و ما خفي كان أعظم ، بالشقيقة الجزائر…
بقلم : د. عيد الله بوصوف / أمين عام مجلس الجالية
الحراك الشعبي الذي احتفلت الجزائر بمرور سنته الثانية منذ بضعة أيام ( 19فبراير 2021) …بعد توقف اضطراري بسبب قوانين الاحتراز الصحي و طوارئ جائحة كوفيد 19، رغم حملات الاعتقالات و المحاكمات في صفوف نشطاء الحراك و رواد مواقع التواصل الاجتماعي… استمر على شبكات التواصل الاجتماعي و استمرت الاحتجاجات أمام العجز عن حل مشاكل اجتماعية و اقتصادية من جهة ، و عجز الحكومة على تقديم إجابات مقنعة على وقوف الجزائريين في طوابير الخبز و الحليب و اللحم…وغيرها من جهة أخرى ، و أمام الاحتياجات اليومية للمواطنين داخل دولة غنية بالبترول و الغاز و لها من الإمكانيات المادية ما يجعلها في تطور و نماء دول الخليج العربي سواء من حيث البنية التحتية و ارتفاع جودة الصحة و التعليم و غيره…
فكان الجواب الأول ، هو تغيير الدستور و إدخال الشعب الجزائري في دوامة نقاشات عقيمة لا تُجيبه عن كيفية حل أزمة الحليب مثلا.. كما ساهم في تعويم النقاش مجموعة من الكتاب والإعلاميين المحسوبين على جنرالات قصر المرادية و ذلك بالانخراط في نقاش أولويات أخرى كدسترة قيام الجيش الجزائري بالقيام بمهمات خارج الحدود.. وهو النقاش الذي طغى على دراسة مواضيع أكثر أهمية كإقتسام السلطة و المسلسل الديمقراطية و الحقوق المدنية و الاجتماعية و البيئية و الثروات الجزائرية….وغيرها ، ما كان سيجعل من الدستور الجزائري الجديد متقدما و يحمي حقوق و حريات الجزائري الشقيق..
فالفصل 31 من الدستور الجديد خوًل للجيش الجزائري القيام بمهام عسكرية خارج الحدود..فهل يعني هذا في إطار مهمام إنسانية كالقبعات الزرق الاممية مثلا أم مهمات إنسانية بافريقيا ، ام كانت إشارات تهديدية لكل جيرانه..؟ و مما زاد الطين بلة هو إعطاء رئيس الجمهورية مسؤولية الدفاع الوطني في الفصل 91 فسره البعض باحتفاظه بمنصب وزير الدفاع….
و بعودة الاحتجاجات الشعبية لشوارع الجزائر العاصمة و المدن الكبرى الجزائرية أمام الأزمة المالية الخانقة و غياب رئيس الجمهورية خارج البلاد في رحلة علاجية طويلة…جعلته في وضع غير دستوري لتجاوزها المدة الدستورية خارج البلاد 45 يوم حسب المادة102 …لكن جنيرلات قصر المرادية تكلفوا بإسكات كل من يتجرأ علنا بالإشارة إلى هذا الوضع الغير الدستوري،
لكن سيدفع بالجواب الثاني ، أي بظهور ما تبقى من الرئيس الجزائري و إعلانه يوم 18فبراير في خطاب للشعب الجزائري عن حل البرلمان و تنظيم انتخابات مبكرة مع حملة عفو لفائدة بعض معتقلي الحراك… وهو ما يعني فشل النخبة السياسية في تدبير إشكاليات المرحلة ، لكن نفس النخبة و خاصة بالبرلمان هي من وافقت على نصوص التعديل الدستوري الجديد وهي من ترافعت من اجل التصويت عليه في استفتاء دستوري في نوفمبر 2020،في نفس الوقت كان رئيس الجمهورية في رحلة علاج بالمانيا….
و بحل البرلمان يكون جنرالات قصر المرادية قد قدموا البرلمانيين ككبش فداء للحراك الشعبي..و فتحوا المجال لإعادة ترتيب المرحلة القادمة ، لكن بدستور يحتفظ لهم ” بزر التحكم ” و باستمرار هيمنتهم على مفاصل القرار السياسي و الاقتصاد و الثروة الجزائرية و تبديدها في ملفات لا تعني الشعب الجزائري الذي يعيش أوضاع دول فقيرة لا تتوفر على ثروات هائلة و احتياطات من المليارات من العملة الصعبة و موقع على المتوسط يجعل منه دولة قوية على مستوى البنية التحتية و التجهيزات الإجتماعية و تخفض معدل البطالة و ترفع معدل النمو و الدخل الفردي لكل مواطن جزائري..
نحن في المغرب لا نتردد بالقول و بكل حرية أن المغرب عاش في فبراير من سنة 2011 احتجاحات شعبية مهمة و قد كان خطاب 9 مارس الشهير إعلانا عن عودة المحتجين لبيوتهم و أعمالهم و الدخول في ورش إعداد دستور جديد بمقاربة تشاركية ليجيب عن كل مطالب المرحلة و يستشرف المراحل القادمة..و شمل مناقشة كل النقط المطروحة بما فيها اقتسام السلطة و توسيع اختصاصات رئاسة الحكومة و ترسيخ مبادئ الديمقراطية و الحكامة الجيدة و الجهوية و حقوق الإنسان…و غيرها..و لا زال الورش مفتوحا و لا زال التغيير و التطوير و التجويد مطلبا حاضرا في كل الخطب و الرسائل الملكية…
إن ما جاء على لسان السيد ” أحمد ونيس ” وزير الخارجية التونسي السابق في حواره مع قناة ” أواصر تيفي” في 19 فبراير من هذه السنة.. بقيام جنرالات قصر المرادية بشراء أصوات سياسيين و دول افريقية من أجل اعترافها بكيان البوليساريو داخل المنظمة الإفريقية.. و تخصيص اعتمادات مالية خيالية مقابل التصويت لاطروحة البوليساريو داخل اللجان و الهيئات الفرعية و المؤسسات التابعة للمنظمة الإفريقية.. هو بوح سياسي في غاية الخطورة يحمل في طياته تبديدا لثروة الشعب الجزائري و إرضاءا لغرور شخصي لبضعة جنرالات ورثوا عقيدة عسكرية مريضة بالرغبة في تدمير الجيران و لو تعددوا ، و الاستمرار في حروب بالوكالة موروثة عن الحرب الباردة..
كما أثار نفس الضيف في لهجة أسف على ما ضاع ، ان الجزائر احتفظت لنفسها بصحراء تابعة لدولة تونس الشقيقة ، لكن سياقات زمنية و سياسية تونسية حالت دون معارضة الجيش الجزائري في مسعاه بضم أراض صحراوية تونسية.. و بلهجة المُغْبط هنأ الوزير التونسي السابق المغرب على دفاعه عن حدوده و صحراءه و وقوفه أمام أطروحة غاصبة للصحراء المغربية…
إن مذكرات السياسين والديبلوماسيين المَغَاربيين و الافارقة تُخفي العديد من تفاصيل بورصة جزائرية ، أقامها العسكر الجزائري ليس من أجل نقل التكنولوجيا و التقدم و المعدات الطبية و الصحية و آلات البناء و العمل… بل بضخ الملايير من أجل شراء ذمم و أصوات في سوق نخاسة سياسية بالمنظمة الافريقية تهدف إلى تغيير حقائق التاريخ و الجغرافية و خلق كيان يهدد به كل جيرانه ، و أصبح ذلك الكيان مع مرور الوقت جمرة في يد العسكر الجزائري قد تحرقه في أي وقت..
لأن تكلفة احتضان البوليساريو السياسية سواء داخل افريقيا أو العالم مرتفعة جدا و تُشكل ثقبا في ميزانية الدولة..كما أن ذلك الاحتضان كان له تكلفة أخلاقية و سياسية جعلت الجزائر في حالة ” شبه عزلة دولية ” اللهم محاولاتهم بشراء أصوات و ولاءات هنا وهناك..
التكلفة الاخيرة ذات طبيعة حقوقية و أمنية ، حيث تعج مخيمات تنذوف بالعديد من الخروقات الإنسانية و الحقوقية و انتشار ظاهرة العبودية و عصابات السلاح و المخدرات و تجار ممرات الهجرة الدولية و الإرهاب الدولي..