القضية الفلسطينية و الصحراء المغربية وجهان لعُملة الحق و العدل….
بقلم : د. عبد الله بوصوف / أمين عام مجلس الجالية
من السهل الترويج لبعض التراهات يكون هدفها دغدغة مشاعر المسلمين في كل بقاع العالم بالعزف على وثر القضية الفلسطينية و القدس.. من السهل اطلاق الوعود و تجييش الشارع العربي و الإسلامي عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية و القدس…و من السهل استغلال القضية الفلسطينية من طرف بعض الأنظمة للتنفيس عن ازماتهم السياسية الداخلية و اعتبارها مشجب لتعليق فشلهم في تحقيق شروط التنمية و النماء داخل بلدانهم ، رغم توفرهم على الموارد المالية الكافية لذلك…وهي صورة بشعة لتلك الأنظمة التي تتخد من “الشعبوية ” طريقة مفضوحة لتصريف مشاكلها الداخلية…
لكن من الصعب الاحتفاظ بنفس الالتزام و البقاء على نفس العهد و بدل نفس الجُهد لعقود عديدة تخص القضية الفلسطينية و القدس.. رغم الضغوطات السياسية و الاكراهات الاقتصادية و الاجتماعية…ومن الصعب الوفاء بالالتزام السياسي و الدعم المالي بغض النظر عن الوضعية الاقتصادية و المالية الداخلية…
إذ لم يسجل التاريخ أن المغرب قد باع جارا أو شقيقا أو صديقا مقابل مصالح سياسية أو مالية..بل إن التاريخ نفسه شاهد على أن المغرب خاض حروبا دفاعا عن جيرانه كمعركة إيسلي مثلا و سقط شهداؤه خارج الحدود في سبيل الحرية و الكرامة باسم المشترك الديني و الإنساني..و هو نفس المشترك الذي كان كافيا لسقوط شهداء مغاربة في كل محطات الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة منذ النكبة سنة 1967و الجولان سنة 1973… و قبلها شكل المغاربة حوالي الرُبُع من جيش الفاتح صلاح الدين الايوبي الذي قال عنهم ” اسكنت هنا من يثبتون في البر و يبطشون في البحر ، و خير من يؤمنون على المسجد الاقصى و على هذه المدينة…”
لذلك فإننا لسنا في موقف الدفاع عن موقف سيادي مغربي أو تبرير لتصرف سياسي..بل نعتبر ان هيستيريا اللغط الذي دأبت بعض المواقع الإعلامية المأجورة على نشرها منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء و بالسيادة الكاملة للمغرب على كل صحراءه الى حدود موريتانيا… هو مجرد صراخ الألم و الحسرة على الانتصارات الديبلوماسية المغربية في ملف الصحراء المغربية ،و سيزداد الصراخ و البكاء و الألم مع إدراج الاعتراف الأمريكي ضمن الأوراق الرسمية للقضية لدى مجلس الأمن المكلف حصريا بالملف ثم افتتاح قنصلية أمريكية بالداخلة المغربية…
لم نكن أبدا في موقع ” دفاع ” لأن المغرب لم و لن يكون أبدا في موقع ” إتهام “…خاصة عندما يكون الموضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية التي سَوًاها جلالة الملك من حيث الأهمية مع قضية الصحراء المغربية ٫ بمعنى ان الملف الفلسطيني و القدس هو مصيري بالنسبة للمغرب،لأن عدالة القضية و شرعية حقوق الشعب الفلسطيني..لم تكن مجرد شعارات جوفاء لدغدغة الشارع المغربي و العربي أو سد لفراغات عاطفية أو شعبوية سياسية مفضوحة ، بل هو إيمان راسخ و عقيدة ثابتة لا يزعزعها تصريح سياسي رخيص أو تحقيق إعلامي بئيس…
في سنة 1995 صدر للدكتور الأمريكي” جون آلان باوليس ” الذي يُدَرٍسُ الرياضيات في الجامعات الامريكية كتاب ” رياضي يقرأ الجرائد ” حيث سيُسافر الكاتب بالقارئ بطريقة افتراضية بين صفحات الجريدة السياسية او الاقتصادية او الإخبارية و الرياضية و غيرها من محتويات الجريدة …محاولا كشف زيفها و مغالطاتها اليومية باستعماله الاحصائيات و الرياضيات…
كما سجلت من جهة أخرى الأدبيات السياسية القول الشهير ” لبيرناردينو غريمارلدي ” وزير المالية في حكومة ” كايْرُولي ” الإيطالية سنة 1879 قوله ” انني احترم جميع الآراء لكن الرياضيات لست رأيا…”.
و بالفعل فإن لغة الأرقام و الإحصائيات لست بالرأي الشخصي ، الذي قد يتأثر بعوامل خارجية تجعله خارج الموضوعية و الواقعية و تجعله في مرمى الانتقادات..لانها لغة تخاطب العقل و المنطق و تجعل الرياضيات من العلوم العقلية و الحقة…
فالرياضيات ليست رأيًا ، لكنها تساعدنا على تكوين عناصر الرأي الموضوعي و على تشكيل صورة الواقع كما هو ، و ليس رأيا شخصيا قد يخدم مصلحة سياسية أو إقتصادية معينة ، و قد يخضع لاغراءات و مساومات قوية..
فبدون لغة الأرقام و الإحصائيات فان كل الخطابات و التصورات تبقى معيبة و غير مقنعة مهما بلغت قوتها البلاغية ، لأن قوة حِجِيَة لغة الأرقام و الإحصائيات تفوق بكثير كل الخطابات العاطفية و السياسوية الشعبوية..
لذلك فاننا نرأب بنفسنا بعيدا و دون السقوط في نقاش أجوف يحاول التشكيك في تاريخ العلاقة المغربية مع القضية الفلسطينية و القدس، لاننا نعتقد أن مجرد إعادة تلك المزاعم الفارغة أو الرد عليها ،هو بالضبط ما يهدف اليه أعداء الوحدة الترابية و الوطنية ، لأننا نكون نعيد بكل حسن نية تلك الاطروحات المدفوعة الأجر..وهذا لا يعني اننا لا نملك جوابا أو ردا قويا على كل تلك المزاعم…
لكننا سنتكلم بلغة الأرقام و الاحصائيات و سنُرصع ردنا على كل تلك الاستفزازت بجواهر من التواريخ التي لا تترك مجالا للخطابات العاطفة او مساحة لدغدغة مشاعر جياشة ، لأننا منطلق مقولة ” سنصلي في القدس… ” و نحن منطلق ” بيت مال القدس ” و ” لجنة القدس ” .
و لأننا نعتقد ان الرياضيات ليست رأيا ، بل تساعد في تشكيله و الوقوف فوق أرض صلبة ، فاننا ندعو المشككين و تُجار القضية الفلسطينية و القدس ، التأمل في ارقام عشرين سنة ( 1999/2020) من الالتزام الملكي و عشرين سنة من العمل الديبلوماسي و عشرين سنة من الدفاع عن قضية يعتبرها عاهل البلاد و معه كل الشعب المغربي ، انها ليست قابلة ان تكون في المزاد العلني لمرتزقة احترفوا العيش عالة على المجتمع الدولي حتي اصبحوا مصدر قلق و تهديدا لسلم المجتمع الدولي…
فبين سنوات 1999 و 2020 شكلت القضية الفلسطينية و الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني و قضية القدس و الدعوة للمفاوضات و لحل الدولتين…أهم محاور الخطابات و الرسائل الملكية ، إذ لم تخل كل الخطابات و الرسائل الى إشارات التنبيه أو التذكير أو الدفاع…كما شكلت حيزا هاما في كل تلك القنوات القانونية و الدستورية و الديبلوماسية…
إن لغة الأرقام و الاحصائيات تُخبرنا ان جلالة الملك محمد السادس وجه خطبا و نداءات و إلتزاما حول القدس والقضية الفلسطينية في 114 مناسبة ، و توجه جلالته للعالم في قضايا القدس وفلسطين من 31 دولة ، و من 33 مدينة غير مغربية ، و من 8 مدن مغربية ، كما تضمنت الخطب و الرسائل الملكية بين 1999و 2020اكثر من 473 فكرة تهم القدس و القضية الفلسطينية ، ونفس الفترة عرفت توجيه 13 نداء ،كما استعمل جلالته خلال تلك الفترة 477 مرة كلمة فلسطين و 387 مرة كلمة القدس ، و استعمل جلالته في خطبه و رسائله في نفس الفترة تعبير ” حل الدولتين ” 17 مرة ، و نبه الى الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني 214مرة ،كما تطرق جلالته لقضية القدس و فلسطين 19مرة في حفلات استقباله لزعماء الدول ، و تناول القضية الفلسطينية و القدس 17مرة في خطب عيد العرش…
لكل ذلك فعندما يبعث جلالته رسالة الى الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن يوم 20 دجنبر 2020يخبره فيها بموقف المغرب الثابت من القضية الفلسطينية و التزام المغرب الدائم و الموصول بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني و مذكرا إياه بالمكالمة الهاتفية ليوم 10 دجنبر بعد إعلان الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية الكاملة على صحراءه الى حدود موريتانيا…فان هذا يدخل من صميم الاقتناع و الايمان بعدالة قضية و حقوق شعب مشروعة..استحقت عناية خاصة من لدن كل ملوك المغرب على مر العصور..وهو ما يقطع حبل الكذب و ترويج الإشاعات امام تجار المواقف السياسية..فالصحراء مغربية و فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية اليوم وغدا..فلا نامت أعين الجبناء….