القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر و إشكالية القواعد الإجرائية

عبد الجلال أنديش : باحث في العلوم القانونية
عنوان المقال : القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر وإشكالية القواعد الإجرائية.

بتاريخ 10 غشت 2016 نشر بالجريدة الرسمية عدد 6491 القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر والذي سبقه مخاض دام عدة سنوات لقانون شغل بال كل من الصحفيين والباحثين القانونيين وعرف تضاربا ونقاشا حادا في التفسير والتطبيق القضائي ساهم في بلورته عدة معطيات كان على رأسها تطور مجال الصحافة ببلادنا وتطور القضاء المغربي وانفتاح القضاة المغاربة على التجارب المقارنة في قضايا الصحافة والنشر.

وبصدور قانون الصحافة والنشر الذي يستمد مشروعيته من روح الدستور المغربي لسنة 2011 لاسيما الفصول 25 و 27 و 28 منه، بالإضافة الخطب والرسائل الملكية السامية الموجهة إلى أسرة الصحافة والإعلام.

تعززت الترسانة القانونية المتعلقة بالصحافة بالمغرب حيث تضمنت لأول مرة الاعتراف القانوني بحرية الصحافة الإلكترونية وإرساء الحماية القضائية لسرية المصادر، مع ضمان الحق في الحصول على المعلومات وفقا للقانون، وإلغاء العقوبات الحبسية وتعويضها بغرامات مالية، بالإضافة إلى تقوية ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا النشر وجعل الاختصاص المتعلق بحجز الصحف أو حجب المواقع الإخبارية الإلكترونية اختصاصا قضائيا، وإصلاح شامل وعميق لمنظومة القذف بما يمكن من احترام الحياة الخاصة والحق في الصورة وحقوق الأفراد والمجتمع.

وإذا كان من الصعب القول بأن التنظيم التشريعي الجديد قد أعاد التوازن المفقود بين حقوق الصحفيين في إعلام يضمن حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات وبين الواقع العملي للمهنة، فإنه لا بد من التأكيد أن القانون الجديد حاول جهد الإمكان تبني مجموعة من المقتضيات القانونية والقواعد الإجرائية التي يجب اتباعها أمام المحاكم من أجل الوصول إلى استصدار أحكام تهم الحقوق التي ترافع من أجلها الأفراد أمام القضاء.

لذلك فإن وقوفنا على بعض جوانب هذا القانون يدفعنا إلى استثمار تراكم البحث في القواعد الإجرائية الجنائية من أجل طرح تساؤل مركزي قائم حول مدى توفق المشرع المغربي في ضبط القواعد الإجرائية في القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر بما يضمن من جهة التمتع بالحقوق و الحفاظ على الحريات وحمايتها ومن جهة ثانية تحقيق الأمن القضائي على المستوى المسطري أو الإجرائي؟

قبل الإجابة عن هذا التساؤل وبسط بعض الملاحظات المتعلقة بمضمون هذا القانون يجدر التأكيد على أننا نشاطر المشرع هذا التبسيط الإجرائي، غير أن المنطلق الأساسي لا يقتضي تشريعا وإنما إفهاما للمهنيين بتداخل المرجعيات القانونية التي تحكم الموضوع، وتنوع القواعد الإجرائية الضابطة والمنظمة لها.

الإجابة عن هذا التساؤل سيكون وفق الشكل الآتي:

أولا: التداخل الحاصل بين القواعد الإجرائية المنصوص عليها بقانون المسطرة الجنائية و تلك الواردة في قانون الصحافة بخصوص إجراءات المتابعة والتقادم.

بالرجوع للفصل 101 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر نجد أن المشرع نص على أنه ”تتقادم الدعوى العمومية المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمضي ستة أشهر كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الفعل موضوع المتابعة وينقطع ويتوقف أمد تقادم الدعوى العمومية وفق مقتضيات المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية”

وتنص المادة 6 اعلاه التي حددت المفهوم القانوني للمتابعة على مايلي :

” يقصد بإجراءات المتابعة في مفهوم هذه المادة، كل إجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية إلى هيئة التحقيق أو هيئة الحكم”
وعليه نرى أن القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 6 أعلاه تجعل من مفهوم المتابعة يتمثل في رفع الدعوى العمومية إلى هيئة التحقيق أو هيئة الحكم، بخلاف قانون الصحافة والنشر الذي لم يستعمل عبارات رفع الدعوى العمومية وإنما استعمل عبارة تحريك الدعوى العمومية في الفصل 97 منه، وعليه فإن إجراء المتابعة هو بالضبط تحريك الدعوى العمومية، وتحريك الدعوى العمومية في قانون الصحافة والنشر لا يتم إلا بالإستدعاء الذي تبلغه النيابة العامة أو الطرف المدني للمتهم وفق ما يقتضيه القانون.

