الدولة و الحكومة، و نصاب السلطة في الدستور !

بقلم : د. امحمد لقماني

عبارة ” نحن نمثل الدولة” التي نطق بها السيد عبد اللطيف وهبي، سواء كانت بقصد أم بدونه، بحسن نية ام بدونها، بخلفية سياسية ام بدونها، فهي حمالة تفسيرات و تفتح الباب للنقاش حول حمولتها السياسية و أساسها الدستوري.

فهل، فعلا، كان السيد وهبي يقصد ما يقول؟ و هل قال ذلك بصفته رئيسا للحزب ام بصفته الوزارية ام بصفته صاحب تفويض من طرف رئيس الحكومة ؟ و هل هناك فعلا توافق بين الأحزاب الحكومية الثلاث حول ادعاء تمثيلية الدولة كما تم التعبير عنه في سياقه المعروف ؟

المشكل، فيما أرى، يتعلق بسوء الفهم حول نصاب السلطة في الدستور، أي الالتباس في الحدود الفاصلة بين مساحات السلط و مجالات التدخل لكل سلطة و حدود مسؤولياتها في تدبير أمور الدولة.

و في هذا الصدد لابأس من إثارة بعض الملاحظات حول الواقعة المؤسسة لهذا النقاش :

– اولا، تصريح السيد وهبي كان أثناء الندوة الصحفية التي اعقبت اجتماع الاغلبية النيابية الداعمة للحكومة، أي أنه تم داخل اجتماع حزبي و لم يكن أثناء انعقاد المجلس الحكومي لمؤسسة الحكومة.

-ثانيا، الحكومة نفسها لا تملك حق احتكار تمثيلية الدولة، لأنها جزء فقط من الهيكل المؤسساتي للدولة.

و هذه الأخيرة( أي الدولة) هي مكونة بالتعريف من ثالوث الأرض و الشعب و السلطة العمومية بكل فروعها.

-ثالثا، أكثر من ذلك، الحكومة تمثل جزء من السلطة التنفيذية التي تتقاسمها مع الملك، بصفته رئيسا للدولة، داخل المجلس الوزاري، و ذلك بموجب الدستور.

رابعا، نصاب السلطة داخل الدستور مُوزع بين المؤسسات الثلاث: التشريعية و التنفيذية و القضائية. و لكل سلطة مسؤولياتها و مجال اشتغالها و حدودها الدستورية.

خامسا، و هذا هو الأهم، أن الناطق الرسمي باسم الدولة هو الملك، ما عدا في حالة تفويض هذا الحق بشكل رسمي و في حالات و مجالات محددة.

لنلاحظ مثلا أنه في السياسة الخارجية حين يعبر وزير الخارجية عن موقف الدولة من قضية معينة، فهو دائم الإحالة على الملك بصفته رئيسا للدولة و صاحب المجال المحفوظ في السياسة الخارجية.

أما حين يتعلق الأمر بمجال السياسات العمومية، فإن رئيس الحكومة ( أو حتى أعضاء الحكومة ) هنا له الحق في النطق باسم الحكومة و ليس باسم الدولة بما يجنبه تنازع الاختصاص أو تجاوز حدود صلاحياته الدستورية.

باختصار، من واجب أي مسؤول سياسي الحرص على احترام الحدود الفاصلة بين مجال السلطة و مجال الدولة، و عدم التماهي أو التلفيق بينهما. نصاب الأول في السياسة، فيما نصاب الثاني في السيادة. داخل مجال السياسة التنافس حول السلطة فعل مشروع.

أما داخل مجال السيادة فحيازة الدولة أمر محضور و يمنع تجنيد مؤسساتها في المنازعات السياسية. السلطة هي حقل التنافس بين البرامج و السياسات، أما الدولة فهي مجال البنى و المؤسسات، و يقع حولها الإجماع و كبرى التوافقات.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد