زنقة 20. طنجة/ توفيق سليماني
اذا كانت الايديولوجيات تفرق بين الناس، فإن الحب يوحدهم ويجمع بينهم بخيوطه المتشابكة كما يقول الشاعر والموسيقي الغواتيمالتيكي، ريكادرو ارخونا، في أغنية له تحت عنوان “هي وهو”. كذلك يمكن للثقافة والشعر والآداب ان يوحدوا بين الشعوب، والدول والجيران. فالكلمة الصادقة، والفن الصادق، والرواية الصادقة، والشعر الصادق، سرعان ما يعبرون الحدود.
ما قاله ريكاردو ارخونا لا يختلف عن ما خلصت اليه الكاتبة والشاعرة الجزائرية، ربيعة جلطي، في جلسة صباحية تحت عنوان “جدوى الكتابة”، بالمركز الثقافي احمد بوكماخ بطنجة اليوم السبت، في اطار معرض الكتاب “مهرجان ثويزا” الذي انطلق يوم أول أمس الخميس 6 يوليوز الى يوم الاحد 9 يوليوز 2023.
ربيعة جلطي تعتبر عن وحدة الشعوب المغاربية، بل أكثر من ذلك تبرهن من خلال مداخلتها أن ما يجمع المغرب والجزائر اكثر بكثير مما يفرق بينهم، إن كان اصلا هناك ما يفرقهم. ما فرقته السياسة ربما تساعد الثقافة على توحيده ولم الشمل. ” أنا في طنجة، وهي مدينة عالية حقا. المغربي ليس غريبا عني. مجموعة من أعمالي القصصية نشرت بالمغرب. لي صولات وجولات شعرية وفكرية وادبية بالمغرب. وجودي هنا لا يختلف عن شخص يذهب من غرفة الى اخرى في بيته”، تقر ربيعة في اشارة الى تنقلها من الجزائر الذي تعيش فيها والمغرب العزيز على قلبها.
“هذا فعل ثوري أتيت من الجزائر وانا في المغرب. كنت قبل شهر في تونس. زرت ليبيا. لكن الكاتب مهمته الأولى هي الكتابة”، هكذا ردت ربيعة على سؤال بخصوص مدى إمكانية انخراط المثقفين في تقريب وجهات النظر بين الدول والحكام، خاصة بين المغرب والجزائر اللذان ساءت العلاقة بينهما في السنوات الأخيرة، حيث بلغت حدة التوتر مستويات مقلقة.
في مداخلتها الافتتاحية في اطار مائدة مستديرة حول “جدوى الكتابة”، ترى جلطي أن “الكتابة تختلف لدى هذا الجيل عن كتابة جيلنا والجيل الذي سبقنا. الادب الحالي هو انتقالي بامتياز، الادب الالكتروني”. مع ذلك ترفض الاستسلام، مبرزة انها لن تشيخ ذهنيا ولا ابداعيا، وستستمر في تأملها لهذا العالم.
كاتبة تحاول أن تنفلت دائما من عصرها الى العصر الموالي. أي انها تحاول الصمود، وتجديد نفسها مع الحفاظ على جوهر اسلوبها الذي لا ترغب في تضعييه مهما كثرت المغريات والتحديات. ويكمن السر في راهنية ما تكتبه وتنوعه وتعدديته وثارئه والى تعطشها للتعلم والتأمل والرصد. “عندما تذهب الى بلد لا تذهب كمسافر بل ككاتب وفنان حقيقي”، تبوح جلطي.
كانت هذه الكاتبة تنبأت سنة 2009 بمآل العالم العربي في رواية لها تحت عنوان “الذروة”، وهو عمل ترجم مؤخرا الى الفرنسية. تقول إنها ليست منجمة، بل رصدت ما يعتمل في الجسد العربي، وهو الشيء الذي انفجر مع الربيع العربي. “ليس تنبؤات، بل تأملات. لا يمكن أن اذهب الى كاراكاس دون ان ارى متحفها ومكتبتها الكبرى. هذه الاشياء تجعلني أتأمل العالم. ليس نبوة بل تأملا عميقا يجعلها ترى بعمق وحب ما لا يراه الآخرون.
بالنسبة اليها الكتابة هي التئام الجروح. “يتمي وانا طفلةصغيرة جعلني انتبه الى الصمت والضجيج المتخفي وراء هذا الصمت. ابي يحب الكتابة والقراءة. كان استاذا ومترجما. كنت اسكن في وهران. هذا العالم في بيت به مكتبة هو الذي جعلني أرصد هذا الجرح. لم يلتئم الجرح المكسور في، ولن يلتئم”، تسر في إشارة إلى أن الكتابة تبقى هي المفر.
بدوره وقبل ان ينافش جدوى الكتابة، تطرق الشاعر المغربي مخلص الصغير الى فكرة “تويزا”، كلمة أمازيغية تعني التضامن في اطار العمل الجماعي” تويزا تدعونا اليوم الى اهمية الاشتغال بشكل جماعي والتفكير بشكل جماعي
في أمة لم تجتمع بعد لا على ظلال ولا جمال. تويزا حلم جماعي لا يقبل التمييز. تويزا تعلم الانسان ان يعيش كريما او ان يموت عزيزا. نحن في حاجة الى ان نتكلم معا بصوت عميق وهديء”، يقول الصغير.
يتساءل الصغير عن جدوى الكتابة في زمن الذكاء الاصطناعي. ويتساءل: هل هي كتابة يكتبها الذكاء الاصطناع، او كتابة نكتبها تقاوم الذكاء الاصطناعي؟. ويضيف هل هناك جدوى للكتابة غير الكتابة ذاتها.
وبخصوص جلطي يقول مخلص الصغير إنها كاتبة حافظت على نسق منتظم في الابداع من السبعينيات إلى اليوم، بأعمال مثل “ترتيب العدم”، و “الذروة” التي كتبتها سنة 2009، حيث تنبأت بمآلات الربيع العربي.
أما الكاتب الشاب علي العبوتي، صاحب كتاب الكاتب المشرد، فيدافع أيضا عن صدق الكتابة. كما يظن ايضا أن اكبر خطر يمكن ان يرتكبه الكاتب هو ان يجيب عن سؤال ما جدوى الكتابة. هو مثل مصارعة سؤال لا إجابة عنه. سؤال قد تكون محاولة الاجابة عنه كابحا ورادعا للابداع.
ويضيف أن السؤال قد يكون سببا للقلق، ويجعل الواحد يشكك في ما يكتب. “اذا كانت الجدوى هي محاولة احداث تغيير في المجتمع، هل فعلا يستطيع الكاتب بما يكتبه ان يحدث تغييرا على مستوى المجتمع الذي ينبني على ثلاث مستويات؛ الاقتصادي الاجتماعي والسياسي.