وزير الدفاع الإسباني السابق في حوار حصري مع Rue20: الحل الوحيد لنزاع الصحراء هو الحكم الذاتي وحكومة سانشيز إتخذت القرار الصائب

زنقة 20. الرباط

 

رجل سياسة شجاع. سيد قراراته. رجل ثقة وكلمة. لا يحب الكرسي. لهذا طلب الإعفاء. مدافع شرس عن إسبانيا ومصالحها. عاشق للمغرب وأهله. جسر بين الضفتين.

إنه خوسي بونو مارتنيث، وزير الدفاع الإسباني سابقا وقيادي بارز في الحزب الاشتراكي الإسباني. تقلد منصب وزير الدفاع ما بين 2004 و2006. يعتبر من الوزراء الإسبان القلائل الذين طلبوا الإعفاء وهو في أوج العطاء الوزاري. زاهد في السلطة.

وتقلد كذلك منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي في جهة قشتالة-لامانتشا ما بين 1988 و1990. كما ترأس نفس الجهة في 6 ولايات ما بين 1983 و 2004.

في هذا الحوار مع جريدة  Rue20 في نسختها الإسبانية يؤكد أن الأصل في الحكومات الإسبانية هو التفاهم والتعاون مع المغرب، وهو الأمر الذي كرسته حكومة ثاباتيرو وهو ما حذا حذوه بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية حاليا.

يعتبر أن الحكم الذاتي هو الحل الأمثل والوحيد لنزاع الصحراء، وكل من يطرح غير ذلك فهو لا يفهم السياق الحالي. يرى أن إعلان الرباط يوم 7 أبريل 2022 بعد لقاء الملك محمد السادس وسانشيز في القصر الملكي بالرباط كان نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين.

في هذا الحوار يروي لنا بونو عن العلاقات المغربية-الإسبانية، قبل أن ينتقل إلى تحليل الوضع الراهن لهذه العلاقات الثنائية وقضية الصحراء

.

حاوره توفيق سليماني / الترجمة إلى العربية : محمد الشاربي

1- تقلدتم منصب وزير الدفاع داخل الحكومة الإسبانية بين عامي 2004 و 2006. لقد مر تقريبا 20 عاماً على هذا التاريخ. لقد مر 18 شهرا أيضا على المصالحة الكبرى واعتماد خارطة الطريق الإسبانية-المغربية الجديدة الموقعة في 7 أبريل 2022. كيف تقيمون الوضع الحالي للعلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا؟

بصفتي مراقبا للأحداث الجارية واستنادا إلى المعطيات الموضوعية المتاحة لي، أستطيع أن أقول لكم إن العلاقات الثنائية الإسبانية-المغربية تعيش اليوم أفضل اللحظات منذ عقود.

وكان الدافع القوي الذي أبداه صاحب الجلالة الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، خلال لقائهما يوم 7 أبريل 2022، عنصرا أساسيا، ونقطة تحول أفادت بشكل كبير أجواء العلاقات الثنائية. ومنذ ذلك الحين، عمل كل من الوزير المغربي ناصر بوريطة والوزير الإسباني خوسي مانويل ألباريس برزانة وفعالية على الارتقاء بالعلاقات بين إسبانيا والمغرب إلى أعلى مستوى. هذه هي الحقيقة.

2- هناك من يقول إن كل شيء بدأ في عهد حكومة الرئيس خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو. وهذا يعني أن الرئيس بيدروسانشيز سار على خطى حكومتكم. لقد تم تحضير قرار دعم مخطط الحكم الذاتي للصحراء على نار هادئة. هل تتفقون مع هذه الفرضية؟

في عهد حكومة ثاباتيرو حدث تقدم لا يمكن إنكاره في الاتجاه الصحيح. يتعين على جارتين مثل إسبانيا والمغرب أن تعملا على تعزيز الصداقة بدلاً من المواجهة. يجب أن نشير إلى أن حكومة أثنار (Aznar) أثارت التوتر بين البلدين: وحادثة جزيرة ليلى هي مثال على رد الفعل المبالغ فيه. تذكر أن ذلك الحدث عرف مشاركة عدة وحدات عسكرية ومروحيات وطائرات وسفن بحرية…

كنت وزيرا للدفاع في حكومة ثاباتيرو وكانت الرغبة في التفاهم مع المغرب هي القاعدة التي فرضناها على أنفسنا. وأذكر أنه في 15 يوليو 2004، استقبلني صاحب الجلالة الملك محمد السادس بطنجة، واقترحت عليه، باسمإسبانيا، مهمة سلام مشتركة في هايتي (MINUSTAH). وهكذا، ولأول مرة في التاريخ، شارك جنود مغاربة وإسبان في بعثة مشتركة للأمم المتحدة. لقد أثبت 200 جندي إسباني ومغربي أننا نعرف كيف ننتقل “من مرحلة المواجهة القاسية والشكوك” إلى مرحلة أخرى من “الثقة المتبادلة” بين البلدين.

وفيما يتعلق بقرار حكومة بيدرو سانشيز بدعم مخطط الحكم الذاتي للصحراء، يجب أن أقول لكم إنه يبدو قرارا صائبا جدا بالنسبة لي. وينبغي مضاعفة الدعم لهذه المبادرة، التي تعتبر “جدية وذات مصداقية” كما يعرفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نفسه كل عام منذ عام 2007. لقد سئم الصحراويون بالفعل من حالة الركود التي يعيشونها ويستحقون حلولا لمعاناتهم.  

من الضروري إنهاء نزاع الصحراء ومعاناة الساكنة. وكفى من استخدام الصحراويين كذريعة لإنكار الواقع، والحقيقة هي أن المجتمع الدولي يعتبر المغرب كبلد عربي ومسلم مستقر له حكومات تفرزها صناديق الاقتراع. قدم المغرب عرضا جديا للمنطقة، مبادرة الحكم الذاتي. وكان النهج الأولي للأطراف هو ما يلي: يريد المغرب أن تكون الصحراء جزءا من ترابه الوطني مثل باقي أقاليمه، ويريد أن تكون مدينتي العيون أو الداخلة مثل فاس أو طنجة.

جبهة البوليساريو تريد إنشاء دولة مستقلة. الحل هو إقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي. لقد كنت رئيساً لأحد الأقاليم التي تتمتع بالحكم الذاتي (في إسبانيا) لمدة 21 عاماً، وأعلم أن الحكم الذاتي يوفر قوة عظيمة لهذا النوع من الحكم. فالصحراويون بحاجة إلى حلول أكثر من القرارات وعلى جبهة البوليساريو أن تجلس للتفاوض مع المغرب.

3- أكد كل من وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ونظيره الإسباني، خوسي مانويل ألباريس، قبل أسبوعين، أن العلاقات الإسبانية-المغربية تمر بأفضل لحظاتها. انسجام وتنسيق لم يسبق لهما مثيل منذ عقود. هل انتهت الأزمات الدورية بشكل تام أم أنه من الضروري مواصلة العمل بذكاء لحل الملفات الحساسة؟

في العلاقات بين البلدين المتجاورين ستكون هناك دائما مشاكل. ولكن الشيء المهم هو تعزيز الاحترام المتبادل وحسن الجوار والثقة والتعاون. وإذا تم الحفاظ على هذه القيم، فيمكن التغلب آنذاك على الصعوبات.

لم تعد إسبانيا والمغرب ينظران إلى بعضهما البعض بعين الشك أو عدم الثقة. إن المناخ الحالي هو مناخ صداقة وهذا المناخ يصب في صالح مواطني البلدين. إن تعلم الصداقة هو شيء حضاري وتضامني وحداثي جدا، على عكس الخوض في ما فرقنا وجعلنا نواجه بعضنا البعض في الماضي. ومن يسعى للمواجهة بين بلدينا عليه أن يذهب إلى طبيب نفسي أو إلى المدرسة (ليتعلم من جديد).

الجغرافيا تجعلنا جميعًا، الذين نعيش في شبه الجزيرة الأيبيرية وشمال إفريقيا، جيرانًا وإخوة. نحن نشكل منطقتين جغرافيتين في تبادلات مستمرة منذ العصر الحجري القديم. زمن العصا (أو السياط) والقلاع والتهديدات يجب ألا يتكرر.

هناك عدد متزايد من الإسبان يدركون التقدم الذي أحدثه عهد محمد السادس، حيث عزز مجموعة من الإصلاحات التي غيرت واقع المغرب، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. إن المغرب اليوم بلد أكثر انفتاحا وديمقراطية، رغم أنه لا يسلم من بعض التناقضات والمشاكل، كما يحدث في كل مجتمع إنساني.

4- بعد الاعتراف التام للولايات المتحدة بمغربية الصحراء والدعم الإسباني الكامل لمخطط الحكم الذاتي، هل يمكن القول إنها نهاية البوليساريو والنزعة الانفصالية؟

أتحدث معكم دون أي عقدة. أثناء الحكم الديكتاتوري لفرانكو ارتديت رداء المحامي للدفاع عن قادة البوليساريو في محاكم فرانكو. واليوم بنفس الحزم وبقناعة كبيرة، أدافع عن الصحراويين الذين لا يستحقون كل هذه السنوات من المعاناة. إنهم يحتاجون إلى حلول أكثر من القرارات. يجب على الصحراويين أن يفهموا ما هو ممكن وما هو مستحيل، لقد تغير العالم كثيراً منذ قرار الأمم المتحدة.

يتعين على المغرب وجبهة البوليساريو الجلوس للتفاوض حول مخطط الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب، وعلى إسبانيا، التي تتمتع بخبرتها الكبيرة في مجال الحكم الذاتي الديمقراطي، أن تقدم دعمها الكامل في هذه القضية.

ولا يبدو ممكنا وجود دولة أخرى في المنطقة. إن التكرار اليومي لضرورة إجراء استفتاء لتقرير المصير هو أمر ينقص من مصداقية أولئك الذين يتصرفون بهذه الطريقة، علما أنه لا يُسمح حتى بإجراء إحصاء لللاجئين في تندوف.

5- إن عدم الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء الكبرى يثير قلق المغرب والغرب على حد سواء. النظام العالمي الجيوسياسيالجديد غير واضح بشكل جيد. اليوم تسود الفوضى في جميع أنحاء العالم. فهل يمكن أن نطمح إلى تحالف عسكري بين المغرب وإسبانيا للتغلب على أحكام الماضي وتحديات وتهديدات الحاضر؟

يعتبر التعاون مثاليا بين البلدين في مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة. إضافة إلى التجربة الجيدة جدًا في بعثة السلام العسكرية التي قمنا بها معًا، كما ذكرت من قبل. كل هذا يمنحنا آمالًا كبيرة للغاية في توسيع هذا التعاون ليشمل مجالات أخرى. إن الجغرافيا أكثر عناداً من السياسة: فالمغرب وإسبانيا كانا جارين منذ آلاف السنين وسنبقى كذلك في المستقبل. إن البحث عن التفاهم أمر ذكي، أما إثارة الصراع فهر أمر أخرق.

6- العلاقات التجارية والاقتصادية والمقاولاتية سجلت أرقاما قياسية ومن المتوقع أن يتم تحطيم رقما قياسيا جديدا خلال هذا العام (2023). كيف تفسرون كل هذا؟

عندما يكون المناخ السياسي بين البلدين جيداً، يشعر رجال الأعمال بالثقة. والثقة هي عنصر حاسم في ممارسة الأعمال التجارية. العديد من رجال الأعمال الإسبان لا يعرفون المغرب، وعندما يدركون مدى قرب هذا البلد، ومستوى التنمية الذي يعرفه المغرب والفرص التجارية التي يوفرها، فإنهم لا يترددون في القيام بهذه الخطوة (الاستثمار والتعامل مع المغرب).

7- التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 يدعونا لمزيد من التعاون والتشارك والتنسيق. هل تعتقد أن كأس العالم سيخلق “شبكة مصالح” جديدة لحماية العلاقات الثنائية من التقلبات السياسية والدبلوماسية؟

لقد كان قرارًا مهمًا إسناد تنظيم كأس العالم 2030 إلى إسبانيا والمغرب والبرتغال. بدون أدنى شك، ستكون نسخة رائعة جدا. خلال كأس العالم الذي تم تنظيمه في قطر، أتيحت لي الفرصة لمشاهدة بعض مباريات المنتخب المغربي من طنجة، ورأيت بأم عيني الإثارة التي عاشتها جميع مناطق المغرب. بلدكم يستحق تنظيم كأس العالم.

والآن سيعطي هذا التنظيم المشترك بلا شك دفعة كبيرة للتعاون والتشارك بين البلدين. وأنا مقتنع بأنه سيحقق نجاحا كبيرا.

8- اليمين المتطرف لا يتوقف عن استخدام المغرب في معارك داخلية وخارجية. حزب “فوكس” (Vox)  يهاجم المغرب باستمرار. هل يعرف الإسبان أهمية المغرب في منطقة مضطربة؟ هل يدركوا أهمية المغاربة في ازدهار إسبانيا؟

ربما يجهل المتطرفون الإسبان في حزب “فوكس” أن الربيع العربي دفع بعض الحكومات في المنطقة إلى استدعاء الجيش ضد شعبها. بينما في المغرب تمت الدعوة لإجراء انتخابات. المتطرفون لا يقدرون جهود ملك ودولة تمكنا من تجاوز «سنوات الرصاص».

إسبانيا هي الزبون الأول للمغرب، والمورد الأول له والمستثمر الثالث. من بين 22 دولة في جامعة الدول العربية، تمتلك إسبانيا أفضل جار ممكن. إن المجتمع الدولي ينظر إلى المغرب كبلد عربي وإسلامي مستقر، له حكومات منبثقة من خلال صناديق الاقتراع.

خلال 24 سنة من حكم محمد السادس، قاد الحكومات في المغرب: الاشتراكيون لولاية واحدة، وحزب “الاستقلال” (اليمين) لولاية واحدة، والإسلاميون المعتدلون لولايتين، واليوم يقود الحكومة حزب (يمين الوسط). هذا التناوب في الحكم، بفضل الانتخابات والاستقرار، لا يوجد في أي بلد عربي آخر.

من خلال تجربتي كرئيس للمخابرات الإسبانية حينما كنت وزيرا للدفاع، أستطيع التأكيد على أن المساعدة التي قدمها المغرب لإسبانيا في مكافحة الإرهاب كانت جد مهمة وأن مساعدة الشرطة والمخابرات المغربية قد حالت دون حدوث هجمات إرهابية جد خطيرة في إسبانيا. هذه هي الحقيقة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد