زنقة 20. أصيلة / روبورتاج
تحولت مدينة أصيلة في السنوات الأخيرة إلى كمركز ثقافي وتراثي للمملكة المغربية، فالبرغم من صغرها إلا أنها تشكل قطبا سياحيا مهما جدا، سواء للسياح الأجانب أو المغاربة، حيث أنها تعتبر من أقدم المدن المغربية إذ يرجع تاريخها إلى أكثر من 2000 سنة وهي شاهدة على عدة عصور، زادت من جماليتها المشاريع السياحية التي أهلتها في السنوات الأخيرة لتكون قبلة للسياح.
وعُرفت المدينة منذ العصور الفينيقية بالإسم الأمازيغي “زيليس” أو “زيلي” وخلال الاحتلال البرتغالي أطلق عليها اسم أرزيلا وقد احتفظت المدينة بهذا الإسم حتى بعد الاسترداد الإسلامي سنة 1550، كما تعرف أيضا بتسمية أزيلا وهي تسمية محرفة لكلمة أرزيلا.
الموقع الجغرافي
وتقع مدينة أصيلة الساحلية على بعد حوالي أربعين كيلومترا جنوب مدينة طنجة بساحل المحيط الأطلسي، وتبعد عن العاصمة الرباط بحوالي 212 كلم، في امتداد غني بالنقاط الشاطئية التي تزدهر فيها السياحة الصيفية، حيث يمكن للسياح الوصول إليها عبر القطار أو حافلات نقل المسافرين أو عبر السيارات من خلال الطريق السيارة التي تسهل دخولها من جميع الإتجاهات .
ويصل عدد سكان أصيلة إلى 32 ألف نسمة حسب آخر إحصاء للسكان، ينتشرون في مجال ترابي مساحته 32 كيلومترا مربعا حيث ينحدر غالبيتهم من قبائل “جبالة” التي تعمر منطقة الشمال الغربي للمغرب.
تاريخ مدينة أصيلة أو ” زيليس “
يعود تاريخ نشأة مدينة أصيلة إلى أكثر من ألفي سنة فقد إستقر بها الفنيقيون والقرطاجنيون، قبل أن تتحول إلى قلعة رومانية تحمل اسم ” زيليس “.
وفي القرن العاشر الميلادي، قدم إليها النورمانديون من صقلية واستقروا بها، واحتلها البرتغاليون سنة 1471 م ليشرفوا من خلالها على سفنهم التجارية عبر المحيط الأطلسي.
وبعد معركة الملوك الثلاثة التي وقعت سنة 1578 م والتي سقط فيها ملك البرتغال سان سيباستيان صريعا في معركة وادي المخازن، استطاعت المدينة أن تتخلص من الاحتلال البرتغالي على يد أحمد المنصور السعدي سنة 1589 م، لكنها سرعان ما سقطت في يد الإسبانيين الذين استمر احتلالهم لها إلى غاية سنة 1691، وهي السنة التي أعادها السلطان مولاي إسماعيل إلى نفوذ الدولة العلوية.
المآثر التاريخية والسياحية لأصيلة
تزخر أصيلة بمعالم تاريخية وعمرانية كثيرة، تعزز هويتها كمركز ثقافي وتراثي وسياحي بالمغرب ومن بينها:
قصر الريسوني
قصر الريسوني أو قصر الثقافة يقع بالجانب الغربي من مدينة أصيلة حيث تأسس سنة 1905 ويتمتع بإطلالة فريدة على المحيط الأطلسي كما أنه يشكل نموذجا فذا للنمط المعماري المغربي الأندلسي المتطور خلال أوائل القرن التاسع عشر وبات من المعالم السياحية التي يقبل السياح على زيارتها.
برج “القمرة”
كان مركزا للمراقبة على المحيط الذي تفيد المصادر التاريخية أن ملك البرتغال “دون سيباستيان” انطلق منه لخوض معركة وادي المخازن، حيث هزمت جيوشه على يد الملك السعدي أحمد المنصور، ورُمم البرج بداية التسعينيات في إطار تعاون مغربي برتغالي.
المسجد الجامع:
وتعود فترة بنائه إلى القرن الثالث الهجري وقد استمر بمزاولة مهامه كمنار ديني لمدينة أصيلة لمدة ألف سنة.