أما بخصوص التقادم فالمشرع لم ينص على كيفية بداية احتساب الآجال في الفصل 101 من قانون الصحافة والنشر وذلك باعتبار المدة التي أشار إليها كاملة أم غير كاملة، وبالتالي هل يمكن التعامل مع احتساب مدة التقادم وفق مقتضيات المادة 750 من قانون المسطرة الجنائية أم أن المقتضى الوارد في قانون الصحافة والنشر مقتضى مستقل خاصة وأن أحكام المادة 750 تحصر نطاق إعمالها في مقتضيات قانون المسطرة الجنائية فقط.

مما يتيح التساؤل حول ما إذا كان التنصيص على اعتبار الآجال المنصوص عليها في المادة 750 من قانون المسطرة الجنائية باعتبارها آجال كاملة يمكن تطبيقها في كل الآجال التي نص المشرع عليها بالأيام مهما كان الإطار التشريعي الواردة به، أم أن الأمر يتعلق فعلا بقاعدة إجرائية مستقلة من غير أن تتجاوز نطاقها من حيث التطبيق ؟

في هذا الصدد يرى الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي(1) أن مدة التقادم هاته تشمل الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الخاصة بتعويض الضحية عن الضرر الذي لحقها، ويعني هذا أن المشرع لا يأخذ بالقاعدة المعمول بها في الفصل 14 من قانون المسطرة الجنائية الذي ينص على استقلال مدة التقادم الجنائية والمدنية عن بعضها بحيث إذا تحقق تقادم الدعوى الجنائية فإنه لا ينعكس على الدعوى المدنية.

والرأي فيما أعتقد أن الجواب عن هذا التساؤل يرتكز بالضرورة حول ما إذا كانت هناك وحدة موضوعية للقواعد الإجرائية بغض النظر عن الإطار القانوني المنظم لها أم لا؟

إن القول بوجود تلك الوحدة يقتضي التأكيد على فكرة المساواة بين القواعد الإجرائية الواردة بقانون المسطرة الجنائية بتلك المنصوص عليها في قانون الصحافة والنشر، و لعل فكرة المساواة بين مختلف القواعد الإجرائية تتأسس على إقرار ما يصطلح عليه بالشرعية الإجرائية التي تفيد أن الجهات الموكول لها أمر إنفاذ القانون ملزمة بضرورة التقيد بالمقتضيات الإجرائية و مراقبة مدى مطابقة الإجراءات لما هو منصوص عليه قانونا.

مما يمكن أن نفهم أن المنطلق الأساسي يجب أن يكون من النص القانوني المغربي المنظم لتقادم العقوبة والذي لا يمكن الأخذ به وتطبيقه بمنأى عن النص القانوني المحدد لأنواع العقوبات، ولا يمكن التوسع في تفسيره أو شرحه أو تحميله تأويلات أكثر مما يحتمل، لوضوح النص من جهة، ولإنسجام النص مع المبادئ الأساسية العامة للقانون من جهة ثانية، ولأن النص القانوني المغربي هو تكريس للمبادىء والمواثيق الدولية لحقوق الانسان.

وتأسيسا على المادة 101 من قانون الصحافة والنشر نستشف أنه :
+ اعتبارا للطبيعة الخاصة لبعض القضايا كما هو الحال في جرائم الصحافة التي يتعين البت فيها بصورة استعجالية، فإن المشرع وضع مدد تقادم قصيرة.

+ نستنتج أنها اقصر مدة للتقادم في القانون الجنائي وهو ما يوحي الى مرونة المشرع المغربي في إقراره لمبدأ الموازنة بين حرية التعبير والحفاظ على الحريات والحقوق واحترام الحياة الخاصة للأفراد.

+ أن جميع التعديلات التي طالت قانون المسطرة الجنائية المغربي والقوانين الإجرائية المقارنة بهذا الخصوص كان الهدف منها التقليص من مدد التقادم لتوافق ذلك مع المبادئ العالمية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان.

ثانيا : في البطلان الإجرائي للإستدعاء :

نصت المادة 114 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي(2) على أنه ” لا يحكم ببطلان إجراء من إجراءات التقاضي إلا إذا نص القانون على البطلان صراحة، ماعدا إذا فقد الإجراء بيانا جوهريا أو كان متعلقا بالنظام العام، ولا يحكم بالبطلان إلا إذا أثبت المتمسك به حصول ضرر نتيجة المخالفة، حتى ولو كان البطلان متعلقا بإجراءات جوهرية أو متصلا بالنظام العام”

وهو ما يجعل البطلان الإجرائي الذي يترتب عن الخلل الذي يمس إجراءات التبليغ في القانون الفرنسي لا يحكم به إلا إذا أثبت الخصم الذي يتمسك به أن العيب قد سبب له ضررا وهو نفس المعيار الذي يتأسس عليه البطلان الإجرائي في قانون المسطرة المدنية المغربي(3) طبقا للفقرة الثانية من الفصل 49.

وفي هذا الصدد يعتبر الدفع ببطلان الإستدعاء من بين أهم الدفوع الشكلية والتي تترتب عن مخالفة الأعمال الإجرائية ذلك أن الإستدعاء يطرح صعوبات جمة في الممارسة خاصة من حيث وجوب احترام شكليات معينة، حيث تنص المادة 97 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر على أنه ” تحرك الدعوى العمومية باستدعاء تبلغه النيابة العامة أو الطرف المدني قبل تاريخ الجلسة ب 15 يوما على الأقل يتضمن هوية مدير النشر وتحديد التهمة الموجهة إليه ويشار إلى النص القانوني الواجب تطبيقه على المتابعة، وإلا ترتب على ذلك بطلان الإستدعاء ”.

والملاحظ أن العمل القضائي في أغلب قراراته يميل إلى التشدد في ضرورة تضمين الاستدعاء للبيانات والشروط الواردة في الفصل 97 من قانون الصحافة والنشر تحت طائلة ترتيب البطلان على خرق هذه القواعد الإجرائية، وعلى هذا المنوال قررت محكمة النقض(4) أنه ” ومن جهة أخرى ولما كانت المتابعة تؤسس لقبولها على الإستدعاء المتضمن للبيانات الواجبة تحت طائلة البطلان فإن بطلان هذا الإستدعاء يؤدي حتما إلى بطلان المتابعة وتبعا لذلك فإن محكمة الدرجة الثانية عندما قضت ببطلان المتابعة بعدما تأكد لها أن الإستدعاء لم يكن متوفرا على البيانات المشار إليها تكون قد طبقت مقتضيات الفصلين المحتج بهما تطبيقا سليما فجاء قرارها معللا ومؤسسا والوسيلة على غير أساس”.
الملاحظ من حيثيات القرار أن المتابعة المسطرة مخالفة لمقتضيات الفصل 97 من قانون الصحافة والنشر وبالتالي بطلان هذا الإستدعاء يؤدي حتما إلى بطلان المتابعة.

وعليه تأكيدا لخصوصية القواعد الإجرائية لقواعد الصحافة يتبين حرص القضاء المغربي على التشدد في ترتيب البطلان على خرق القواعد الإجرائية في قضايا الصحافة والنشر كلما أقر النص القانوني ذلك.

• حول عيوب الصياغة :

وذلك باعتبار أن مقتضى المادة 97 من قانون الصحافة وقرار محكمة النقض أعلاه محل هذا التعليق تضمنتا التنصيص على أن الإستدعاء الغير المحترم للشروط المحددة فيه يترتب عليه البطلان.

وفي نظرنا الإتجاه المذكور مع احترامنا لهدفه النبيل الذي هو توخي حيطة أكثر لعدم إهدار حقوق المبلغ إليه. فإننا لانتفق معه لأنه يتسم بنوع من الغلو في الشكلية، حيث أن خلو الإستدعاء من التاريخ لا يجعل منه باطلا في غياب نص صريح يقضي بذلك وكذا لعدم تضرر الخصم من هذا الإغفال، خلافا مثلا للتاريخ الذي أوجبه القانون بالنسبة لمحاضر تبليغ الأحكام من أجل ممارسة الطعن(5) أو التنفيذ(6) كون التاريخ هنا له فائدة إجرائية من أن أجل الطعن أو التنفيذ في هذه الأحكام يسري من التاريخ المبين في محضر التبليغ وإغفال التاريخ في هذه الحالة يترتب عليه بطلان هذا المحضر فلا تسري به أجل الطعن، أما بالنسبة لتاريخ الإستدعاء بمناسبة افتتاح الدعوى فإن إغفاله ليس له أي أثر إجرائي لأنه ليس هو الذي يحدد تاريخ رفع الدعوى أو تاريخ الإستئناف الذي تحتسب بموجبه مختلف الآجال كأجل التقادم أو أجل الطعن.

