زنقة 20 | الرباط
في دراسة صادرة عن المعهد المغربي لتحليل السياسات ، يقول الباحث المغربي “رشيد أوراز” ، أن تعليق شركة أوبر خدماتها في السوق المغربية بعد ثلاث سنوات من العمل المتعثر ، يرجع إلى المقاومة التي واجهتها من طرف البيرقراطية، لا سيما في ظل غياب إطار قانوني يؤطر عمل هذا النوع من الشركات الناشئة في قطاع النقل، نظرا لكون قطاع النقل الحضري يدخل ضمن المجالات الاستراتيجية التي تدبرها وزارة الداخلية، وكذلك بسبب التحرشات المستمرة التي قادها سائقوا سيارات الأجرة الصغيرة في مدينة الدار البيضاء ضد سائقي الشركة والتي أدت إلى مطاردات سائقي أوبر وتعنيفهم وتخويفهم أمام أعين السلطات.
و أشار الباحث المغربي في دراسته إلى أن المغرب لا يعد البلد الوحيد على مستوى العالم الذي حدثت فيه مواجهات بين قطاع سيارة الأجرة التقليدي وشركات مثل أوبر، فقد حصلت تحرشات شبيهة في مصر[1] وفرنسا[2] وغيرها، وأدت في بعض الحالات إلى تعليق عمل هذه الشركة لخدماتها في عدد من الدول.
أما حالة المغرب، يورد ذات الكاتب فهذه المواجهات تعد مؤشرا دالا على سطوة نظام الريع ليس فقط على قطاع النقل العمومي، بل وعلى تحرير الاقتصاد ككل، وقدرة هذا النظام على عرقلة تحديث الاقتصاد من خلال محاربة تحرير الأسواق، والمنافسة والتحديث التكنولوجي.
و اعتبرت الورقة البحثية ” أن فشل شركة أوبر في المغرب، ليس إلا الشجرة التي تخفي الغابة، أي أنها مؤشر على صلابة نظام اقتصاد الريع وقدرته على الصمود، وأن محاولات التحرير الاقتصادي الذي خاضها المغرب في العقود الأخيرة فشلت في الحد من تغول الريع في المجال الاقتصادي، ومن ثمة فإن الشركات الناشئة ستجد صعوبة في الولوج إلى السوق المغربية، ما لم يتم تغيير البنية المؤسساتية للنظام الاقتصادي الحالي المؤسس على قواعد ريعية، واستبداله بنظام يعتمد على قواعد التنافسية والمبادرة الحرة”.
و عاد ذات الباحث إلى التذكير بقصة دخول الشركة إلى المملكة حيث “بدأت مغامرة أوبر في المغرب في منتصف سنة 2015 بمدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية) قبل أن تنتقل لمدينة الرباط (العاصمة الادارية).
وخلال السنوات الثلاث التي قضتها بالمغرب، ارتفع عدد السائقين الذين يشتغلون مع الشركة إلى 12 ألف سائق وما يقارب 140 ألف زبون منخرط على تطبيقاتها، وهو ما أدر على السائقين دخلا شهريا يتراوح ما بين أربع وستة آلاف درهم، مسجلا ما يفوق ضعفي الحد الأدنى للأجور[3] المحدد في 2570 درهما في الشهر.
رغم ما توفره هذه الشركة من فرص شغل لآلاف الشابات والشباب في بلد يعجز اقتصاده عن خلق فرص شغل كثيرة، يقول الباحث فإن السلطات المغربية تركت الوضعية القانونية للشركة مبهمة وتسامحت مع تحرشات سائقي سيارات الأجرة التقليدية بها، مما دفعها لإيقاف خدماتها نهائيا يوم 23 فبراير 2018، وهو توقيت حرج بالنسبة للمغرب، الذي كان في خضم حملة الترشح لاستضافة تنظيم كأس العالم 2026.
فقبل أسابيع قليلة من الحسم في هوية البلد المضيف يوم 13 يونيو 2018 بموسكو ، أبرز الكاتب أنه أوقفت الشركة خدماتها بشكل نهائي.
و أشار إلى مفارقة كبيرة و هي ” أن السلطات المغربية تساهلت مع نشاط شركة أوبر سنة 2016 في أطار مساهمتها في إنجاح قمة المناخ COP22 التي نظمت بمدينة مراكش، باعتبارها ضمن شركاء التظاهرة، في سياق يقتضي الاعلان عن التخلص من القطاعات الاقتصادية الملوثة والانتقال إلى تكنولوجيات أقل تلوثا”، مضيفاً أن “السلطات المغربية تعاملت بنوع من الانتهازية مع هذه الشركة، ففي الوقت الذي سمحت لها بالنشاط لإنجاح قمة المناخ COP22، تركتها في الآن نفسه في وضعية قانونية غير واضحة، مما جعلها عرضة لتحرشات سائقي سيارات الأجرة التقليدية، والراجح أن الشراكة التي قامت بها السلطات المغربية مع شركة أوبر في قمة المناخ لم تكن أكثر من صفقة إشهارية، من دون أن يعني ذلك رغبتها في توجيه الاقتصاد نحو قطاعات تعتمد التكنولوجيات الحديثة في قطاع النقل العمومي خصوصا”.
“تحيل هذه الازدواجية في التعامل مع شركة أوبر إلى معضلة أعمق وهي رغبة الدولة في تحديث الاقتصاد ولكن بالحفاظ على مكاسب البنيات الريعية التقليدية. فالاقتصاد المغربي في عمقه تقليدي ريعي[6] يعتمد خلق الثروة وتوزيعها بشكل ريعي، وفي الآن ذاته عاجز عن إنتاج ما يكفي من الثروة لتلبية حاجات النخب المؤثرة والمواطنين على السواء” يقول الباحث.
و شدد على أنه “رغم جهود الدولة لعصرنة الاقتصاد من خلال مشاريع ضخمة على مستوى البنيات التحتية (مشروع الطاقة الشمسية والمطارات وميناء طنجة المتوسط والقطار فائق السرعة طنجة-الدار البيضاء) إلا أن تحديث الاقتصاد وتحريره لطالما بدا عاجزا عن اختراق قطاع الأنشطة الصغيرة على المستوى الاقتصادي الأدنى والتي تستفيد منها نسبة هائلة من المستهلكين، وفي هذا المستوى بالذات يشكل إدماج التكنولوجيات الحديثة على كل مستويات إنتاج السلع والخدمات مسألة أساسية لتحديث اقتصاد البلد وتنميته”.
و أشار إلى أنه ” لفهم فشل شركة أوبر في الاستمرار في المغرب من المهم النظر إلى طبيعة قطاع النقل داخل بنية الاقتصاد. فقطاع سيارة الأجرة يمثل مظهرا من مظاهر اقتصاد الريع الذي يشكل طبيعة اقتصاد البلد، حيث يمثل الولاء للسلطة مفتاحا للحصول على مأذونيات (رخص) استغلال سيارات الأجرة، ورضاها مفتاحا لاستمرارية الاستفادة من هذه الرخص”.
“مأذونيات النقل العمومي تدخل ضمن اختصاصات وزارة الداخلية، عن طريق العمالات (إدارة تابعة لوزارة الداخلية) التي تدبر تلك الرخص، وتقوم بتوزيعها عن طريق الادارة الترابية التي تضمن من خلالها ولاء حامليها، الذين تدر عليهم دخلا ريعيا شبه قار. ولم يكن توزيع هذه الرخص يشمل المواطنين العاديين فقط، بل تم تخصيص جزء منه للنخب السياسية والفنانين والرياضيين خلال العقود الماضية وما يزال مستمرا إلى حدود اليوم، ولم يكن توزيع هذه المأذونيات يخضع لمعايير موضوعية مثل الكفاءة أو الاستحقاق، بقدر ما كانت تعطى بناء على معايير الولاء للمخزن – أي النظام والنخب المتنفذة” يورد ذات الباحث.
و خلص إلى أنه ” رغم محاولات الدولة تحرير الاقتصاد الوطني بشكل جزئي منذ منتصف تسعينات القرن الماضي والانتقال من نظام الريع ضعيف الانتاجية إلى نظام مبني على قواعد اقتصاد السوق الحر إلا أنها فشلت في تحقيق هذا الهدف بشكل كامل. وتشير مآلات سياسات الخوصصة إلى مقاومة نظام الريع لعملية التحرير الاقتصادي. فقد عانت بعض القطاعات التي تمت خوصصتها من سطوة بعض النخب القوية أو بعض المجموعات الاقتصادية الضخمة؛ وينطبق هذا مثلا على قطاعات الاتصالات والمحروقات وبعض الصناعات الغذائية، وهي في أغلبها قطاعات تغيب فيها المنافسة وتسيطر عليها شركة واحدة أو شركتان أو ثلاث شركات على الأكثر في ما يمكن أن يشكل وضعية “منافسة احتكارية”.
“ويعتبر هذا الوضع العام مؤشرا على مدى عجز الدولة عن التخلي عن نظام الريع كأسلوب للحكم وللتحكم في المجال الاقتصادي، حيث انتهت عمليات الخوصصة إلى تحويل ملكية بعض القطاعات العمومية إلى أيادي نخب قليلة تصنع قوانين السوق بعيدا عن منطق المنافسة الحرة.” يقول الباحث.
و اعتبر أنه ” في هذا المناخ، يشكل دخول شركات ناشئة حديثة مثل أوبر تحديا كبيرا لنظام الريع التقليدي. يظهر هذا التحدي مثلا في القدرة التنافسية لشركة أوبر مقارنة مع خدمات قطاع النقل الريعي، حيث تقدم أوبر خدمات متنوعة حديثة وغير مألوفة مثل إمكانية حجز سيارة نقل عن طريق التطبيقات الذكية، والتمتع بالتنقل في سيارات يقل عمرها عن خمس سنوات، وتعامل مهني من طرف السائقين الذين تتيح الشركة لزبنائها إمكانية تسجيل الملاحظات السلبية عن طريق نفس التطبيق، والأهم أيضا شفافية في تحديد كلفة الرحلة مما يجنب الزبناء عناء التفاوض مع السائق”.