بقلم : عزيز إدمين / ناشط حقوقي
مرت مناسبتان متفرقتان، ولكن تحملان نفس الدلالات الإنسانية والحقوقية، الأولى تتعلق بالذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، حيث أفرج الملك عن عدد من الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والثانية تتعلق بالذكرى الواحدة والسبعين لثورة الملك والشعب، إذ أصدر الملك عفوه على 4831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي.
بيد أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تفاعل بانتقائية مع الحدثين، بإصداره بلاغا بخصوص الحدث الثاني، منوّها بالمبادرة الملكية، التي تدعم انخراط المغرب في المقاربة الحقوقية، التي بلورتها الأمم المتحدة، في حين لم يصدر عنه أي بلاغ بخصوص الحدث الأول، إذ تجاهله وكأنه ليس بقضية لا حقوقية ولا إنسانية، مع العلم أن عددا من الصحافيين والمدافعين المشمولين بالعفو في المناسبة الأولى كانوا موضوع انشغالات الكثير من هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية غير الحكومية الوطنية والدولية.
واللافت أن أي متتبّع لمسار المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيلاحظ أن تقاريره ومبادراته لم تعد تغري المهتمين والمتتبعين، بل هناك من أصبح يرفض أي مبادرة صادرة عنه ولو تطلّب منه ذلك الاستمرار في سلب حريته، إلا أن موضوع المقالة سيتطرق إلى الوضعية القانونية للمجلس ككل، من خلال الدستور ومن خلال القانون المنظم له رقم 76.15 ونظامه الداخلي المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6856 بتاريخ 13 فبراير 2020.
1- رئاسة المجلس خارج الولاية القانونية
عين الملك الأستاذة أمينة بوعياش بتاريخ 6 دجنبر 2018، وتنص المادة 37 في الفقرة الأخيرة من القانون المنظم للمجلس أنه “تحدد مدة انتداب الرئيس… في خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة”، وتضيف المادة 38 من نفس القانون “تنتهي العضوية في المجلس بالوفاة، وتنتهي أيضا بانتهاء مدة الانتداب…”. وهاذان النصان صريحان، ولا غبار عليهما، ويفيدان أن مدة انتداب رئيسة المجلس انتهت بتاريخ 5 دجنبر 2023.
ومن أجل الحفاظ على الأمن التشريعي، نجد أن المشرّع أحاط المجلس بعدد من الضمانات القانونية، فالفقرة الثانية من المادة 38، تؤكد على رئيس المجلس اتّباع مسطرة صريحة في حالة انتهاء الانتداب، حيث نصت على ضرورة أن يحيط الرئيس السلطة، التي يحق لها التعيين، بالتاريخ الذي سوف تنتهي فيه مدة الانتداب قبل ثلاثة أشهر من التاريخ المذكور، وأن يتم التعيين أو إعادة التعيين قبل 15 يوما من التاريخ المذكور.
وهنا يُطرح السؤال: هل أحاطت الأستاذة أمينة بوعياش، قبل ثلاث أشهر، الملك بتاريخ انتهاء انتدابها؟
قد يقول قائل إن المسطرة المذكورة تخص الأعضاء، وليس الرئيسة، ومع ذلك فإن القانون واضح بقوله إن المجلس يتألّف من الرئيس والأمين العام ورؤساء اللجن الجهوية… فصفة الرئيس أو الأمين العام أو رئيس لجنة أو رئيس آلية… هي مهام، والجميع أعضاء المجلس، ومع ذلك، فإن المشرع أضاف تحصينات للأمن القانوني للمجلس بالنصّ، صراحة، مرة أخرى، في الفصل 51 في فقرته الأخيرة، على أنه “إذا أحال عائق دون اضطلاع الرئيس بمهامه، يعين جلالة الملك أحد أعضاء المجلس ليتولى مهمة التسيير المؤقت للمجلس”، والعائق قد يكون صحيا أو ذهنيا، وقد يكون أيضا قانونيا، والعائق القانوني هنا ثابت وهو “انتهاء مدة الانتداب”.
2- آليات المجلس خارج الشرعية والمشروعية
تنص المادة 23 من القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، على أن “النظام الداخلي للمجلس يحدد عدد أعضاء كل آلية من الآليات الوطنية”، ويَذكُر أن المجلس يضم ثلاث آليات وطنية مرتبطة باتفاقيات دولية، وهي آلية الوقاية من التعذيب، وآلية التظلم للأطفال، وآلية خاصة بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة.
وتنص المادة 37 (الفقرة الثانية) من النظام الداخلي للمجلس، على أنه “لا يقل عدد أعضاء كل آلية عن ثلاثة أعضاء من المجلس على الأقل”.
وبالعودة إلى بلاغٍ للمجلس صدر بتاريخ 21 شتنبر 2019، نجد أن أعضاء آلية الوقاية من التعذيب، تضم كلا من السيد محمد بنعجيبة (منسقا)، والسيدة عائشة الناصري، والسيد مصطفى الريسوني (مقررا)، وهذا الأخير، السيد النقيب، تولاه الله برحمته بتاريخ 2 نونبر 2020.
ووفق نفس البلاغ دائما، تتكون الآلية المتعلقة بحماية الأطفال من: السيدة زهور الحر (منسقة)، والسيد عمر بنيطوا (مقررا)، والسيدة أجميعة حداد، وهذه الأخيرة تولاها الله برحمته بتاريخ 22 يوليوز 2020.
وبهذا الصدد، تحدد نفس المادة (37) مسطرة تأليف الآليات وكيفية اختيار أعضائها، حيث يَلزم، وبالضرورة، المرور عبر الجمعية العامة، وبالعودة إلى جميع البلاغات أو تقارير أنشطة المجلس، لا نجد أي إشارة إلى تعويض العضوين المتوفيين بعضوين آخريْن من داخل المجلس، مما يؤكد أن الآليات، ولمدة سنوات، تشتغل بأقل من العدد المفروض قانونيا، الذي لا يجب أن يقلّ عن ثلاثة أعضاء.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن لِآلية الوقائية من التعذيب وضعا خاصا داخل المجلس، وأيضا وفق القانون، وذلك نظرا لحساسية موضوع الاشتغال، الذي يقتضي التدخل السريع والاستباقي والحضور اليومي، حيث تم تحصينهم بعدد من الضمانات وفق المادة 17 من القانون المنظم للمجلس، ولكن في مقابل ذلك، فرض عليهم القانون، وفق المادة 21 الفقرة الثالثة، أن يتفرغ منسق الآلية وأعضاؤها “لمهامهم كامل الوقت طيلة مدة انتدابهم”، بل ووسّع أصحاب المجلس الوطني لحقوق الإنسان من هذا الالتزام وفق النظام الداخلي بشرط “توقيع الأعضاء المقترحين لعضوية الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التزامهم، في حال اختيارهم، بممارسة مهامهم كامل الوقت طيلة مدة انتدابهم” (المادة 37 من النظام الداخلي).
إلا أن الأعضاء لم يلتزموا بهذا الشرط، حيث استمر منسقها، طيلة سنوات، يمارس مهامه كمدير مركز تحاقن الدم، وإلى اليوم، ما زالت السيدة عائشة الناصيريتمارس وظيفتها كقاضية بالدارالبيضاء.
3- مجلس منقوص الأعضاء
بالإضافة إلى حالتي الوفاة، اللتين ذُكرتا أعلاه، فإن عددَ حالاتِ التنافي بالعضوية في مؤسسة دستورية كثيرةٌ جدا، وهذا الحيز من المقالة لا يسمح بالتطرق إلى الجميع، كمثال تعيين الأستاذة أمينة المسعودي عضوة بالمحكمة الدستورية في نونبر 2023، حيث تنص المادة 5من القانون التنظيمي رقم 66.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، على أنه لا يمكن الجمع بين عضوية المحكمة الدستورية وعضوية إحدى المؤسسات المدرجة في الباب الثاني عشر من الدستور (ومجلس حقوق الإنسان مدرج في هذا الباب)، وهناك حالة السيد إدريس السنتيسي كعضو بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين في مارس 2023، إذ تنص المادة 38 من القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على أنه يمنع الجمع بين العضوية فيه والعضوية في إحدى الهيئات الدستورية المنصوص عليها في الفصول من 165 إلى 170 من الدستور، ومجلس التربية والتكوين، يحمل رقم 168 من الدستور.
المشرع المغربي، من أجل تأمين الاستمرارية لهذه المؤسسات، فقد استبق أي سيناريو قد يَحول دون القيام بمهامها، إذ نصّ، في المادة 39 الفقرة الثالثة من القانون المنظم للمجلس، على أنه في حالة الوفاة أو فقدان الصفة، يُعيّن من يخلف الأعضاء المَعنيين داخل أجل 60يوم من تاريخ فقدان العضوية، وذلك للفترة المتبقية من مدة العضوية، ويفرض القانون على “رئيس المجلس أن يخبر بذلك، فورا، السلطة التي يرجع لها حق التعيين”.
وترجع سلطة التعويض، في الحالات المذكورة لحد الآن، إلى كل من الملك، بخصوص السيدة أمينة المسعودي، والنقيب الراحل مصطفى الريسوني، وإلى مجلس النواب بخصوص السيد إدريس السنتيسي، وإلى مجلس المستشارين بخصوص الراحلة أجميعة حداد… وهنا، ومرّة أخرى، يُطرح السؤال: هل أخبرت الرئيسة، بقوة القانون، سلطات التعيين من أجل التعويض؟ خاصة وأن مدة فقدان العضوية مرّت عليها شهور وسنوات وليس فقط 60 يوما كما حددها القانون.
قد يقول قائل إن الوضع فيه حرجٌ، عندما تكون سلطة التعيين بيد الملك، ولكن، من خلال تتبع أنشطة ومهام الملك، يلاحظ أنه هو أكثر حرصا على احترام الدستور والقانون، بل إن مثل هذا القول هو أسوأ من عدم احترام القانون، على غرار “العذر أقبح من الزلّة”، إذ أين سيكون الحرج مع سلطات التعيين الأخرى من قبيل البرلمان والحكومة وغيرهما من المؤسسات الأخرى؟!
ويبقى الجواب الأخير على هذا الإشكال هو بلاغات وتقارير الأنشطة والتقارير السنوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي لم تشر نهائيا إلى هذه المساطر، في حين من المفروض إدراجها في التقارير الرسمية، لأنها تتعلق بممارسة مهام وعلاقات المجلس مع مؤسسات دستورية أخرى، مما يجعل عدم الإشارة إليها خرقا واضحا، وبالتالي تكون رئيسة المجلس تتحمّل مسؤولية هذا الاعتداء على الدستور والقانون…
4- المجلس ككل فاقد للأهلية القانونية
بالعودة إلى الظهير الشريف رقم 1.19.11 المتعلق بتعيين الأمين العام وأعضاء ورؤساء اللجن الجهوية، والمؤرخ بـ9غشت 2019، والذي نُشر بالجريدة الرسمية عدد 6813المؤرخة بـ16 شتنبر 2019، نجد أن المادة الأولى تنصّ على أن بداية الانتداب والولاية هي “18 يوليوز 2019”.
وبالعودة، مرة أخرى، إلى نفس نصوص القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن مدة الانتداب لجميع الأعضاء ورؤساء اللجن الجهوية والأمين العام، المحددة في 5 سنوات، انتهت بتاريخ 17 يوليوز 2024 (لا يمكن إضافة ولا يوم واحد)، أي قبل أكثر من شهر، ولكن المسطرة هنا مختلفة تماما عن التعويض في حالة الوفاة أو التنافي.
إن مهندس القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان كان حريصا جدا ألّا يقع المجلس في فراغ قانوني، لهذا وضع مسطرة خاصة في حالة انتهاء مدة انتداب أعضائه، إذ حدّد، بشكل صريح ودقيق ولا يحتاج إلى أي تأويل، في المادة 39 الفقرة الثانية، أنه يجب تعيين أعضاء المجلس، الذين سيحلّون محل الأعضاء، الذين انتهت ولايتهم، قبل 15 يوما على الأقل من تاريخ انتهاء الولاية.
أي أنه إذا كانت نهاية ولاية أو انتداب أعضاء المجلس والأمين العام ورؤساء اللجن الجهوية بتاريخ 17 يوليوز 2024، كان من المفروض قانونا ودستوريا إعادة التعيين أو تعيين الجدد قبل 2 يوليوز 2024.
ومن أجل الأمن القانوني للمجلس، فإن المشرّع ألزم رئيسة المجلس، وفق نفس الفقرة والمادة من القانون، بإحاطة السلطات، التي يرجع لها حق التعيين، بالتاريخ الذي ستنتهي فيه مدة ولاية كل عضو قبل ثلاث أشهر من التاريخ المذكور.
بالملخص أن رئيسة المجلس من المفروض أن تكون راسلت، قبل 17 أبريل 2024، كل السلطات، التي لها حق التعيين، أن تبدأ في اختيار الأعضاء الجدد.
فهل راسلت رئيسة المجلس كلا من الملك، و الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ووسيط المملكة، ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج؟ حتى تتمكن هذه المؤسسات من تعيين الأعضاء في الآجال القانونية والمحددة في ثلاثة أشهر…
ونظرا لغياب المعلومة، وغياب أي بلاغ أو إشارة في التقارير بخصوص هذا الموضوع، فإن رئاسة المجلس تتحمل هذا الخرق الدستوري والقانوني.
عود على البدء
إذا كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان استثنى الصحافيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من بلاغ ينوّه فيه بالمبادرة الملكية، فإن “ما وراء الأكمة” يوحي أن ذلك ليس سقوطا سهوا، بل يعكس المدى الذي وصلت إليه شخصنةُ مؤسسةٍ دستوريةٍ، ويعكس الطبيعة النفسية لأصحاب القرار داخل المجلس.
وأعتقد أنْ ليست هناك حاجة للإشارة إلى أن ذكر أسماء بعض أعضاء المجلس، ضمن هذه المقالة، لا علاقة له بأي خلفيات شخصية، بقدر ما هو نقاش مؤسساتي ودستوري وقانوني، ويبقى للجميع الاحترام والتقدير.
وختاما، وأمام هذا التيه وهذه الدوامة القانونية بخصوص الأهلية الانتدابية للمجلس، فإن أي حل سيكون مجرد ذرّ الرماد على العيون أمام خرق دستوري وقانوني واضح، ويبقى الشيء المؤكد أن المؤسسة الملكية منزهة عن العبث بالدستور والقانون…