“بنية سرية” لتقويض جهود ملك و مملكة
بقلم : محمد التويمي بنجلون / نائب برلماني
بنية سرية، الحزب السري، الدولة الموازية، المخزن، المغرب على حافة الانقلاب، مغرب بلا ربان، تقارير مؤسسات دولية فارغة من المضمون قبل الشرعية في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، بما يحمله مفهوم السيادة من قوة قانونية و سياسية…
هي عبارات اختيرت بعناية فائقة، واختير لها بشكل لا يدع مجالا للصدفة زمكان صدورها، و مدى الارتدادات التي يمكن أن تحدتها بالمحيط الإقليمي للمملكة المغربية ولدى شركائها، قبل تأثيرها على الوضع الداخلي وعلى مدى مناعة الصف الداخلي وانتظامه، انتظام “مؤطر” بالدستور “الوثيقة الأسمى” الذي تحتكم له المؤسسة الملكية في كل فعل أو تفاعل قبل جميع المؤسسات، “مؤطر” بشرعية العملية الانتخابية وسلاسة تداولها، بصرف النظر عن ميثاق غليظ يجمع شعبا وفيا بملكه رئيس الدولة ورمزها، من مستوى البيعة الشرعية،
فكيف نقرأ، من زاوية نظر مؤسساتية هذا التهافت غير المفهوم على المس بصورة جلالة الملك المؤسساتية و بمكانته الاعتبارية لدى أمة المغرب، إذا كان الهدف الواضح قبل الخفي هو تقويض جهود ملك و مملكة ؟
وكيف نتفاعل مؤسساتيا، في حدود الدور المتاح لنا كممثلي للأمة المغربية بمجلس النواب، المؤسسة المنوط بها الدود عن القانون بسن تشريعات تضمن الأمن القانوني للمغاربة، هؤلاء المغاربة الذين يتابعون بكل تقزز و اشمئزاز واستنكار محاولات المس بصورة رمز بلادهم و التآمر لفائدة تشويه صورته، من قبل جهات و مؤسسات و أشخاص جعلوا من أنفسهم أوصياء على المغاربة، واختاروا بفائق العناية لحملتهم المغرضة شعار: بنية سرية تحكم المغرب ؟
فمن يحكم المغرب فعليا؟
أعتبر أن أول المدخلات للجواب على عدد من الاستنتاجات الخارجة على الإطار العلمي و المنهجي أو السياسي من قبيل استنتاج أن “المغرب تحكمه بنية سرية”، الذي يحن أصحابه إلى زمن ولى إلى غير رجعة بالمغرب، هو مقاربة مكانة الدستور لدى المؤسسة الملكية،
أولا، على اعتبار أن المؤسسة الملكية هي المستهدفة رأسا بهذه الحملة المنسقة ثم اعتبارا إلى أنها سابقة لكل الدساتير التي عرفها المغرب منذ الوثيقة التأسيسة فالدستور الأول لسنة 1962، سابقة بشرعية تاريخية و دينية و اجتماعية، بل هي الداعية إلى دستور 2011 الذي نحن في ضله، في تفاعل مع مطالب الشعب المغربي و استشرافا للمستقبل،
وثانيا، معتبرين أن الوثيقة الدستورية بعد التصويت عليها من لدن الشعب المغربي و نفاذها غدت مؤطرة لأدوار كل مؤسسة .. مؤسسة و لحدود كل سلطة .. سلطة بشكل لا يدع مجالا لتدخل واحدة في الأخرى، و في مقدمتها المؤسسة الملكية التي أفرد لها الدستور باب كاملا وضح صلاحيات جلالته كرئيس للدولة و كأمير للمؤمنين و كضامن لاستقرار الأمة ووحدتها، وهي الوثيقة التي لم تدع مجالا للخلط بين ما لله و ما لقيصر بل أسست عمليا لبنية متراصة و متوازنة لكنها بنية علنية تحكم المغرب بالدستور و القانون و بشرعية الانتخابات المستمدة من الأمة المغربية كما أكدت ديباجة الدستور ” السيادة للأمة” أي للشعب الذي تحاول اليوم عدد من الجهات المعادية لوحدة المغرب و استقراره تقويض جهود ملكه و مملكته،
ثالثا، أن الدستور المغربي وهو الوثيقة التي احتكمت إليها المؤسسة الملكية عمليا لكسح ألغام السياسة ولفك الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية غير ما مرة.
ويمكننا أن نذكر من يحتاج للتذكير بعشرات المواقف الخاصة التي اختارت فيها المؤسسة الملكية الالتزام بالدستور وعدم الخروج على ما اختاره المغاربة محدد لحاضرهم و مستقبلهم،
المؤسسة الملكية تختار الدستور كاسحا لألغام السياسةّ
هل تحتاج بالفعل المؤسسة الملكية للدستور ليكسح ألغام السياسة بما تنتجه من أزمات عارضة ومن اضطرابات مجتمعية. من دون شك الذي يعرف المغرب يعرف مدى المصداقية التي تحوزها هذه المؤسسة في نفوس عموم مواطني الدولة، وفي الحد الأدنى منذ أزيد من 400 سنة على انتقال الحكم الى الأسرة العلوية الشريفة،
ودعونا نتباحث ما دمنا أفردنا هذا المقال لأصحاب النظرة السوداوية و الدواعي الأمنية او القبضة البوليسية على مفاصل الدولة، حول مدى قدرة المغرب/الدولة بعيدا عن كل شعبوية مقيتة على الاحتكام للدستور، لا للعرف و لا للتقاليد المرعية، قاعدة محددة و مؤطرة للعملية السياسية الوطنية برمتها، ودعونا كذلك نبحث في تفعيل هذه الوثيقة في الحياة السياسية كممارسة داخل النسق السياسي الوطني منذ نفاذها بعد الربيع العربي و احتجاجات حركة 20 فبراير إلى حدود كتابة هذا المقال،
وكيف يمكن للمتتبع الموضوعي لنفاذ هذه الوثيقة التي تسموا فوق كل المؤسسات و الأشخاص كيفما كان موقعهم او امتيازهم قادرا على هدم كل الأطروحات الفارغة من كل حجة وفي مقدمتها ادعاء أن بنية سرية من خارج الدستور و القانون تحكم المغرب.
وضع الدستور المغربي أمام أول محك واقعي مباشرة بعد نفاده من خلال انتخابات التشريعية الأولى بعد صدوره، وهو الدستور الذي ألزم الفصل 47 منه الجالس على العرش بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وهو الفصل الذي أنهى اختصاصا ملكيا حصريا باختيار رئيس الحكومة (الوزير الأول) من خارج الأحزاب المتنافسة، هكذا كانت انطلاقة دستور 2011 الذي اختار من خلاله جلاله الملك الحد من سلطاته اتجاه وثيقة ارتضاها عموم المغاربة، اختير السيد عبد الإله بنكيران لرئاسة الحكومة الأولى بعد الدستور الجديد، وبنفس المنهجية أعفي السيد بنكيران سنة 2016 بعد تصدر حزبه من جديد نتائج الانتخابات التشريعية من مهمة تشكيل الحكومة بعد عدم تمكنه من تحصيل توافق أغلبي لانطلاق مهامها،
فهل تجاوزت المؤسسة الملكية الفصل 47 من الدستور و قد سمح السياق السياسي بذلك، أليست القرارات السياسية وليدة سياقاتها، وهل استغلت المؤسسة الملكية الأزمة السياسية الحاصلة إبانه من خلال تعيين أمين عام من أحد الأحزاب التي تصدرت تلكم الانتخابات التشريعية، العكس تماما هو الذي وقع، ولم يلبث جلالته إلا وسارع بتعيين السيد سعد الذين العثماني باعتباره الرجل الثاني بحزب العدالة و التنمية آنذاك رئيسا للحكومة المغربية، انه الاحتكام قولا وفعلا لسمو الوثيقة الدستورية،
أما عن الاختصاصات الحصرية لجلالته، وفي مقدمتها السياسة الخارجية للمملكة فقد قرر جلالته إبان الأزمة الحاصلة سنة 2013 في ملف الصحراء المغربية المعروض على أنظار الأمم المتحدة، والسياق هو بروز محاولات شديدة الخطورة لتغيير صيغة بعثة المينورسو و جعلها مراقبا لوضعية حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية بما يمس السيادة الوطنية على التراب المغربي، لم يلبث جلالته إلا واتخذ قرارا حاسما ولافتا بصرف النظر عما خصه به الدستور من صلاحيات حصرية في مجال السياسة الخارجية، وهو الاجتماع بالأحزاب السياسية و النقابات و مختلف القوى الحية للتشاور حول الخطوات المقبلة في موضوع القضية الأولى للمغاربة قبل اتخاذ أي قرار حاسم، انه ترجمة للتفعيل الفعلي لمبادئ و منهجية الديمقراطية التشاركية كما نص عليها الدستور،
سنة 2017 اندلعت الاحتجاجات الاجتماعية بمدينة الحسيمة، غير أن أب الأمة لم يتأخر في التفاعل وهو الذي أعفى عددا من الوزراء في سياق تأخر انجاز عدد من المشاريع الهامة في حاضرة الحسيمة، ولم يكن ذلك من جديد إلا تفعيلا لنص الوثيقة الدستورية، وهو ما معناه، التفاعل مع ملتمس رئيس الحكومة القاضي بإعفاء عدد من أعضائها ،
وهنا ستتساءل أيها القارئ الكريم، لماذا اخترنا الوثيقة الدستورية لهدم أسطورة البنية السرية ؟
ببساطة لأن الملك محمد السادس هو الداعي الأول إلى العمل بنص الوثيقة الدستورية و إلى ضرورة استقلال عمل المؤسسات و إلى أهمية أن تتحمل الطبقة السياسية مسؤوليتها الكاملة و إلى مدى حاجة المملكة إلى التفعيل الكامل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة،
يقول جلالته في خطاب الذكرى 18 للجلوس على العرش: (وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدإ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب ان يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة.إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب.)
