التمرين الديمقراطي والخصوصية المغربية
بقلم : المصطفى المريزق
من منا لا يتذكر النشاط الأول العمومي الذي نظمه مركز دراسة حقوق الإنسان والديمقراطية؟ كان ذلك في يوليو 2006 حينما نظم ذات المركز ندوة تعتبر الأولى من نوعها خصصت لتقييم حصيلة تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة من زاوية نظر فاعلين متعددين: نشطاء حقوق الإنسان، جمعيات الضحايا، أحزاب سياسية، منظمات دولية رافقت التجربة اقتراحا وتقييما، بحضور نشطاء حقوقيين وباحثين ومعنيين بحقوق الإنسان.
واعتبرت هذه الدينامية المغربية في وقتها، دينامية متميزة على صعيد شمال إفريقيا والعالم العربي، وتجربة حبلى برسالة حضارية وأمانة تاريخية على عاتق الطليعة المدنية والقوى الديمقراطية المستنيرة كلها. أما في المجال الثقافي فالمهام كانت جسيمة أيضا، وتمثلت في الدعوة إلى المصالحة والتسامح والحكامة الأمنية والتربية على حقوق الإنسان، والإنصاف وجبر الضرر الفردي والجماعي، واحترام التعددية الثقافية وإقرار حقوق النساء والشباب، ومعالجة تاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب، وحفظ الذاكرة، والإجابة على انتظارات وتطلعات الشعب المغربي، والآمال التي ولدتها صيرورة العهد الجديد.
لقد مرت 10 سنوات على هذا الزمن الحقوقي، ولازالت بلادنا تترنح أمام نقد آليات الواقع الاجتماعي والثقافي التي لازالت تجرنا للتأخر والتعبية، رغم المعركة الوجودية التي توجت بتقديم تقاريرها إلى ملك البلاد، في حفل كبير بالقصر الملكي حضره أعضاء الهيئة، والحكومة والبرلمان ومنظمات حقوق الإنسان وممثلي الأحزاب السياسية.
واليوم أمام ما نعيشه من انفصام في صيرورتنا ومحاولة لدهس انفتاحنا وانتقالنا إلى زمن العالم بأدواره المعرفية المطلوبة ومستجدات أنظمته العصرية، وأفكاره النقدية البديلة والبعيدة عن الأوهام والاستيهامات التي يفرزها دعاة التسلطية والارتدادية النكوصية، وأمام محاولة مسح ذاكرة الصيرورة الحقوقية المغربية، وربحا لهذه المسافة الزمنية الفاصلة، لا بد من استنهاض القوى الديمقراطية الحداثية المؤمنة بالتغيير، والتشبث أكثر من أي وقت مضى بما أثمرته تجربة الانتقال الديمقراطي من آراء وتقييمات وتجربة ومواقف وتوجهات وتساؤلات، للحفاظ على المكتسبات ومواصلة نهج الإنصاف والمصالحة وتفعيل كل توصياتها في كل مجالات السياسة العمومية، والمؤسسات المعنية. إن بلادنا لم تعد في حاجة إلى هدر أي زمن من زمنها السياسي، بلادنا في حاجة ماسة لنبراس ينير لها آفاق التطور والتحرر ويفتح لجماهيرها باب الأمل في لياليها الحالكة.
نعم إن الوضع السياسي المغربي في حاجة إلى العديد من التمارين الديمقراطية، لكن من دون أي توظيف للدين وللمشترك الجمعي للمغاربة، و من دون إهدار للطاقات ومضايقة الحوار العقلاني الهادئ والبناء، واعتقال حرية التفكير والابتداع والتعبير.
صحيح أن المواطن المغربي هو من يؤدي فاتورة السياسيين وأحزابهم، وأن إي انحباس لن يؤدي سوى إلى مخاطر ذات تكاليف باهظة وإلى التخلي عن دور الأحزاب السياسية ورسالتها الحضارية، بل سيكون المغرب أمام خطر الاستتباع الذي يهدم مناخ الحرية واستقلالية القرار الوطني، من دون انبطاح أو استقواء بأي كان.
إن إعلان رئيس الحكومة المعين عن وقف المفاوضات مع زعماء الأحزاب، هو فرصة للعودة لكل التوصيات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية التي لازالت محط جدل حول آليات تنفيذها وتنزيلها في الوطن والجهات من أجل أغناء وبلورة التجربة الديمقراطية المغربية من دون القفز على فلسفة مواصلة الإصلاح بما يضمن للجميع حماية الخصوصية المغربية التي انطلقت مع حكومة الزعيم الاشتراكي المغربي عبد الرحيم بوعبيد التي فتحت ورش مسار الانتقال الديمقراطي على قاعدة حقوق الإنسان والديقراطية فكرا وقيما وممارسة، استجابة لضرورة تاريخية ضحى من أجلها الشعب المغربي وقدم في معاركها الغالي والنفيس.
إن المطلوب في هذه اللحظة المفصلية من تاريخنا، هو التفاعل الايجابي لكل القوى الديمقراطية المؤمنة بالإصلاح والتغيير والتقدم مع ما ينتظره شباب بلادنا، باعتبارهم قوة الغد وذخيرة المستقبل، وضامن كل الاستراتيجيات الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
لقد كشف المغرب في العديد من المحطات التاريخية عن قدرات وطنية خلاقة، بفضل كفاءاته الوطنية التي عملت على تصليب الخط الوطني وإرساء مبدأ الإنصاف والمصالحة، وضمان التغيير المؤسساتي حفاظا على وحدة الوطن. واليوم ما أحوجنا لكل هذه الكفاءات من أجل إنجاح التمرين الديمقراطي والحفاظ على الخصوصية المغربية.