زنقة 20 . الرباط
تحليل خاص بالموقع
في فندق الأحلام بتطوان كانت بداية حزب الأصالة والمعاصرة، ففي هذا الفندق الذي يقع غير بعيد عن كلية أصول الدين وملعب كرة القدم والمطار الصغير، اجتمع حوالي عشرين من مؤسسي ونشطاء حركة “لكل الديمقراطيين”، بما فيهم مُهندس هذه الحركة والمشروع السياسي الجديد مستشار الملك الحالي “فؤاد عالي الهمة”، في إطار خلوة للتفكير والنقاش وتبادل الآراء حول شكل ومكونات وطبيعة الحزب المأمول.
موقع Rue20.Com يعود بكم الى كواليس الخُلوة التي أنجَبَت “الأصالة والمعاصرة”.
خلال الاجتماع لوحظ بشكل يدعو للتساؤل والاستغراب في الوقت نفسه غياب “إلياس العماري” الذي ربما لم يكن مقتنعا بجدوى تأسيس حزب سياسي جديد، أو لآن الشروط والظروف لم تنضج بعد للانخراط في هكذا مشروع ،علما انه كان موجودا في تراب تطوان، أي غير بعيد عن الأجواء التي اكتنفت تلك الخلوة.
كان النقاش مغلقا، وشارك فيه نخبة من الأطر والفاعلين ممن افترض فيهم الأجدر والأقدر على اقتراح تأسيس حزب جديد و نموذج تنظيمي غير مألوف، فيما لوحظ أن بعض العناصر التي كانت تنشط في عدد من الأحزاب التي ستندمج مستقبلا في حزب الأصالة والمعاصرة ،كانت متحمسة ومندفعة لتأسيس حزب جديد يجمع في بوتقته جملة من الأحزاب الصغيرة والتي راكم فيها قياديوها تجربة وخبرة انتخابية، جعلت منهم أرقاما لا مناص منها في أي استحقاق انتخابي،خاصة الأعيان منهم.
و بالمقابل كانت العناصر المحسوبة على الصف اليساري متحفظة بخصوص الهندسة المقترحة ،حيث رأت فيها إعادة إنتاج لممارسات سياسية ارتبطت بما كان يعرف بالأحزاب الإدارية ،وأبدت ذات العناصر توجسها من فكرة “الحل التلفيقي” و التركيبي ودافعت عن مبدأ تأسيس حزب بعذرية سياسية وتنظيمية قادر على إحداث خلخلة للمشهد الحزبي إذا ما قدم عرضا بديلا ووجوها تتوفر فيها المصداقية.
انتهت خلوة فندق الأحلام بتطوان دون الحسم النهائي في طبيعة ومكونات الحزب المنتظر،غير أن الأمور تطورت بسرعة ،وكان شهر غشت الذي يعتبر في القاموس الفلاحي شهر الغلل والمحاصيل، حاسما من الناحية السياسية بالنسبة لقيادة حركة “لكل الديمقراطيين”، أي كان لابد من استثمار هذا الشهر بكل دلالاته الفلاحية والسياحية والإدارية لإعلان ميلاد حزب جديد أطلق عليه إسم “الأصالة والمعاصرة”.
تحركت الهواتف وتم ربط الاتصال بعدد من الأسماء التي نظر إليها بأنها صمام أمان ومدماك الحزب القديم –الجديد ،هناك من حضر في الوقت المناسب وهناك من لم تسعفه ظروفه من الحضور إلى الرباط لإشهاده على حدث الولادة.
وهكذا ترجم نسبيا وبشكل اعتباطي وغير مفكر فيه الموقع الجغرافي لفندق الأحلام والذي كما ذكرنا، يقع على قرب من عدد من المؤسسات الدالة في السياق الذي نتحدث فيه، فكلية أصول الدين ترمز إلى الأصالة كونها مؤسسة علمية لتدريس أصول الفقه وعلوم الدين وفق ما يضمن تكوينا رصينا وأصيلا على المذهب المالكي، أما الملعب والمطار فيرمزان إلى المعاصرة.
قد تكون هذه مجرد صدفة لكنها تنطوي على مغزى ومعنى. اليوم وصل “البام” اختصاراً، إلى ماوصل إليه ،وحصد ما حصد من النتائج وتحول في زمن سياسي قياسي إلى أحد الفاعلين الحزبيين الأساسيين الذي يزعج ويستفز ويؤرق ويخيف، رغم ماتعرض له خلال مسيرات حركة 20فبراير من هجوم وتهديد ومطالبة برحيل كبار مسؤوليه ورموزه، علما أن تلك الشعارات التي رفعها الشباب الحالم بالتغيير وكهول اليسار الطوباوي، كانت تحدث لدى قيادة وقواعد حزب “العدالة والتنمية” حالة من الانتشاء والارتياح، خاصة وأن حزب المصباح كان يجسد الشر والفساد والاستبداد كله في حزب الجرار، رغم انه وقف موقفا مناوئا ورافضا لحركة 20 فبراير،لكن في السياسة كل الطرق تؤدي إلى الغاية ولا تهم الأخلاق السياسية والقيم والمبادئ.
وظل حزب المصباح وفيا لهذا النهج حتى الآن ،فكلما شعر بضيق في التنفس أو باختناق في حركة المرور السياسي ،وكلما لمس أن أسهمه يمكن أن تتراجع في بورصة الانتخابات، إلا و استل سيف المظلومية ووضع اليد على زناد ما يصفه ب”التحكم ” ليؤلب المجتمع والفاعلين السياسيين والنقابات ووسائل الإعلام ضد حزب الأصالة والمعاصرة.
وقد سجل البيجيدي أرباحا مهمة ونتائج ايجابية بفضل هذا السلاح الذي يملك براءة اختراعه والذي يستعمله بمهارة عالية.
ومع انطلاق أشغال المؤتمر الوطني الثالث لحزب الجرار ،بدأت تتناسل العديد من الأسئلة حول مستقبل وافق هذا التنظيم الذي أثار جدلا واسعا منذ ولادته،خاصة فيما يتعلق بالشخصية التي ستتولى قيادة قاطرته دون اصطدامات أو حوادث مميتة أو انحرافات عن السكة، آو تصدعات تنظيمية أو صراعات واحتقانات تتخذ أشكالا مختلفة من قبيل اللجوء إلى خلق ولاءات جهوية وعرقية ومصلحية وعصبوية لفرض الأمر الواقع وتوجيه دفة القيادة الوجهة التي تضمن التموقع الجيد والمريح لهذا الشخص أو ذاك.
بدون شك لا حظ الكثير من المتتبعين لتفاعلات المشهد الحزبي المغربي وللأجواء التي حضرت فيها وثائق المؤتمر موجة من النقاش والسجال بين عدد من مسؤولي وبرلمانيي ونشطاء “البام” حول هوية الحزب و إيديولوجيته ومشروعه السياسي وآليات عمله وتواصله وخطابه.
قد يفهم من هذا التقليد كونه علامة على عافية الحزب ومؤشر على مدى احتكامه إلى الديمقراطية ،لكن كل صوت يجب أن يقرأ في سياق الدائرة التي يتحرك فيها والعلاقات التي تربطه بديناصورات الحزب والمصالح التي يرافع عنها والإشارات التي تلقاها لتوجيه النقاش وفق ما يخدم هذه الأجندة او تلك.
كما لا حظ المتتبعون سيلا من الخرجات الإعلامية سعى معظمها إلى التنبيه إلى ما يمكن أن يلحق بحزب الجرارمن هزات وأضرار في حال عدم الاحتكام إلى التوافقات الضامنة لوحدة الحزب وتماسكه وفي حال وجود نوع من الشراهة السياسية لدى بعض أقوياء الحزب، في إشارة إلى “إلياس العماري” الذي يتوفر على كل المفاتيح الموصلة على عربة الأمانة العامة، اللهم إذا قرر هو من تلقاء قناعته عدم الترشح، وطبقا لهذا السيناريو ستعاد الثقة في “مصطفى الباكوري” الذي يعتبره جزء كبير من الباميين بأنه أصبح ناضجا إضافة إلى كونه لا تسكنه كثير من الطموحات والهواجس المرتبطة برئاسة الحكومة.
غير أن أنصار “إلياس العماري” وشرائح واسعة من قواعد الحزب ترى فيه الرجل المناسب في الزمن السياسي المناسب ،فهو بذكائه وموقعه وعلاقاته المتشابكة والثقة التي يحظى بها من دوائر صناعة القرار وطبيعته الهجومية على الخصوم دون الإساءة لهم، كل هذه المؤهلات والخصائص تطرح إلياس كضرورة حزبية وكأفق سياسي لما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة والتي تؤجج وتهيج شهية الباميين للظفر بهذا الاستحقاق وبالتالي تر أس الحكومة المقبلة، و “إلياس العماري” قادر على انجاز كل هذه الأجندة حسب المرتبطين به عن قناعة أو تملقا آو انطلاقا من مصلحة.
يذهب عد من المراقبين إلى أنه عندما أنشأت حركة لكل الديمقراطيين، سيطر التوجس والشك على مكونات الحقل الحزبي المغربي الذي إلف السكون والجمود ،خاصة وأن هذا المشروع جاء في مرحلة كان فيها المشهد السياسي يعرف شبه فراغ على مستوى المشروع الإصلاحي كما يذهب إلى ذلك الباحث المغربي “محمد الطوزي”، الذي لاحظ أن الأحزاب السياسية لم تغتنم الفرصة لفتح نقاش وطرح تصور إصلاحي مابين 2005 و2007″ مبني أساسا على التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسنية ” أي كان هناك ما يمكن أن نتفق على وصفه ببياض سياسي على مستوى المبادرة والاجتهاد السياسي وهذا ما حاول البام استغلاله من خلال الدفاع عن الوثائق سالفة الذكر . .
واستنادا إلى الطوزي دائما ، فإن الأصالة والمعاصرة أجرأة سياسية للتصور الذي جاءت به حركة لكل الديمقراطيين، خاصة أن فؤاد عالي الهمة الوزير السابق المنتدب في الداخلية وأحد مهندسي حركة لكل الديمقراطيين وحزب الأصالة والمعاصرة، قرأ حاجيات الملك بحكم القرب منه، وبما أن الحقل السياسي كان يشكو من الفراغ بسبب فشل الأحزاب السياسية ،كان لابد من إنتاج ممارسة سياسية جديدة.