ويضيف صاحب الجلالة، جوابا على أصحاب المقاربة الأمنية: ( وذلك عكس ما يدعيه البعض من لجوء إلى ما يسمونه بالمقاربة الأمنية، وكأن المغرب فوق بركان، وأن كل بيت وكل مواطن له شرطي يراقبه، بل هناك من يقول بوجود تيار متشدد، وآخر معتدل، يختلفان بشأن طريقة التعامل مع هذه الأحداث. وهذا غير صحيح تماما، والحقيقة أن هناك توجها واحدا، والتزاما ثابتا، هو تطبيق القانون، واحترام المؤسسات، وضمان أمن المواطنين وصيانة ممتلكاتهم، ويعرف المغاربة بأن أصحاب هذه الأطروحة المتجاوزة يستغلونها كرصيد للاسترزاق، وكلامهم ليست له أي مصداقية، وكأن الأمن هو المسؤول عن تسيير البلاد، ويتحكم في الوزراء والمسؤولين، وهو أيضا الذي يحدد الأسعار، الخ… في حين أن رجال الأمن يقدمون تضحيات كبيرة، ويعملون ليلا ونهارا، وفي ظروف صعبة، من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره، داخليا وخارجيا، والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم، ومن حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم، وهنا أقولها بدون تردد أو مركب نقص : إذا كان بعض العدميين لا يريدون الاعتراف بذلك، أو يرفضون قول الحقيقة، فهذا مشكل يخصهم وحدهم.)،
بالفعل يخصهم وحدهم، وهل نحتاج من جديد للتذكير بأن عددا من المنظمات الدولية تعزف في وقت واحد نفس النغمة، انه العجب، فكيف يمكننا أن تحدث على دولة يغيب فيها القائد و الربان، لكنها تتحول في نفس الآن وسط سياق دولى متوجس الى قوة إقليمية فاعلة في محيطها، و إلى فاعل مركزي في قضايا السلم والأمن لدى عدد من دول المعمور،
هل نحتاج الى إعادة التذكير بأن قرار العودة إلى بيتنا بيت الاتحاد الإفريقي، كان فكرة قادها بجدارة صاحب الجلالة،
وهل نحتاج الى التذكير أيضا، أن أهم حدث تم سنة 2020 بالمملكة المغربية، سنة انطلاق الأزمة الصحية العالمية “كوفيد 19” هو تحمل جلالته المسؤولية المعنوية اتجاه عموم شعبه من خلال تلقي الجرعة الأولى من المصل المضاد لهذا الوباء الفتاك، وقد نجح حفظه الله اجتماعيا و اقتصاديا و امنيا في إخراج البلاد من هذه الأزمة المستفحلة،
سنة 2021، يعترف الفاعل الدولي الأول دولة الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة للمغرب على صحراءه، ودعونا نتسائل، هل استفاقت الإدارة الأمريكية و اتخذت قرار من هذا الحجم، فمن كان خلف القرار و من يتحمل المسؤولية في تدبير السياسة الخارجية للدولة وفقا لنص الوثيقة الدستورية، أليس صاحب الجلالة،
أما إبان سنتي 2022-2023، عادة اسبانيا إلى المسار الطبيعي و الصحيح الذي يجب أن يضطلع به شريك استراتيجي إذ اعتذرت الحكومة الاسبانية للمغرب عن الخطأ الجسيم الذي سبق ارتكابه واعترفت بشكل رسمي لأول مرة بمغربية الصحراء وهو انتقال حاسم من موقع الحياد السلبي إلى الوضوح في تدبير العلاقات الثنائية، بما يحمله ملف الصحراء المغربية من إرث تقيل تتحمل اسبانيا جزء من المسؤولية فيه وهي المستعمر السابق، مباشرة بعد ذلك لحقت ألمانيا بالركب واعترفت بمغربية الصحراء،
إنها المملكة المغربية الدولة الكاملة السيادة، التي يقودها بحنكة و اقتدار صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله و أيده، ولا جواب على احتدام سعار هؤلاء المتآمرين، إلا بما يقوم به جلالته من حث المؤسسات على تنفيذ مضامين الدستور و لا شيئ غيره، ومن الاستمرار في تنمية بلاده وخدمة شعبه الوفي.