والجامع عبارة عن بناء مستطيل مطلي بالجص الأبيض وتشرف عليه صومعتين حديثة وأخرى قديمة وقد بنيتا على الشكل ثماني الأضلاع أندلسي الأصل.
ساحة الطيقان وبرج القريقية:
عبارة عن ساحة مستطيلة في الناحية الجنوبية الغربية للمدينة وتتميز الساحة بإطلالتها على الساحل الأطلسي، وتشرف الساحة على برج دائري ضخم تعود أساسات بنائه إلى القرن الثالث الهجري ويدعى هذا البرج باسم القريقية وهي كلمة جبلية تعني (القفل) ويبرهن الاسم على مكانة البرج كقفل يستطيع إحكام القبضة على المدينة، والبرج بنيت أساساته في المياه ومرتبط بسور المدينة الذي بني أيضا على المياه.
مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية:
وتعود فترة بناء هذه المنشأة إلى القرن الخامس عشر حيث أنشئ كمخزن للحبوب لتحصين المدينة من هجمات القبائل المجاورة.
وقد تم ترميم المبنى وتجديده حيث أصبح أواخر القرن العشرين مقرا رئيسا لمؤسسة منتدى أصيلة ومقرا لعقد المؤتمرات والملتقيات الدولية التي تحتضن المفكرين والأدباء والشعراء من مختلف أقطار العالم خلال أشغال جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في إطار فعاليات الموسم الثقافي.
قصر الخضر غيلان:
وهو عبارة عن قصر بني وفق النمط الأندلسي المغربي خلال القرن السابع عشر وقد قام ببنائه أمير أصيلة المجاهد أحمد الخضر غيلان عقب استيلائه على المدينة أوائل القرن السابع عشر ويقع القصر مقابل المسجد الجامع بمنطقة القصبة.
ضريح الشيخ أحمد المنصور:
ويعد هذا الضريح من أهم المزارات الدينية في المدينة حيث أنشئ على قبر المجاهد الذي يشاع أنه قاد معركة فتح أصيلة سنة 1550.
الميناء
يقع ميناء مدينة أصيلة في وسط المدينة ولا يبعد سوى 40 كيلومترا عن ميناء طنجة و 30 كيلومترا عن ميناء مدينة العرائش. ويتكون الميناء من ميناء للصيد البحري ومارينا للترفية مخصصة لاستقبال اليخوت السياحية.
وكانت المدينة قديما تتوفر على ميناء تجاري ضخم تقصده السفن من كل موانئ البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. لكن معظمه تدمر خلال القصف النمساوي سنة 1829.
المدينة العتيقة.. ملتقى الفن والأناقة
تعتبر المدينة العتيقة لمدينة أصيلة فضاءً ساحرا تجذب السياح بدروبها الضيقة وأزقتها الأنيقة وبمنازلها المتشحة بالبياض والزرقة في تراصٍّ جميل، وأبوابها ونوافذها المتلفعّة بزرقة مُشعة واخضرار براق، وبجدارياتها المُزينة برسوم فنانين تشكيليين من مختلف المدارس والأجيال، وبالأسوار المحيطة بها التي يعود تاريخها إلى عهد البرتغاليين.
ويمكن للسائح المغربي والأجنبي الدخول إلى أحياء المدينة العتيقة عبر ثلاثة أبواب هي باب القصبة، وباب البحر، وباب الحومر، وتوجد بداخلها قيسارية لمنتجات الصناعة التقليدية، وساحة «القمرة» التي تقام بها سهرات الهواء الطلق خلال الموسم الثقافي للمدينة، وساحة أخرى تشرف على البحر يسميها الأهالي ساحة «الطيقان» تؤدي إلى بُريْج «القريقية» الشهير الذي يطل على المحيط، والذي يمكن من خلاله الاستمتاع بغروب الشمس ومشاهدة ميناء المدينة وإلقاء نظرة على ضريح سيدي أحمد المنصور أحد المجاهدين الذين تصدوا إلى الاحتلال البرتغالـي.
وتتميز أحياء المدينة القديمة بنظافتها الفائقة وبالتنافس الكبير بين سكانها في تزيين واجهات بيوتهم بالأغراس والنباتات.
شواطئ ذهبية وحدائق بأسماء المشاهير بأصيلة
تمتاز أصيلة بشواطئها التى تتلألأ رمالها الذهبية على الأجسام السمراء للمصطافين من المغاربة والسياح إذ يتوافد مئات الالاف من المصطافين سنوياً على شواطئ هذه المدينة الجميلة.
وتشتهر أصيلة بشواطئ طويلة من الرمال الناعمة، سواء تلك القريبة من مركز المدينة، أو شاطئ الرميلات الذي يزوره السياح للاستمتاع بأقنعة الصلصال الأخضر المفيدة لبشرة الوجه، إذ يتوفر هذا الشاطئ على كميات هامة من هذه المادة الطبيعية، وغير بعيد عنه يوجد أحد أهم المنتجعات السياحية بالمدينة “مارينا غولف” وشاطئ “سيدي امغايت” الذي يقع على بعد أربع كيلومترات من المدينة، جهة مدينة العرائش.
وتظل النزهات بمحاذاة شاطئ البحر أفضل ما يمكن القيام به، حيث تقدم المطاعم الكثيرة المتواجدة هناك أطباق أسماك ذات جودة نادرة، ويعرف شارع مولاي الحسن بلمهدي حركة غير عادية كل مساء، اذ يقصده الزوار للتجول تحت سواد ليل أصيلة الدافئ.
كما أن المدينة خلدت أسماء زوارها ومريديها من الشعراء الكبار بإنشاء حدائق تحمل اسم هؤلاء الشعراء ويتعلق الأمر بحدائق: بلند الحيدري تخليدا لاسم الشاعر العراقي بلند الحيدري، وتشكايا أوتامسي تخليدا لاسم الشاعر الكونگولي تشكايا أوتامسي، والطيب صالح تخليدا لذكرى الروائي السوداني الطيب صالح، ومحمود درويش تخليدا لذكرى الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومحمد عابد الجابري تخليدا لذكرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري، وأحمد عبد السلام البقالي تخليدا لذكرى الشاعر المغربي ابن أصيلة أحمد عبد السلام البقالي، وحديقة محمد عزيز الحبابي تخليدا لذكرى الشاعر والأديب المغربي محمد عزيز الحبابي.
مهرجان موسم أصيلة الدولي.. يحول المدينة إلى معرض فني وثقافي وسياحي كبير
يعد مهرجان موسم أصيلة الدولي من أهم أشكال الجذب السياحي بالميدنة حيث يعم جميع المجالات كالأدب والموسيقى وفنون الرسم والنحت.
وتتحول المدينة خلال هذا المهرجان الذي يستمر على مدى أسبوعين انطلاقا من السابع من شهر غشت، إلى معرض فني مفتوح يستقطب الزوار والمبدعين والأدباء من شتى أنحاء العالم، كما تستضيف خلال كل موسم دولة كضيف شرف وتشارك هذه الدولة بمبدعيها وفنانيها في كل المجالات التي يعرفها المهرجان.
ويشرف على هذا المهرجان مؤسسة منتدى أصيلة والجامعة الصيفية: المعتمد بن عباد، وبعد نهاية المهرجان تظل المدينة متحفا مفتوحا لعرض أجمل الجداريات والمنحوتات المنشأة خلال الدورة الماضية وذلك لعام كامل وحتى الدورة المقبلة للمهرجان لتسر نظر الزائرين من السياح.
مشاريع التأهيل السياحي لأصيلة
باتت مدينة أصيلة محطة اهتمام المسؤولين على الشأن المحلي في السنوات الأخيرة لتأهيل المشاريع السياحية، حيث تمت المصادقة مؤخرا على مستوى مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة على اتفاقية التثمين السياحي لمدينة أصيلة.
وخصص لمشروع التثمين السياحي استثمار قدر بـ10 ملايين درهم وفق برنامج يغطي سنتي 2024 – 2025، سينجز بشراكة بين وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني (3 ملايين درهم)، ومجلس الجهة (5 ملايين درهم)، وجماعة أصيلة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل (1 مليون لكل منهما).