زنقة 20 | الرباط
تجربة إنسانية، مؤثرة و محزنة تلك التي يعيشها نزيل مغربي محكوم بالمؤبد، استطاع أن ينتزع خمس إجازات جامعية، بفضل إرادته وقدرته على قهر ظلام الزنزانة، والتطلع من وراء القضبان إلى المزيد من نور المعرفة.
يحكي عبد الجليل، الإسم الشخصي للنزيل، قصة دخوله السجن، لـ”الوطن الآن” فيقول إن لحظة غضب تسببت في تحطيم مسار حياته، مشيرا إلى أنه ليس مجرما، وأول مرة وضع فيها قدمه في السجن جاء ذلك بناء على حكم بالمؤبد.
و يعترف عبد الجليل في حديثه بأنه أخطأ في حق نفس بشرية، بعد أن كانت حياته عادية، ويمارس عمله كخبير بميناء مدينة الدار البيضاء، إلى أن وقعت الواقعة، وتمت إدانته بحكم قضائي هو المؤبد. لا يعطي عبد الجليل الذي قضى لحد الساعة 20 سنة سجنا تفاصيل أوفى عن سبب دخوله للسجن، وعمره الآن 56 سنة، فذاك أصبح من الماضي مكتفيا بطلب السماح من أسرة المقتول ومن أسرته الصغيرة، ومن المجتمع ككل.
في شهر مارس من سنة 1999 انقلبت حياته رأسا على عقب، من الحرية المطلقة إلى السجن المؤبد، من اللاتحكم إلى التحكم، ومن الاستمتاع بالسفر إلى التحرك المحدد.
من سجن عكاشة بالدار البيضاء، تم تنقيله إلى السجن المركزي بمدينة القنيطرة، بعد أن عاش مرحلة نفسية متدهورة، فكانت المحاولة الأولى لانتحاره بالسجن المحلي عين السبع بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، حيث تم إنقاذه في آخر لحظة من طرف نزلاء كانوا معه، بعد أن حاول شنق نفسه بالمرحاض.
يواصل عبد الجليل الحكي بالقول :” بعد أن تم إنقاذي من موت محقق شنقا، عندها ظهر شخص ما زلت أتذكره، يشتغل مشرفا اجتماعيا بإدارة سجن القنيطرة، دعاني لمكتبه، ومدني بأوراق مكتوب عليها أسماء صلاح الوديع، وعبد الناصر بنو هاشم، وابراهيم السرفاتي، (سجناء سياسيون سابقون في سنوات الرصاص).
ووجه لي سؤالا واحدا،” واش هذ الناس أحسن منك؟”، (هل هؤلاء الناس أحسن منك؟).” في تلك اللحظة توقف حبل تفكيره، ولم يعرف مغزى سؤال المشرف الاجتماعي، ليكمل حديثه.
لقد كان هؤلاء الأشخاص وغيرهم محكومين بالإعدام والمؤبد هنا بهذا السجن، ومع ذلك تجاوزوا محنهم، ولم يفقدوا الأمل في الإفراج عنهم.
هكذا بدأت مرحلة جديدة في حياته، تغلب فيها، كما يقول على “الزمن القاتل”، فحصل على شهادة البكالوريا، في السنة الموالية للسجن، وهو ما خول له الحصول على إجازة في القانون الخاص سنة 2004، وإجازة في علم الاجتماع سنة 2009، وإجازة في القانون العام سنة 2011، وإجازة في علم النفس الاجتماعي سنة 2015، وإجازة في اللغة الفرنسية سنة 2016.
ويتابع دراسته حاليا في شعبة التاريخ والحضارة، متطلعا في كل مناسبة إلى عفو ملكي، خاصة بعد استفادته من تقليص لعقوبته من المؤبد إلى المحدد، وأصبحت خمس سنوات هي المتبقية من فترة عقوبته.