ما جدوى حكمة الحكماء في ظلّ غلو السلطوية ؟
بقلم : أحمد عصيد
ثمة تناقض صارخ بين المناظرة والوساطة والعنف، ففتح باب الحوار والقبول بمبادرات الوساطة يقتضي إيقاف السلوكات المتهورة للسلطات والقوى العمومية بالشارع العام، لأن المناظرة والوساطة من الناحية المبدئية تعني التحاور والتقارب بين أطراف مختلفة بهدف إيجاد المخارج الممكنة من الضائقة التي يمر منها البلد، والتي لا أحد يريد لها أن تستمر.
لكن المؤشرات ليست إيجابية للأسف، فتنظيم مناظرة بمدينة طنجة، وانطلاق مجموعة من مبادرات الوساطة المدنية والحقوقية، والاستماع خلالها إلى جميع الأصوات، مع استمرار العنف والاعتقال بالحسيمة ومناطق أخرى في نفس الوقت ، كما لو أن شيئا لم يكن، هو أسلوب لا يعني سوى الاستهتار التام بكل شيء، فالنفس الانتقامي للسلطة، ورغبتها في إظهار هيمنتها المطلقة ومعاقبة من ينتقدها ويظهر عيوبها، وسعيها إلى جعل الناس يأوون إلى بيت الطاعة، هو سلوك ينحدر من ماض بعيد كان ينبغي للمغاربة أن يقطعوا معه منذ عقود، لكنه يستمر كما لو أن الزمن غير موجود، وكما لو أن التجارب والخبرات المتراكمة لا تسمح بانتقال نوعي نحو دولة المواطنة.
إن ما ينبغي التأكيد عليه بهذا الصدد هو أن مثل هذه السلوكات لا تنتهي إلى إخضاع الناس واستعبادهم بقدر ما تؤدي في السياق الراهن إلى المزيد من تعميق الشرخ بين الدولة المجتمع، وكذا إلى مزيد من فقدان الثقة في الدولة ومؤسساتها.
ومن مظاهر استهتار السلطة واستخفافها بالناس ما قام به بعض الوزراء من إلقاء كلماتهم بمناظرة طنجة ثم الانسلال إلى خارج القاعة والاختفاء عن الأنظار، في الوقت الذي كان فيه من الضروري تعبيرا عن الاهتمام على الأقل، ومساهمة في التنفيس عن الغضب الشعبي، الاستماع إلى شهادات السكان المتضررين وعائلات المعتقلين والمعنفين والتفاعل معها تعبيرا عن الرغبة في إصلاح الوضع ورأب الصدع الذي ما فتئ يتسع.
إن السلوك العنيف والمستهتر للسلطات خلال الأسابيع الأخيرة، لا يمكن تفسيره إلا بعدم الوعي بدقة المرحلة وخطورتها من قبل المسؤولين، الذين ما زالوا يعتقدون بأنه من الممكن تسوية بعض المشاكل الجديدة بالطرق القديمة.
وإن التوصيات الصادرة عن مناظرة طنجة أو عن المبادرات الأخرى للوساطة المدنية والحقوقية على الخصوص، تلتقي كلها في نفس المطالب العاجلة، والتي أولها إطلاق سراح المعتقلين جميعا وسحب القوات العمومية من الشارع وإنهاء التصادم، ثم إقرار برنامج تنموي منصف لساكنة الريف ينهي الشعور المأساوي بالظلم والإقصاء.