بوصوف: ما قام به قيس سعيد مساومة رخيصة مقابل دعم إنقلابه الأبيض على الديمقراطية التونسية وليست قناعة
بقلم : عبد الله بوصوف
ليس سِــرا أن كل الخطابات و الرسائل الملكية لها قـوة قانونية و تشريعية و سياسية و دينية و تاريخية قـوية… تستمدها من الاختصاصات الدستورية للمؤسسة الملكية حسب الفصول 41 و42 من الدستور ، و من الأعراف الملكية العريقة للمملكة المغربية…كما أنه ليس سـرا أن الاهتمام الكبير بخطاب الثورة لسنة 2022 له ما يبرره سواء على المستوى الخارجي وتأكيده على ان ملف الصحراء المغربية هو خطآ أحمر لا يمكن تجاوزه او التفاوض حوله ، وان كل الشراكات الاقتصادية و التجارية ،وكل التحالفات السياسية والاستراتيجية و الأمنية… تتأثر سلبا او إيجابا بملف الوحدة الترابية و بمبادر الحكم الذاتي للاقاليم الصحراوية المغربية ، بمعنى آخر إما معنا أو ضدنا وليس هناك طريق ثالث ، و ان مصالح المغرب ليست قُـربانـا سياسيًا في مجال العلاقات الدولية..
إذ يعلم الجميع أن استقبال رئيس تونس ” سعيد السعييد ” مثلا لزعيم الانفصاليين ” الرخيص ” للمشاركة في قمة ” تكاد 8 ” بتونس و قبله جلوسهما جنبا بالعاصمة الجزائر في احتفال الاستقلال في شهر يوليوز الماضي..كل هذا نتيجة مساومات مالية و طاقية و ليس قناعة بمسارسياسية واقعية أممية ، انها رشوة سياسية بمبلغ تجاوز 300 مليون دولار لتجاوز تونس للأزمة المالية الخطيرة ، بالإضافة الى دعم سياسي للرئيس التونسي خاصة بعد قيامه ” بالانقلاب الأبيض ” على المؤسسات المنتخبة و حل البرلمان و الحكومة و فرض دستور جديد على الشعب التونسي…
كما ان الاهتمام له ما يبرره على المستوى الداخلي إذ تعودنا في كل خطابات ” كبير العائلة ” ان يحيطنا علما بمجريات ملف الصحراء المغربية و بكل الملفات الكبرى التي لها علاقة بالوطن والمواطن..
لكن في خطاب ثورة سنة 2022 كانت وقفة خاصة للإشادة بمجهودات فئة عزيزة من الشعب المغربي تقدر بخمسة ملايين من مغاربة العالم و مئات الالاف من اليهود المغاربة..وهي مجهودات تعبر عن تعلق غير عادي بالمقدسات الدستورية و بالوحدة الترابية انطلاقا من بلدان الإقامة ومن ساحاتها العمومية ومن مراكزهم الوظيفية و الاجتماعية المختلفة ..فحتى المهاجر العاطل عن العمل كان يقف في ساحات باريس و برشلونة و روما و واشنطن و غيرها مدافعًا عن مغربية الصحراء وعن صورة المغرب حاملا صورة جلالة الملك و الأعلام الوطن..
لقد اصبح خطاب ثورة 2022 وثيقة مرجعية لكل مغاربة العالم يغرف منها الحقوقي و الأكاديمي و الإعلامي و الجمعوي ، وثيقة تاريخية مؤَسِسة لعلاقات جديدة عمودية وأفــقية تحدد وظائف واختصاصات كل المؤسسات المكلفة بشؤون مغاربة العالم…
وبما أن المناسبة شرط ، فان فضيلة الانصاف و ثقافة الاعتراف تلزمنا بالتذكير بمجهودات و بحيوية و دينامية الفعاليات الجمعوية بالخارج ، إذ لا يستطيع أي احد إنكـار مجهودات افراد المجتمع المدني بالمهجر في مجال تأطير الجالية من الناحية الدينية حيث عملوا على خلق فضاءات العبادة سواء مساجد او صالات العبادة ساهموا بتبرعاتهم كما ساهمت المرأة المغربية المهاجرة بحليها و مجوهراتها من أجل بناء مسجد يذكر فيه اسم الله..ويكون مركزا لتعليم اللغة العربية…
و من الناحية الثقافية والاجتماعية ، حيث شكلوا صمام أمان لنقل تقاليد الثقافة المغربية في الاعراس و المآتم و حُسن الجوار و احترام إختلاف الأخر…أو من الناحية الوطنية و تربية الأجيال على حب الوطن الام والدفاع عن المقدسات الوطنية و الوقوف في وجه أعداء الوحدة الترابية…
لقد راكم النسيج الجمعوي لمغاربة العالم و معهم مئات الالاف من اليهود المغاربة تجارب مهمة في الدول الغربية ، كما نسجوا صداقات قوية مع منظمات وهيئات حقوقية و سياسية و إجتماعية…بل تبوأ البعض منهم مراكز القيادة سواءً داخل منظمات حقوقية او بيئية او حزبية او في مراكز البحث العلمي و المختبرات الطبية و الاكاديميات و الجامعات العالمية …
وهــو ما يجعلنا أمام رأسمال كبير من الخبرة و التجارب العلمية و بنك معلومات متنوع …كافي لتدبير العديد من الملفات الثقافية و الدينية و الحقوقية و الاجتماعية و الشبابية الخاصة بالجالية ، و في مقدمتها الحفاظ على وشائج الهوية المغربية…
أكثر من هذا فإن جرد كل هذه التراكمات الإنسانية الإيجابية تضعنا في مرمى النقاش الخاص بالسياسات العمومية الموجهة لمغاربة العالم و نموذج الحكامة ـ تضعنا ـ أمام ضرورة الاستفادة من تركم فعاليات النسيج المدني لمغاربة العالم سواء في النقاش الحالي الخاص برسم سياسة عمومية جديدة مندمجة و متكاملة بإمكانها الايجابة عن انتظارات مغاربة العالم ، أو في مسلسل تحديث و تأهيل مؤسسات الهجرة حتى تكون فعالة و ناجعة…
ان خطاب ثورة 2022 فتح باب النقاش حول إشكالات مهمة تتعلق بالسياسات العمومية لقضايا مغاربة العالم و نموذج الحكامة..وهو ما يوجب استحضار الدور الكبير للفاعل الاجتماعي الى جانب الفاعل المؤسساتي في صناعة و تنفيذ و مراقبة السياسات العمومية..وهو ما يفتح أيضا باب المساهمة الجادة لفعاليات المجتمع المدني لمغاربة العالم المشهود لها بالوطنية و بأعمال التأطير الاجتماعي و الديني و الثقافي والوقوف في وجه أعداء الوطن في بلدان الاستقبال و الدفاع عن صورة المغرب بالخارج …
لانه لا يمكن الحديث عن سياسيات عمومية لقضايا مغاربة العالم بدون مساهمات وسائط إجتماعية و فعاليات جمعوية وطنية لمغاربة العالم ، وفي ذلك تطبيق لمضمون الخطاب الملكي بقوله ان المغرب يحتاج لكل أبنائه ولكل الخبرات والكفاءات المقيمة بالخارج من جهة ، كما انه يشكل نوع من العرفان للجيل الأول من المهاجرين الذي حافظ على الموروث الثقافي و الاجتماعي والثقافة المغربية وعلى الممارسة الدينية الوسطية المالكية البعيدة عن الفكر المتطرف و التعصب الديني…و توارثـته الأجيال الجديدة و قوى الروابط الإنسانية ورسخ الاعتزاز بالانتماء للمغرب..رغم كل الاكراهات و الاغراءات بدول الغرب ، لذلك استحق مغاربة العالم ” مرتبة خاصة ” لدى جلالة الملك محمد السادس…