وعليه نقترح مايلي :

+ تعديل مقتضيات المادة 97 من قانون الصحافة والنشر وجعلها منسجمة مع مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية وجعل أساس ومعيار البطلان الإجرائي في قانون الصحافة والنشر مرتبطا بوقوع الضرر، لا بوقوع حالاته التي إن توفرت تحكم المحكمة ببطلان الإجراء بغض النظر عن حصول الضرر من عدمه.

+ التوسع في تفسير الفصل 97 من قانون الصحافة من طرف القضاء وإقرار نوع من المرونة في ترتيب البطلان على خرق القواعد الإجرائية في قضايا جرائم الصحافة والنشر.

+ التخفيف من السلطة التلقائية للقاضي في إثارة البطلان باعتباره من النظام العام فيما يتعلق ببطلان الإستدعاء خاصة إذا كان هذا العيب الشكلي لم يتسبب للخصم الذي يتمسك به أي ضرر.

ثالثا : من حيث القانون الواجب التطبيق

بالرجوع إلى نص المادة 17 من قانون الصحافة والنشر الذي ينص على أنه “لا تسري أحكام القوانين الأخرى على كل ما ورد فيه نص صريح في مدونة الصحافة والنشر” وعليه فحماية الصحافيين من المحاكمة بموجب القانون الجنائي في قضايا النشر لم تكن واضحة في المادة المشار إليها، والتي تمت صياغتها بعبارات فضفاضة بشكل يبقي على الجسر بين قانون الصحافة والقانون الجنائي في قضايا النشر، ففي الوقت الذي كان يتم فيها تحريك المتابعة ضد الصحفيين في إطار ظهير 15 نونبر 1958 بشأن قانون الصحافة بالمغرب فيما يخص بعض قضايا الصحافة المعروضة على المحاكم وأثناء سريان الدعوى أمام المحاكم صدر القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.

هذه الحالة التي تجد سندها القانوني في الفصل 6 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه ” في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم” وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الفصل 6 من القانون الجنائي يقتصر على قوانين الموضوع أما النصوص الجنائية الشكلية فتطبق بأثر فوري ولو أضرت بمصالح المتهم.

وتأكيدا لنفس المنحى، ذهبت محكمة النقض(7) في حيثيات أحد قراراتها إلى أنه: ” إذا كان الفصل 6 من القانون الجنائي الجديد ينص على أنه في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم، فإن هذا النص قاصر التطبيق على قوانين الموضوع ولا علاقة له بقوانين الشكل كالإختصاص والمسطرة والتقادم، وعليه فإن قوانين التقادم تطبق فور صدورها حتى ما كان منها مطولا للأجل طالما ان الامد القانوني السابق لم يكن قد انقضى”.

وهنا تختلف المحاكم عند الإجابة عن الدفع المتعلق بالقانون الواجب التطبيق بين من يعتبره من الدفوع الشكلية كالمحكمة الإبتدائية الزجرية بالبيضاء(8) والتي اعتبرت أن القانون الواجب التطبيق هو القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، وبالتالي ردت الدفع المثار بخصوص إشكالية القانون الواجب التطبيق باعتبار أن النصوص الجنائية الشكلية أو المسطرية تطبق بأثر فوري ولو أضرت بمصالح المتهم.

