زنقة 20. طنجة / توفيق سليماني
كان ضيف الشرف. كان الضيف البارز الذي ينظر إليه الجميع من أجل نظرة، صورة أو فكرة. إنه الشاعر والمفكر العالمي، أدونيس، في مدينة طنجة، مدينة البحرين، بتعبير الناقد نجيب العوفي. الكل كان ينتظر أدونيس متكلما بعد أن كان على طول يومين مستمعا. وعندما تكلم طرح افكارا عميقة، بعضها لا جواب عليه حاليا، وأدونيس نفسه ليس لديه جواب. مع ذلك تبقى أفكار المفكر جوابا في حد ذاتها، تعبيرا عن قلق وحزن ومأساة في عالم عربي فقد البوصلة.
في جلسة اختتامية تحت عنوان “أدونيس في مفترق قرنين”، حاول الناقد نجيب العوفي استفزاز عبقرية أدونيس لعله يحصل على جواب مانع شامل، لكن كلما تكلم أدونيس وازدادت الاسئلة. وهي الاسئلة التي كانت شاهدة عليها جدران المركز الثقافي احمد بوكماخ بطنجة مساء اليوم الأحد، في اطار معرض الكتاب “مهرجان ثويزا” الذي انطلق يوم أول أمس الخميس 6 يوليوز الى يوم الاحد 9 يوليوز 2023.
يعتقد أدونيس أن بيروت المدينة الحلم في خمسينات الى سبعينات القرن الماضي تعيش مأساة كبيرة اليوم، وهي مأساة العالم العربي أيضا. ويشرح أنه اذا درسنا القرن الحالي ووضعناه على الطاولة، منذ سقوط الدولة العثمانية، سنجد أن محمد علي الذي بدأ القرن كان افضل بكثير من الأنظمة العربية الراهنة التي تنهي القرن. كيف حدث ذلك. يسأل أدونيس.
ويستمر أدونيس في السؤال. كيف حدث ان العالم العربي، في عز الانقلابات المعرفية في القرن الواحد والعشرين بدل أن يتقدم كما فعلت كل بلدان العالم التي تقدمت من حسن إلى أحسن او من السيء الى الاقل سوءا، إلا العرب فتخلفوا في 100 سنة على جميع الاصعدة. مرة أخرى يهتدي أدونيس إلى أنه لا يعرف كيف يجيب عن هذا السؤال الذي هو “مشكلة حية نعيشها يوميا”، على حد قوله.
بل أكثر من ذلك، يبدو أن العالم العربي لم يحافظ على البذور الأولى التي كان من الممكن ان تساعده في الانعتاق من التخلف الذي سقط فيه بسبب غياب الفكر والحس النقدي. وكأن العقل حجب. فحتى البذور العلمية والانفتاح على مفهوم جديد للدين والتي سميت بعصر النهضة طمست وانتعش ما هو عنوانه التراجع والتخلف، يقول أدونيس، قبل ان يسترسل: “نحن لسنا في أزمة ثقافية وفكرية، بل في أزمة وجود”.
وفي إطار انتقاده لغياب النقد والفكر، يرفض أدونيس الفصل بين الفكر والشعر. بل يدافع عن فكرة أن لا شعر بدون فكر. فالشعر بدون فكر لا يستقيم.
دخول الفكر على خط الشعر لا يضعفه.”لم أقرأ في النقد الاوروبي وغير الأوروبي من يطرح مشكل الشعر في علاقته بالفكر، إلا عند العرب. ليس في التاريخ شاعر واحد إلا وهو مفكر كبير”، يحتج أدونيس بقلق.
يرى أدونيس أيضا أن النقد العربي الاسلامي عزل الفكر، وقال إن الشعر يجب أن يعبر فقط عن المشاعر. لكن ليست هناك مشاعر إذا لم تحمل فكرة. بل يزعم أن الاسلام هو أول من استخدم الشعر استخداما ايديولوجيا، لأنه أبيح بوصفه مدحا للدين او هجاء للاخرين، وكان في ذلك براغماتيا، وفق أدونيس.
“ليس هناك شاعر عربي، إلا وهو مفكر كبير من أمرؤ القيس الى ابي تمام الى المعري. لا يوجد شعر عظيم إلا اذا حمل فكرا عظيما”، يؤكد أدونيس.
في نفس السياق، لازال أدونيس متمسكا بما قاله عن افتقار المسلمين لمفكر قادر على التجديد. مليار ونصف مليار مسلم ليس فيهم مفكر واحد، يعيد التأكيد. “ليس هناك مفكر مسلم واحد في القرن الواحد والعشرين يقرأ الاسلام كما يقرأ يهودي التوراة او كما يقرأ مسيحي الإنجيل. في كل سنة يعود او يخرج شخص لقراءة التوراة او الاناجيل، ويقدم وجهة نظر حسب التطور المعرفي”، يستفسر أدونيس دون إن ينتظر جوابا.
أدونيس إنتهى الى أنه لا يعقل أن نكون في هذا العصر ونفكر كما يفكر الشافعي او كما يفكر البخاري. بهذا المعنى يقول أنه ليس في العالم الإسلامي مفكر واحد.