تحقيق : الزبونية و المحسوبية تنخر مشروع ‘نور ورزازات’ .. أجور زهيدة و استياء عارم يعم شباب المنطقة !
زنقة 20 | الرباط
نشرت مجلة (VICE) في نسختها العربية تحقيقاً حول أكبر محطات إنتاج الطاقة الشمسية بالعالم (نور ورزازات) ، حيث كشفت عن تذمر عدد من ساكنة المنطقة من المشروع بسبب عدم استفادتهم منه عبر تشغيل الشباب العاطل.
و أوردت المجلة في تحقيق مطول حول “نور ورزازات” نقلاً عن أحد السكان قوله : ” حلم كل شباب المنطقة العمل في هذا المشروع إلا أن ذلك الحلم تبخر.
و ذكرت المجلة أن المملكة المغربية تعتبر إحدى الدول الرائدة في مجال صناعة وإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، وتم تثمين ذلك بعد تدشين أكبر محطة في العالم لمركزة إنتاج الطاقة الشمسية، ولكن ليس الجميع سعيد بذلك حسب تعبيرها.
و تقول المجلي أنه بالرغم من الإيجابيات التي جاء بها المشروع ” نجد دائماً عوالماً خفية للمشاريع الكبرى ونجد استياء فئة من الأشخاص تمثل في هذا السياق سكان المناطق المجاورة لمحطة نور لإنتاج الطاقة الشمسية، استياءهم من عدم استفادة أبناء المنطقة من فرص الشغل التي تم خلقها. والتي تجاوزت 8,000 وظيفة، يقول أبناء المنطقة أنهم لم ينالوا منها إلا القليل”.
و تضيف : ” ربما دخلت المحسوبية على الخط وحرم الكثير من شباب المنطقة من فرصة للعمل بالمشروع ماجد، الحاصل على دبلوم تقني كهربائي والبالغ من العمر 28 عاماً، يقول بحسرة واضحة على محياه: “فرحنا كثيراً بهذا المشروع الكبير، في البداية تم توظيف البعض إلا أنه بعد أشهر تم وضع شرط تعجيزي بالنسبة للكثيرين.” .
سألته الصحيفة عما هو تعجيزي في الموضوع ليجيب حتى دون أخذ لحظة من أجل التفكير: “أقطن على بعد 5 كيلومترات من المشروع، وأقيم برفقة أسرتي دون أن أدفع سنتاً واحداً، لماذا أبتعد 20 كيلومتراً واستأجر شقة ستأخذ أكثر من نصف راتبي؟ الرواتب في محطة الطاقة تتراوح بين 2،500 و3،000 درهم شهرياً (250 و 300 دولار) واستئجار شقة يتطلب ألف درهم أو أكثر، وأنا أعتبر هذا عائقاً. لأن نقل المستخدمين متوفر فقط من المدينة.”
ويضيف الشاب متحدثا عن الوضع الحالي: “بإختصار، لقد تم تشغيل أشخاص من مدن الوسط والشرق وتهميش أبناء المنطقة. أبناء المنطقة يريدون العمل في محطة الطاقة الشمسية لكن لم تعد هناك فرص عمل.”
داخل أحد المنازل التقليدية في أحد الدواوير المجاورة للمحطة نور ورزازات، جلس مراسل المجلة إلى جانب سبعة شباب وثلاثة شيوخ، قام الناس البسطاء بالواجب وأحضروا الشاي المغربي واستغلوا الفرصة من أجل الحديث عن “معاناتهم” كما يصفونها، يقول أحد الشباب الحاصل على دبلوم تقني كهربائي والبالغ من العمر 23 عاماً، وهو يبتسم ابتسامة تخفي خلفها الكثير من خيبة الأمل: “في البداية، سعدنا كثيراً بإقامة المشروع وقدمت سيرتي الذاتية لوكالة إنعاش التشغيل طمعاً في نيل إحدى الوظائف، لكن للأسف لم يتسنى لي ذلك، ربما دخلت المحسوبية على الخط وحرم الكثير من شباب المنطقة من نيل فرصة للعمل بالمشروع.”
في الواقع، يتطلب العمل بالمشروع خبرة في أحد المجالات التقنية الكثيرة المطلوبة مثل الهندسة الطاقية والكهربائية والحرارية وإنتاج الطاقة وتخزينها والطاقة الكهروضوئية والرياح والتي يتم تدريسها في الكلية متعددة التخصصات بمدينة ورزازات، ولكن القليل من شباب المنطقة يملكون هذه التخصصات، فالنشاط الوحيد لأبناء المنطقة قبل بداية المحطة الطاقية نور هو العمل في مجال السينما كممثلين كومبارس في الأفلام العالمية التي تم تصويرها في المنطقة ومنها Gladiator و Alexander و Babel.
ولكن على الرغم من استياء الشباب العاطل عن العمل، إلا أن مشروع نور أثر بشكل ايجابي على المنطقة، كما قال واحد من الشيوخ الذي أكد أن هناك تغيير فعلاً بعد إنجاز المشروع، ويقول: “لقد تم إصلاح الطريق، وتوفير الماء الصالح للشرب وهذا حق من حقوقنا بالأساس، كما أنهم منحوا بعض الأسر بعض رؤوس الماشية وساهموا في إنشاء تعاونيات اقتصادية.”
المشكلة في المشروع حسب المجلة هو عدم تمكن المواطنين الذين يستخدمون الطاقة الشمسية في منازلهم من التخلص من الفائض الذي يقتصدونه بطريقة تعود عليهم بالنفع على الجانب الآخر من النقاش، وفي داخل قاعة اجتماعات مكيفة بعيدة عن أشعة الشمس بمدينة الرباط عاصمة المغرب التقيت مع المأمون البدراوي الإدريسي (33 عاماً) مهندس بقسم تنفيذ المشاريع في مشروع نور للطاقة الشمسية.
سألته المجلة عن عدم توظيف أبناء المنطقة وأجاب: “الأولوية تقدم لأبناء المنطقة التي يوجد عليها المشروع ويتم تشغيلهم بشكل أساسي، وهذا يندرج ضمن أهدافنا في تنمية المناطق التي نؤسس عليها مشاريعنا، كما نعتبره من بين مسؤولياتنا. لقد ألزمنا الشركات التي تم توظيفها بذلك وبشراكة مع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات المعروفة اختصاراً بـ أنابيك ونراقب هذه العملية باستمرار.”
يؤكد المأمون أنه تم بالفعل تشغيل أبناء المنطقة وتوفير وسائل التنقل، ويضيف: “ربما الإشكال هو أننا لا يمكننا توفير مناصب شغل للجميع فالمناصب محدودة. ومن جهة أخرى في بعض الأحيان نطلب بعض الاختصاصات كالهندسة المدنية والهندسة الطاقية، ولا نجد أن أبناء المنطقة يتوفرون على دبلومات في هذه التخصصات، فتلجأ الوكالة المغربية لإنعاش التشغيل والكفاءات لأشخاص ينتمون لمدن أخرى.”
يؤكد المأمون أن حجم الاستفادة من وجود المحطة كبير على المنطقة حيث يشير الى استفادة حوالي 34 ألف شخص من برنامج التنمية المحلية ما بين 2010 و 2016، إضافة إلى ربط 33 قرية من القرى المجاورة للمحطة بالماء الصالح للشرب وتعبيد الطرقات وكذلك بناء مدارس ومشاريع.”
لطفي الشرايبي، الخبير في الطاقة والأستاذ بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمدينة طنجة يتفق مع المأمون على أهمية المحطة ما يعني خلق استقلالية طاقية تجعل المغرب رائداً في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويقول: “اليوم يستطيع المغرب باستخدام مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والشمس والماء اقتصاد المصادر التقليدية والتي تتطلب موارد مالية أكثر ولها أثر سلبي على البيئة.”
ولكن بنفس الوقت يتساءل الشرايبي عن مدى استفادة المواطن المغربي من استخدام الطاقات المتجددة. “ما أعتبره عاملاً سلبياً هو عدم تمكن المواطنين الذين يستخدمون الطاقة الشمسية في منازلهم من التخلص من الفائض الذي يقتصدونه بطريقة تعود عليهم بالنفع.
في بعض الدول المتقدمة في المجال الطاقي وكذلك بعض دول الخليج تعمل على نهج هذه السياسة يمكن للمواطنين بيع فائض الطاقة التي تم اقتصادها للدولة نقداً أو مقايضتها بالكهرباء.”
يجب أن نأخد الوضع على محمل الجد ولا ننهج سياسة التعاطف فيما يتعلق بتشغيل أبناء المنطقة، أنه مشروع ضخم ويَفرض تشغيل الكفاءات ومتحدثاً عن الوضع الاجتماعي الذي يعيشه جيران المحطة والصورة التي وضعنا أمامها شباب المنطقة، يقول الشرايبي: “من المؤكد أن مشروعاً ضخماً مثل محطة نور ورززات يجب أن يكون له وقع اجتماعي قوي على سكان المنطقة، ويجب على الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازين) أن تطور سياستها الاجتماعية من أجل النهوض بأوضاع السكان، لا يكفي فقط تهيئة الطرقات وربط القرى بشبكة الماء الصالح للشرب أو توزيع بعض المواشي، يجب دعم مشاريع مدرة للدخل، وتكوين اليد العاملة من أبناء المنطقة من أجل تمكينهم من العمل في المشاريع الطاقية.
وبنفس الوقت، يجب أن نأخد الوضع على محمل الجد ولا ننهج سياسة التعاطف فيما يتعلق بتشغيل أبناء المنطقة، أنه مشروع ضخم ويَفرض تشغيل الكفاءات. هذا هو الأهم.” لا شك أن تأسيس محطة طاقة شمسية في المغرب هو إنجاز كبير بحد ذاته سواء بيئياً أو اجتماعياً، وقد يكون تحقيق أثر ملموس لأهالي المنطقة يحتاج وقتاً، ولكن ليس الجميع مقتنع بذلك.
اتصلت المجلة بعد ذلك بالشاب الذين حاورته وتحدثت عن ما جاء على لسان المسؤول بالوكالة المغربية للطاقة المستدامة، فكان رده: “دائماً ما يقولون ذلك، يسعون لتلميع صورة مشروعهم، لم أكذب في أنهم قاموا بتشغيل الشباب من المنطقة، لكن هناك الكثير من خارج المنطقة فتحت لهم أبواب نور، في الوقت الذي صدت تلك الأبواب في وجهنا. يبحثون عن الطاقة فوق الأراضي التي ترعرعنا بها، ويختلقون الأعذار من أجل تبرير عدم توفير مناصب شغل لنا.”