وبين من يجيب عنه في الموضوع من جهة أخرى حسب ما يتضح صراحة من حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالرباط(9) والذي جاء فيه ” وحيث أن المتابعة أثيرت فعلا استنادا على مقتضيات قانونية منصوص عليها في ظهير 15/11/1958، الذي تم نسخه بظهير 10/08/2016 فإن الثابت من جهة أخرى، ان إثارة هذه المتابعة تمت وظهير الصحافة المؤرخ في 15/11/1958 ساري المفعول، وقبل الحكم النهائي صدر قانون الصحافة الجديد المؤرخ 10/08/2016 الذي أصبح بدوره ساري المفعول، مما يجعلها متابعة صحيحة من حيث الأساس القانوني، ولأن صدر قانون جديد للصحافة أثناء محاكمة الظنين، فذلك لا ينقص من صحة الأساس القانوني للمتابعة، ونكون أمام الحالة المنصوص عليها في المادة السادسة من القانون الجنائي، والمتعلقة بوجود قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي، ولذلك فعبارة ساري المفعول تنطبق على فصول المتابعة الواردة في ظهير 15/11/1958 اعتبارا لكون العمل بهذا الظهير كان ساريا المفعول وقت إثارة المتابعة في حق الظنين ويكون بذلك القول بمتابعة الظنين بقانون منسوخ غير مؤسس.”

لذلك يمكن القول بأن هناك اختلاف في توجهات العمل القضائي عند الإجابة عن الدفع المتعلق بالقانون الواجب التطبيق بين من يعتبره من الدفوع الشكلية كالمحكمة الإبتدائية الزجرية بالدارالبيضاء وبين من يجيب عنه في الموضوع كالمحكمة الإبتدائية بالرباط.

وبذلك يكون التكييف القانوني للوقائع من أهم التحديات التي ستواجه القاضي في التعامل مع قضايا الصحافة والنشر من خلال تحديد الوصف القانوني الصحيح للوقائع والقواعد القانونية الواجبة التطبيق.

رابعا : في الإجراءات المسطرية المطبقة في القذف وعناصر العقاب عليها

1 : حالة القذف

عرفت الفقرة الأولى من من المادة 83 من قانون الصحافة والنشر القذف كما يلي ” ادعاء واقعة أو نسبتها إلى شخص او هيئة، إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف أو اعتبار الشخص أو الهيئة التي نسبت إليه أو إليها “. وقد تم التنصيص على نفس التعريف في الفصل 442 من القانون الجنائي، أما الفصل 444 من ذات القانون ينص على ان ” القذف والسب العلني يعاقب عليهما… قانون الصحافة ”.

وعليه فالقذف فعل غير شرعي معاقب عليه بمقتضى القانون كلما تعلق الأمر بالمساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو الهيئات المعنية به، مع مراعاة حسن نية القاذف الذي يكون في حل من أي متابعة قضائية طبقا للفصل 86 من قانون الصحافة والنشر.
وقد اعتبرت المادة 99 من القانون أعلاه الشكاية شرط ضروري للمتابعة في حالة القذف او السب أو المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو المس بالحق في الصورة وفقا للمقتضيات التالية:

+ في حالة القذف أو السب الموجه إلى الأفراد المنصوص عليهم في المادة 85 من هذا القانون، فإن المتابعة لا يقع إجراؤها إلا بشكاية من الشخص الموجه إليه القذف أو السب، غير أنه يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة تلقائيا في حالة القذف أو السب الموجه إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب أصلهم أو انتمائهم أو عدم انتمائهم إلى عرق أو وطن أو جنس أو دين معين؛

+ في حالة القذف أو السب الموجه إلى المجالس والهيئات القضائية والمحاكم وغيرها من الهيئات المبينة في المادة 84 أعلاه فإن المتابعة لا تقع إلا بعد مداولة تجريها المجالس والمحاكم والهيئات المذكورة في جلسة عامة والمطالبة بالمتابعة وإذا لم يكن للهيئة جلسة عامة فتجري المتابعة بشكاية من رئيس الهيئة؛

+ في حالة القذف أو السب الموجه إلى عضو من أعضاء الحكومة تجرى المتابعة بشكاية من المعنيين بالأمر يوجهونها مباشرة إلى رئيس الحكومة الذي يحيلها على وكيل الملك المختص؛

+ في حالة القذف أو السب الموجه إلى الموظفين أو الأشخاص المسندة إليهم مباشرة السلطة العمومية تقع المتابعة بشكاية منهم أو من السلطة الحكومية التي ينتسب إليها الموظف، يوجهها إلى وكيل الملك المختص أو بواسطة استدعاء مباشر أمام المحكمة المختصة؛

+ في حالة القذف الموجه إلى عضو مستشار أو شاهد فإن المتابعة لا تقع إلا بشكاية العضو أو الشاهد؛

+ في حالة الإساءة إلى الكرامة أو السب المقررين في المادتين 81 و82 المشار إليهما أعلاه، فإن المتابعة تقع إما بطلب من سفارة الدولة الأجنبية أو من رئيس الحكومة المغربية؛

+ في حالة القذف أو السب المقرر في المادة 88 أعلاه والموجه في حق الأموات إذا كان قصد مرتكبيه يهدف إلى الإساءة إلى شرف واعتبار الورثة الأحياء، لا تقع المتابعة إلا بشكاية شخص واحد أو أكثر من ذوي الحقوق.

انطلاقا من المقتضيات المسطرة أعلاه يتبين أن تحريك الدعوى العمومية يخضع لضوابط دقيقة وذلك حسب الحالات المختلفة، فإذا كانت النيابة العامة تتمتع بالسلطة التقديرية طبقا لمبدأ الملائمة بحيث يمكنها تحريك الدعوى العمومية تلقائيا في بعض الجرائم، فإنه وخلافا لذلك لا يمكنها تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكاية أو إذن أو طلب وذلك حسب طبيعة الجرائم المبينة في المادة 99 أعلاه، وتعتبر هذه الإستثناءات قيودا تغل يد النيابة العامة بصفة مؤقتة عن المتابعة وتقلص حريتها إلى حين تحقق الشرط الذي يستلزمه القانون لإقامة الدعوى العمومية.

ويلاحظ أن هذه الإستثناءات الثلاثة التي أقرها القانون من النظام العام ولذلك فهي مفروضة تحت طائلة البطلان، فإذا حركت الدعوى العمومية من قبل رفع الشكاية أو تقديم الطلب أو الإذن بتقديم الحصانة فإنها تكون باطلة، ويحق للمتهم الدفع بهذا البطلان في سائر مراحل المسطرة، وعلى المحكمة إثارة البطلان تلقائيا وإلا كان حكمها معيبا ومعرضا للنقض، وإذا قدم الإذن أو الطلب أو الشكاية بعد ذلك، فإن المتابعة تبقى باطلة إذ يجب أن تكون المتابعة لاحقة لا سابقة عليها.

2 : حجز المطبوع أو سحب المادة الصحفية وتعطيل الولوج إليها بالنسبة للصحيفة الإلكترونية :

تنص المادة 106 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر على أنه : ” يجوز بأمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية المختصة حجز كل عدد من مطبوع دوري أو سحب المادة الصحفية وتعطيل الولوج إليها بالنسبة للصحيفة الإلكترونية إذا تضمنت أفعالا يعاقب عليها الفرع الأول من الباب الأول من القسم الثالث، المتعلق بحماية النظام العام ولاسيما تلك المنصوص عليها في المادة 71 أعلاه، بناء على طلب من النيابة العامة أو من قبل السلطة الحكومية المعنية، يصدر داخل أجل ثمان ساعات من توصله بالطلب وينفذ أمر الرئيس فورا وعلى الأصل.

يجوز للسلطة الحكومية المذكورة أعلاه أو النيابة العامة حجز عدد النشرة المعنية أو سحب المادة الصحفية وتعطيل الولوج إليها بالنسبة للصحيفة الإلكترونية بأمر قضائي استعجالي لغاية البث النهائي في أجل شهر.

يجب على وكيل الملك إشعار رئيس المحكمة بالأمر الصادر عنه بحجز كل عدد من مطبوع دوري أو سحب المادة الصحفية وتعطيل الولوج إليها بالنسبة للصحيفة الإلكترونية ويصدر رئيس المحكمة خلال أجل 24 ساعة أمرا استعجاليا بتأييد أو إلغاء قرار حجز كل عدد من مطبوع دوري أو سحب المادة الصحفية وتعطيل الولوج إليها بالنسبة للصحيفة الإلكترونية.”

ما يثير انتباهنا في المادة 106 من قانون الصحافة والنشر أنه ولأول مرة المشرع المغربي يقر بأن النيابة العامة في شخص وكيل الملك يصدر أوامر قضائية استعجالية صراحة ويعرضها على رئيس المحكمة قصد مراقبتها داخل أجل 24 ساعة وذلك بتأييدها أو إلغالها.

حيث يتبين من مقتضيات هذا الفصل أن رئيس المحكمة أصبح جهة مراقبة قضائيا لهذا الأمر الإستعجالي الصادر عن وكيل الملك، وهو مقتضى يشبه كثيرا ما ورد في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التي خولت الاختصاص للوكيل العام للملك من أجل التقاط المكالمات وهو اختصاص استثنائي ومشروط بأن تكون الجريمة جماعية ومنظمة ويغلب عليها طابع المساس بما يصطلح عليه بالأمن القومي.

