زنقة 20 . الرباط
تدفق المهاجرين الوافدين من دول جنوب الصحراء بطرق غير شرعية على المغرب، دفع نشطاء الكنيسة الإنجيلية إلى العمل على تخفيف معاناتهم. واحتفاء بجهودها، قامت مبادرة ألمانية بمنح نشطاء في المغرب”جائزة آخن للسلام 2015″.
راكوتونيرينا أنجرالوفا، ولمبا سكارياس وبالوربي أوكلو، طلبة نشطاء يعملون منذ سنوات في المجال الخيري تحت لواء “جمعية الدعم الدولية” التابعة للكنيسة الإنجيلية في المغرب وتحديدا في مدينة وجدة ، التي يوجد بها مخيم عشوائي للاجئين الأفارقة ممن تقطعت بهم السبل بعد أن قطعوا آلاف الأميال بدء من دول الساحل الإفريقي وصولا إلى المغرب المحطة الأخيرة قبل “الفردوس” الأوروبي.
غير أن السياج العالي حول سبتة ومليلية الإسبانيتين، والإجراءات الأمنية المشددة للسلطات المغربية في إطار جهودها للحد من ظاهرة الهجرة السرية، دفعت بالآلاف من المهاجرين إلى الاختباء في غابات وجدة دون طعام أو غطاء أو رعاية صحية، بانتظار معجزة قادمة.
اختارت المبادرة الأهلية الألمانية منح جائزة السلام لهذا العام احتفاء بالجهود التي يقوم بها النشطاء الأفارقة من أجل تخفيف معاناة الوافدين من دول الجنوب، خاصة وأن مساعدتهم قد تكون الوحيدة في ظل غياب أي دعم حكومي مغربي لهذه الفئة، بل وفي ظل “منع الأهالي من تقديم مساعدات بشكل رسمي”، كما تشير المبادرة الألمانية على موقعها الالكتروني.
الكنيسة الإنجيلية في المغرب تاريخ طويل :
“جمعية الدعم الدولية” التي يعمل في إطارها الناشطون الخمسة، تدخل في إطار الجهود الإنسانية التي تقوم به الكنيسة الإنجيلية بالمغرب. ولم يكن يدر في خلد المؤسسين الأوائل للكنيسة الإنجيلية في البلاد قبل سنوات الخمسينات من القرن الماضي أن تتحول الكنيسة وفروعها المنتشرة في مختلف المدن المغربية إلى أماكن لبعث الأمل في قلوب مهاجرين تركوا عائلاتهم وأوطانهم وخاطروا بحياتهم، علّهم يساعدون من “الجنة الأوروبية” أسرهم الرازحة تحت نير الفقر والأمراض والحروب المنتشرة في مختلف الدول الإفريقية. وفي بداية تواجدها بالمغرب، كانت الكنيسة الإنجيلية تقوم بالعديد من المبادرات الإنسانية الموجهة بالأساس إلى المغاربة الذين يعيشون في مناطق معزولة وفقيرة، داخل مجتمع غالبيته من المسلمين.
وستعرف الكنيسة الإنجيلية تحولا مهما في طبيعة أعمالها الإنسانية أو بالأحرى ستضاف لها مهمة جديدة وهي توفير ملاذ روحي ومادي للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا في شمال وشمالي شرقي المغرب، حيث يجتمع المهاجرون السريون، على أمل اصطياد فرصة لاختراق الحدود الأوروبية.
“الكنيسة مبنية على التنوع الثقافي وتعدد المشارب الهوياتية لأوفياءها، وهو ما يشكل نقطة قوة للكنيسة ويعبر عن التنوع الذي تزخر به القارة الإفريقية”، يقول صامويل كانوني الشاب القادم من الكامرون والذي استقر في المغرب بعد أن فقد الأمل في العبور إلى القارة العجوز، مردفا بأن الكنيسة شكلت له فضاء خصبا لتبادل التجارب ومصدرا للأمل والإصرار على مواصلة الحياة “لأنك عندما تلتقي بمئات الحالات التي تشبه حالتك أو أسوء حالا فإنك تنسى همومك وتحس بالأمان لكونك وسط أشخاص يتقاسمون معك نفس الهموم والمشاكل”، يقول صامويل وهو يتنفس الصعداء.
صلاة من أجل السلام وبعد أن بلغ عدد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين استقروا بالمغرب عشرات الآلاف، كان لزاما على جمعيات المجتمع المدني أن تتدخل للعمل على التخفيف من معاناة هؤلاء الوافدين، وهنا سيبرز الدور الإنساني للكنيسة الإنجيلية بالمغرب التي هبت لإنقاذ المئات من المهاجرين الأفارقة، عبر دعمهم بشيء من مقومات الحياة البسيطة، خاصة في ظل غياب المساعدات الحكومية لهذه الفئة من الناس.
وفي هذا الإطار كان يقوم الطلبة الفائزين بجائزة آخن للسلام 2015، بتوزيع الخيم والأفرشة واللباس وغير ذلك من المساعدات الإنسانية الأساسية للمهاجرين السريين بمنطقة وجدة، غالبيتهم من الرجال الذين عانوا مرارة الملاحقة من قبل رجال الأمن أو نساء اغتصبن وهن في طريقهن نحو الجنة الأوروبية.
وكانت الكنيسة أول من احتفى بإعلان الحكومة المغربية عن تسوية أوضاع 18 ألف مهاجر إفريقي كانوا يعيشون بطريقة غير شرعية بالمملكة، ونظمت صلاة مشهودة جمعت لها مختلف الكنائس المغربية وحضرها المئات من المهاجرين الأفارقة خلال شهر ماي من العام الحالي، وكانت “صلاة من أجل السلام” حسب نوفيساتا ديالو المهاجرة الإفريقية التي استفادت من تسوية أوضاعها.
نوفيساتا كانت من بين العالقين في ضواحي منطقة وجدة، حيث توجد مخيمات للاجئين الأفارقة وفيها كانت تنشط “جمعية الدعم الدولي”، الذراع الجمعوي للكنيسة الانجيلية بالمغرب والتي تتلقى الدعم المالي من المؤسسات الكنسية. ومع ذلك يقول الطلبة الفائزين بالجائزة بأن قلوبهم تدمي حين يجبرون على رد غالبية المهاجرين لأن الموارد المالية القليلة للجمعية لا تكفي إلا للثلث منهم.
ورغم إمكاناتها المحدودة استطاعت الكنيسة الإنجيلية استضافة أكثر من 150 مهاجرا إفريقيا كانوا يقيمون بشكل غير قانوني في مساكن بمدينة طنجة شمال المغرب، وقد تم ترحيلهم من هذه المساكن ليعود إليها أصحابها، واستقبلت الكنيسة جزء كبيرا من هؤلاء المهاجرين ووفرت لهم الملجأ والمسكن، كما أنها مكنت من إطفاء فتيل خلاف بين المهاجرين غير الشرعيين وسكان المدن الشمالية المغربية، ليعود السلم الاجتماعي للمدينة من جهة، ولتقدم للمهاجرين فضاء روحيا يقلل من معاناتهم.
ينشر بشراكة مع دويتش فيله