إصلاح نظام التقاعد، وإصلاح نظام المقاصة، وتحرير أسعار المحروقات وغيرها، فضلًا عن القبول بترتيبات تشكيل الحكومة الثانية بعد إعفاء بنكيران وتكليف العثماني، وما صاحب ذلك من انتقادات واسعة وُجهت إلى الحزب حول رضوخه للضغوط التي مورست عليه، والتي لم تحترم “الإرادة الشعبية” التي منحت الحزب بزعامة بنكيران نحو 32 في المئة من مقاعد البرلمان (125 من أصل 395 عضوًا)” يضيف التقرير.

و اعتبر أنه ” بهذا، لا تشكّل موافقة الحزب على قانون التعليم استثناءً في النهج البراغماتي الذي بات يتبناه خطابًا وممارسة[3]. والبراغماتية هنا ليست في خدمة برنامج، بل في خدمة البقاء في الحكومة في حد ذاته. ومع ذلك، ارتبط موقف الحزب، هذه المرة، بقضية متصلة بالفرنسة، وهو ما أثار موجة غضب واسعة في قواعده وبين أنصاره، وهي الفئة المشكّلة أساسًا من أعضاء حركة التوحيد والإصلاح “الجناح الدعوي” للحزب، وبعض التيارات السلفية الوسطية، إضافة إلى قاعدة شعبية واسعة تميل وجدانيًا إلى خطاب الحزب ونهجه، وعلمانيين كثيرين لا يرون الفرنسة نقيضًا للاستقلال الوطني والشخصية المغربية”.

و خلص التقرير إلى أنه “يمكن أن يترك هذا الوضع انعكاسات مهمة على الحزب: أولها، الانفصام الهوياتي الناتج من التباين بين مرجعية الحزب والسياسات والبرامج الحكومية التي تتعارض أحيانًا مع مبادئه. وثانيها، ذهاب قيادة الحزب بعيدًا في ما هو مستعد لعمله من أجل البقاء في السلطة؛ الأمر الذي قد يعرض تماسك الحزب التنظيمي للخطر، علمًا أن هذا أحد عناصر قوته”.

و فيما يخص علاقة البجيدي مع القصر ، قال التقرير ، أن المؤسسة الملكية أقرت قانون جديد للتعليم ضمن مقتضيات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، من دون الأخذ في الاعتبار مخرجات النقاش السياسي والمجتمعي المواكب للمسار التشريعي، فإنها في الواقع كانت تتصرف وفق فهمها لطبيعة النظام السياسي الذي تقوده، والعلاقة مع فرنسا التي تعززها الخصومة مع الجزائر. لكن حزب العدالة والتنمية لم يكن مجبرا على الموافقة إلا اذا اعتبر ثمن عدم الموافقة التضحية بقيادته للحكومة.

و يضيف التقرير أن ” المقاومة التي أبداها حزب العدالة والتنمية، بخصوص مشروع القانون في بادئ الأمر لم تصمد كثيرًا أمام محاولات احتوائها من اتجاهين: الأول، جاء من داخل العدالة والتنمية نفسه، الذي اتجه نحو تقليص مساحة توظيف المرجعية الدينية في برامجه وسياساته والتخلي التدريجي عن الخطاب الهوياتي؛ بهدف إقناع الملكية بولائه لها. والثاني من جانب الملكية، التي لا تقبل بشكل عام بوجود “منافس” لها في ساحة المرجعية الدينية، وبشكل خاص من حزبٍ يتمتع بقاعدة شعبية واسعة.”

و خلص إلى أن “ما جرى يعد نجاحا لمن يملك استراتيجية إنهاك الحزب سياسيًا واستنزافه شعبيًا من خلال الدفع نحو تمرير قوانين وإصلاحات لا تتلاءم والهوية الأيديولوجية للحزب، وكذلك بإحراجه سياسيًا وشعبيًا أمام قواعده أملًا في تقليص فرصه انتخابيًا.”

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد