زنقة 20. طنجة / توفيق سليماني
سكان المغرب الأقدمون هم البربر أبناء مازيغ ،أتوا من اليمن والشام عن طريق الحبشة، كانوا يسكنون الكهوف ويلبسون الجلود..، هذا ما درسته أغلبية المغاربة في المقررات الدراسية، وهي الفرضية التي يؤمن بها جزء مهم من المغاربة.
مع ذلك هناك مغاربة يؤمنون أيضا بفرضية أن أصل المغاربة أمازيغي، أو على الأقل أن جزء كبير من البنية الجينية للمغاربة من أصول أمازيغية، بحكم أن الكل يعود على من يسكنون الأرض، وليس من نزلوا بها انطلاقا من الجنوب او الشمال او الشرق. وتبقى الفرضية الوسطية هي أن بلاد المغرب كانت قنطرة ومحطة عبور وبوابة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، بذلك يصعب الحديث عن الجينوم الغالب في التشكيلة السكانية، وعليه من الصعب أن يقول الواحد إنه أمازيغي، او عربي، او لتيني، او يهودي او فينيقي. أمام كل هذا الجدل يبقى طرح الشخصية المغربية الأقرب للتعبير عن المغربي.
وهي الأشكالية التي حاولت الاجابة عنها ندوة بعنوان “إضاءات حول تاريخ الامازيغ”، مساء يوم أول امس الجمعة، بالمركز الثقافي احمد بوكماخ بطنجة، في اطار معرض الكتاب “مهرجان ثويزا” الذي انطلق يوم أول أمس الخميس 6 يوليوز الى يوم الاحد 9 يوليوز 2023.
الندوة عرفت مشاركة الباحث والناشط الامازيغي أحمد عصيد، وامحمد جبرون، مؤرخ وأستاذ بجامعة تطوان، وعبد الخالق كلاب، استاذ جامعي بمراكش، والباحثة المغربية نضار الأندلسي، وتكلف بتسيير الندوة الاعلامي محمد علو.
أغلب المتدخلين أجمعوا على ضرورة اعادة كتابة تاريخ المغرب. “الذي يحدث هو ان ما نعرف عن تاريخنا هو رواية للخصوم او رواية تعتمد على ما كتبه الخصوم بحسن نية دون الاعتماد عل منهج تاريخي”، يقول الأستاذ كلاب.
كلاب تحدث بنوع من اليقين، بالانتصار إلى فرضية المغاربة كأمازيغ، مبرزا أن لا معنى ولا جدوى من هذا النقاش الذي يزعم أنه محسوم. “تاريخ الامازيغ محسوم، ولا يجب ان يطرح هذا السؤال، بناء على المناهج التاريخية والكرونولوجية، والانتروبولوجية، بل ما تم العثور عليه بجبل أغود خير دليل على ذلك، بحيث يعود ما وجد هناك الى 3500 سنة”، يبرز كلاب. بمعنى أن تاريخ الامازيغ بالمغرب يمتد إلى 3500 سنة.
ويشير كذلك إلى أن جزءا من الكتابات التاريخية تأثرت بالعداء لبعض القبائل الأمازيغية. فالروايات التي كتبت حول بورغواطة، مثلا، تأثرت بالعداء الايديولوجي بين أمويو الاندلس والشيعة، على حد استنتاج كلاب. وعليه يخلص إلى أننا “في حاجة الى اعادة كتابة تاريخ بلدنا”.
بدوره يرى محمد جبرون، مؤرخ وباحث في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، أن التفكير في الامازيغ والامازيغية يحتاج الى اسئلة وأجوبة جديدة. جبرون ينطلق من مرجعية تختلف كليا عن مرجعية كلاب، وتختلف كل الاختلاف عن نظرة أحمد عصيد لتاريخ المغرب. جبرون هو أقرب إلى التاريخ الرسمي دون أن يتماهى معه كليا. هذا المؤرخ يدافع عن جدية وصحة وموضوعية جزء من الكتابات التاريخية المغربية. يرى أنه من الاجحاف الاستهانة بكل ما كتبه المؤرخين المغاربة والعرب.
“الاطروحات الهوياتية والاصولية قد فشلت، ولم تعد جذابة”، يقول جبرون قبل أن يتساءل: هل يمكن أن ننقذ الخطاب الامازيغي من هذا المآل؟ هذه الكلمات أزعجت بعض الحضور، وهو الانزعاج الذي كان باديا على وجوه، وهو الانزعاج نفسه الذي بدا أيضا على جزء من الحضور الذي لم ترقه أفكار عصيد وكلاب.
“نحن في حاجة الى تجديد التفكير في الامازيغية. الامازيغ هم نسيج عرقي متنوع، يتشكل من فسيفساء. المغرب استقبل اجناس بشرية من أوروبا، والشام وافريقيا و…”، يقول جبرون.
بجهة أخرى، أوضح أحمد عصيد أن الندوة لها أهميتها وراهنيتها. “سؤال التاريخ من الاسئلة الكبرى المطروحة في بلادنا وفي الجوار”، قال متوجها للحضور. لكن ما الجدوى من الحفر في التاريخ، إذا كان المغرب يتجه إلى المستقبل، وما الفائدة من الخوض في نقاشات لا تنتهي إلى شيء؟ ويجيب عصيد: “نعود الى النبش في تاريخ البلد من اجل تقوية الحاضر”.
في نفس السياق، يظن عصيد أن المشكل يكمن هي الدولة الوطنية المركزية التي تقوم على خلق التجانس المطلق، واقصاء عناصر التنوع. الدولة المغربية الناشئة الحديثة بنيت كما بنيت الدولة الوطنية في اوربا، وفق تشخيص عصيد. ويعود ليذكر بالمشكل الأول، وهو أن الدولة انتصرت للرواية الموجودة في الايديولوجية العربية. “اليوم مازلنا نقاوم في المدارس مقررات تفتقد للموضوعية التاريخية”، في إشارة إلى المقررات المدرسية لا تعكس التوجهات الكبرى التي جاءت في الخطاب الملكي بأجدير، ولا تعكس كذلك مكانة الامازيغية في الدستور في زمن جعل فيه الملك رأس السنة الامازيغية يوم عطلة.
وعن سؤال من هم المغاربة، يقول عصيد إن شمال أفريقيا كان مسرحا للهجرات، ولكن الكثافة السكانية كانت تستوعب كل الهجرات. “يبدو ان الكتلة السكانية كانت كبيرة جدا، وكانت قادرة على تذويبهم جينيا”، مقتبسا الفكرة من شارل أندري جوليان الذي كان قد حاول الحفر في تاريخ إفريقيا الشمالية.
انتهت الندوة ولم ينتهي معها النقاش حول تاريخ الأمازيغ. وقف الحاضرون، وتوجهوا إلى ركن في المركز، واجتمعوا حول مائدة شاي وحلويات، لا أحد اهتم بعرقه أو أي شيء آخر، إنها الشخصية المغربية الجامعة للجميع مع الحفاظ على الخصوصيات كل مناطق المملكة المغربية. و”ثويزا”، باعتبارها عملا جماعيا تضامنيا، تعكس أيضا جزءا من الشخصية المغربية.