ملاحظات سياسية حول مؤتمر البام
بقلم : ذ. امحمد لقماني
جرت العادة أن تأخذ مؤتمرات الاحزاب السياسية صبغة المنعطفات، بما يحمله هذا التوصيف من تجديد على مستوى الرؤى و المواقف، و من تحول في التموقع داخل المشهد السياسي العام.
غير أنه من المؤسف أن يكون اهتمام الرأي العام، او أغلبه، منصب على حصر قيمة المؤتمر فيما سيفضي إليه من هوية الشخص الذي سيتولى رئاسة الحزب و كأن ذلك هو غاية الغايات.
و غالب الظن أن هذا الاهتمام نابع من ثقافة تقليدية متأصلة في المجتمع و حتى النخبة، قوامها شخصنة القيادة و صناعة الزعامة، بدل ثقافة حداثية ترفع من شأن المؤسسة الحزبية، بما هو تنظيم جماعي تشاركي، يحتاج للقيادة كما يحتاج للقواعد.
و لأن المناسبة شرط في هذا المقام، فإن مؤتمر حزب الأصالة و المعاصرة أثار هذا النوع من التساؤلات( أو التشويق) لدى جزء هام من الرأي العام، لأن الجميع اعتاد من الزعيم الجديد أن يأتي بفريق قيادي جديد يلغي ما قبله فيما يشبه القطيعة مع ما سبقه، و الحال أن الحزب الذي لا يؤسس لمبدأ التراكم يسقط حتما في تجريبية قاتلة. لذلك، بقدر حاجة الحزب إلى نفسٍ جديد، فهو دائم الحاجة إلى حفظ ذاكرته الجماعية، في الأفكار كما في الأشخاص.
بناء عليه، هل يعتبر مؤتمر البام رهانا تنظيميا داخليا أم منعطفاً سياسياً مرحليا أم نقلة نوعية في المشروع ؟ قد تتعدد الآراء و تختلف التحليلات بهذا الشأن، و هذا أمر عادي في مشهد حزبي و سياسي شبه جامد. و في تقديري، هناك ثلاث مؤشرات قد تساعدنا على تقييم نتائج المؤتمر في مسار البحث عن الجواب على السؤال أعلاه:
المؤشر الأول يتعلق بطبيعة و مضمون الأطروحة السياسية التي اعتمدها المؤتمر، فيما إذا كانت فعلا تحمل تجديدا في الهوية السياسية و في التفكير السياسي للحزب ضمن محاولة البحث عن الأجوبة السياسية الملائمة للإشكال التنموي و الديمقراطي بالبلاد، و ذلك بغض النظر عن اصطفاف الحزب في السلطة أم في المعارضة.
المؤشر الثاني يتعلق بالبيان الختامي للمؤتمر. فهو ليس مجرد بلاغ أو محضر اجتماع المؤتمر، و إنما هو بيان سياسي عام يضع المؤتمر في سياقه الوطني و الدولي، و يحدد موقع الحزب في المشهد السياسي العام، مع توضيح المواقف السياسية المرحلية من القضايا الوطنية الكبرى للدولة و المجتمع.
المؤشر الثالث له علاقة بالمكتب السياسي، بوزنه و بتركيبته، بما هو القيادة السياسية والعقل المفكر و المدبر لسياسة الحزب. و هنا سيتضح ما إذا كان المكتب السياسي يعكس فقط توازنات النفوذ داخل الحزب أم هو ينسجم مع تسميته و صفته في ضم نخبة سياسية متمكنة و قادرة على الفعل و التأثير و إنتاج المواقف و تدبير المواقع.
هذه، باختصار، هي المؤشرات الأساسية التي قد تسمح بتقييم نتائج المؤتمر على المستوى السياسي. فهل حقق مؤتمر البام هذه المؤشرات ؟ ربما الحزب وحده من يحدد الجواب.