زنقة 20. الرباط
شهد رواق دار افريقيا الشرق للطباعة والنشر بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط يوم الأحد:04 يونيو2023 توقيعالكاتب المغربي علي كرزازي لروايته الموسومة ب:”الحب والحدود” . تقع الرواية في مائة وثلاث وثمانين صفحة من الحجم المتوسط و تحكي عبر محطاتها الثلاثة، مسارات واقعية لشخصيات تنتمي لأُسَرٍ قُيِّضَ لها أن تعيش تجربة الشتات بين المغرب والجزائر.
في بداية الستينات من القرن الماضي خرجت الى الوجود إشكالية الحدود بين البلدين الجارين اللذين تواجها في حرب الرمال عام 1963 ليفتحا صفحة أولى في صراع محتدم سيستمر لعقود طويلة تغذيه الخلافات السياسية والعقد السيكولوجية والرغبة في تحقيق الزعامة.
في الجزء الأول من الرواية الموسوم ب:” لماذا سرقوا مني جدّتي ؟” يعود الرّاوي عبر آلية الاسترجاع واشتغال الذاكرة إلى مرحلة السبعينات التي تزامنت مع طفولته، كي يكشف عن الحرمان العاطفي والأزمة النفسية التي ألمّت به في أعقاب هجرة جدّته من قريته المتواجدة على الحدود المغربية الجزائرية إلى الجزائر كي تلتحق بعمّه وعماته الذين حطوا الرحال هناك في ستيناتالقرن الماضي.
ثمّ يعرض بعد ذلك لجملة من الأحداث التي كرست لديه ذلك الاحساس بالكراهية لشيء اسمه الحدود، بدءً من تداعيات حدث المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب لاسترجاع أقاليمه الجنوبية سنة 1975 ، والرد الجزائري عليها من خلال الكارثة الانسانية المتمثلة في طرد مئات الأسر المغربية .
وقد استحضرت الرواية تمثيلا لا حصرا، قصة أسرة مغربية / جزائرية تم تفكيكيها وتعريض أفرادها لأزمات نفسية واجتماعيةكبيرة جراء ذلك الطرد التعسفي. بعد ذلك عرض الرّاوي لمآسي حرب الصحراء التي خلّفت لدى أغلب أسر الشريط الحدودي انكسارات نفسية وأوجاع مريرة، عمّقت في نفس الطفل/ الرّاوي مشاعر الخوف ومقت كل ما يرمز للحدود خاصة بعد وفاة جدّته بعيدا عنه في الضفة المقابلة.
وبالرغم من الانفراج الذي حدث في العلاقة بين المغرب والجزائر والذي توّج بفتح الحدود ولقاء الرّاوي- الذي أصبح شابا يافعا- مع عمه وأهله، فإنه ظلّ حتى وقد أصبح شابا يافعا، يحمل في نفسه مسحة حزن دفين على فراق جدّته التي لم ينعم بصحبتها مثل كل الأطفال. وهو ما تكرّس أكثر فأكثر بعد غلق الحدود مجددا سنة 1994 لتعود أجواء الغياب والفرقة لتقض مضجعهخصوصا بعد فاجعة موت عمّه الذي لم يلتقه في حياته سوى ثلاث مرات على فترات متباعدة.
في الجزء الثاني المعنون ب” عبد الرحمن… المُقيم بين ذاكرتين “، يواصل الرّاوي الكشف عن أوجه الصراع بين الحدود والحب، من خلال الحديث عن مرحلة دراسته الجامعية بمدينة مكناس نهاية الثمانينات، هناك سيلتقي بصديقه المغربي ” عبد الرحمن ” الذي يشترك معه في الانتماء لنفس القبيلة المستقرة بالقرية الحدودية ” عين الشواطر“، وهو الآخر عانى من مكابدة نفس مشكل التشتت العائلي بين المغرب والجزائر.
بعد تخرج صديقه من الجامعة وخلال فترة فتح الحدود بين المغرب والجزائر سنة 1988 سيلتقي بأعمامه ” الجزائريين” الذين سيتعرّف عليهم لأول مرة. وبعد استقبالهم واستضافتهم بالمغرب خلال عطلة الصيف،سيقنعونه بالالتحاق بهم في الجزائر، هناك سيحقّق حلمه بالتدريس في الجامعة، وسيناضل من موقعه كمثقف ملتزم من أجل التبشير بحلم المغرب العربي الكبير، لكن حلمه ذاك سرعان ما سيتبخر بعد أن استأسدت لعنة الحدود مرة أخرى فتُغلّق الأبواب في وجه دفق الحب وأواصر الأخوة.
وعلى إثر ذلك قلّت زيارات عبد الرحمن للمغرب وفتر حماسه الوحدوي، فأصيب بارتكاساتنفسية عميقة خاصة بعد موت أبيه، المقاوم المغربي الذي حارب الفرنسيين على الجبهتين المغربية والجزائرية على حد سواء.
في ظل ذلك الواقع المأزوم وبعد معاناة شديدة من المرض أسلم عبد الرحمن الروح الى بارئها في أحد مستشفيات الجزائر، مخلفا وراءه أسرة تجري فيها دماء المغرب والجزائر، أسرة سترث عنه حتما ذلك الانشطار بين هويتين وجنسيتين تنوسان بين الحب والعداوة، بين القرب والبعد…الخ . أمّا أمّه المسكينة فستعيش لأحزانها هي التي فقدت زوجها وبعده ابنها الذي رحل، دون أن تلقي على جثمانه نظرة أخيرة أو تطبع على جبينه قبلة الوداع.
أما في الجزء الثالث الموسوم ب:” حسن .…أو…عودة السنُّونُو “، فيستمر الرّاوي من خلال سرده في تكثيف تجليات الحب في مواجهة عنت الحدودوجورها، إذ بعد استكماله لدراسته الجامعية سيعود إلى الجنوب الشرقي للمملكة كي يعمل كموظف في إحدى الادارات.
وهناك سينفتح على أبعاد جديدة لمعاناته مع الحدود ، سيتعرف على أحد الشبّان واسمه ” حسن “.هذا الشاب تعرف على فتاة جزائرية من مدينة جيجل اسمها ” صليحة ” من خلال المراسلة، فنشأت بين الشابين صداقة متينة، ما فتئت أن تحولت الى علاقة حب ولو عن بعد.
لكن حماس الشباب ولهب العاطفةدفعهما إلى التخطيط للقاء رغم إكراهات الحدود المغلقة وتداعياتها. هكذا سيقرر حسن السفر الى الجزائر للتعرف أكثر على صديقته ومن خلالها على الجزائر وليسندها في محنتها الشخصية والقطرية، فصليحة كانت تعاني من مرض أقعدها الفراش بالمستشفى، والجزائر كانت ترزح تحت نير المواجهات الدامية بين الجيش والجماعات الدينية المسلحة فيما يصطلح عليه ب” العشرية السوداء”.
وبالرغم من كل هذا سافر حسن جوّا من الدارالبيضاء الى الجزائر العاصمة ومنها الى جيجل برّا.
أمضى أياما جميلة بالقرب من صديقته الجزائرية التي كانت تنتظر منه أن يقرّر في شأن مستقبل علاقتهما ، لكن حسن لم يجرؤ على اتخاذ أية خطوة في ذلك المسار، فعاد أدرجه الى المغرب غير أن أحواله العاطفية والنفسية اضطربت، خاصة بعد أن أخبرته صليحة بسفرها المرتقب الى مارسيليا بفرنسا قصد اجراء عملية جراحية على ركبتها.
في تلك الأثناء سيطلع حسن صديقه( الرّاوي) على قراره بالهجرة الى فرنسا للالتحاق بصليحة بعد أن أيقن بحبه لها، وبالفعل أقدم على الهجرة بطريقة غير شرعية، فحالفه الحظ ونجح في مسعاه ليستقر في مدة قياسية بمارسيليا، حيث تحقق حلمه الذي تأبّى عليه لسنوات… فكان أن انتصرت لغة الحب على لعنة الحدود.