انطلاقا من هذين المادتين يتبين على أنه أصبحت تعطى للنيابة العامة إمكانية إصدار أوامر وهي تشبه كثيرا أوامر قاضي المستعجلات وذلك لأنها تعرض على الرئيس الأول قصد تأييدها أو إلغائها وبالتالي أصبح الرئيس الأول جهة قضائية مراقبة لهذه الأوامر. وهو ما سيمكن من فتح المجال مستقبلا أمام نقاش فقهي مفيد بخصوص توسيع نطاق الجهة المختصة في إصدار الأوامر القضائية الإستعجالية ليشمل حتى النيابة العامة.

خاتمة :

وختاما يجدر التأكيد على أن دور القضاء ومهما أوتي من سعة في الإجتهاد لإعمال النصوص، فإن هناك بعض الوضعيات لا يمكن معالجتها إلا بتدخل تشريعي لرفع بعض الإكراهات التي تعترض العمل القضائي، وإذا كانت المملكة المغربية قد حققت تقدما فيما يتعلق بملاءمة قوانينها الوطنية مع المواثيق الدولية ذات الصلة بمجالات حقوق الإنسان، فإن ممارستها الاتفاقية فيما يخص “حرية الصحافة والنشر” مازالت لم تحقق تطلعات الصحفيين المهنيين وأنه إذا كان هناك من شيء ما يقتضي الوقوف عنده مطولا هو إفهام بعض المهنيين الذين استعصى عليهم ضبط النطاق الصحيح لتطبيق النصوص على النحو الوارد في القانون وذلك كلما تعلق الأمر بتفسير القواعد الموضوعية والإجرائية، وعليه فإن القوانين الإجرائية الحالية تتضمن مجموعة من المقتضيات العامة التي يمكن أن تسري أو تنسحب على جرائم الصحافة والتي تحتاج فقط إلى بعض التعديلات لتضفي على إجراءات التحقيق والمتابعة وإصدار الحكم في هذا النوع من الجرائم نوعا من الخصوصية تلائم طبيعتها.

1 -محمد الإدريسي العلمي مشيشي، “القانون المبني للمجهول”، أستاذ بكلية الحقوق بالرباط وبالمعهد الوطني للدراسات القضائية، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، الرباط، 1991، الصفحة 205.

 2- Aucun acte de procédure ne peut être déclaré nul pour vice de forme si la nullité n’en est pas expressément prévue  par la loi, sauf en cas d’inobservation d’une formalité substantielle ou d’ordre public. La nullité ne peut être prononcée qu’à charge pour l’adversaire qui l’invoque de prouver le grief que lui cause l’irrégularité, même lorsqu’il s’agit d’une formalité substantielle ou d’ordre public.”
– Code de procédure civile , Dernière modification: 2021-01-01, Edition : 2021-01-01.

3- تنص الفقرة الثانية من الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية على أنه : يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.
4- قرار محكمة النقض عدد 2236/8 الصادر بتاريخ 2006/7/12 في إطار الملف الجنحي عدد 2002/21286، أشار إلى هذا القرار ذ.هشام ملاطي (قاضي ملحق بوزارة العدل والحريات) ” ضوابط المعالجة القضائية للشأن الإعلامي بين النص القانوني والممارسة القضائية ” ورقة أعدها بمناسبة الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة.
5- أنظر الفصل 50 و54 من قانون المسطرة المدنية المغربي.
6- انظر الفصلين 433 و 440 من القانون السابق ذكره.
7- قرار محكمة النقض عدد 511 الصادر بتاريخ 04/04/1968، منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 90-91 ص 588 ومابعدها.
8- الحكم عدد 3798 الصادر عن المحكمة الإبتدائية الزجرية بالدارالبيضاء، بتاريخ 12/02/2018 في الملف عدد 6764/2102/2016.
9- الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالرباط، بتاريخ 03/10/2017 في الملف رقم 81/2016/2102، أوردته هدى بوالهند، باحثة في العلوم القانونية، “جرائم الصحافة دراسة عناصرها التكويني وأشهر القضايا المعروضة على القضاء”، سلسلة النبراس في القانون، دار الأفاق المغربية للنشر والتوزيع، مطبعة الأمنية- الرباط، ص 219 و مابعدها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد