الخطر الكبير القادم إلى الصحراء
بقلم : عزيز ادامين
عرفت قضية الصحراء تطورات عديدة خلال العشرية الاخيرة، وخاصة بعد تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي، والذي حضي بترحيب دولي وأممي، بوصفه جديا وذا مصداقية، ويسعى بالمضي قدما صوب التسوية، مما جعل خصوم الوحدة الترابية يلجؤون إلى مناورات جديدة في حرب استنزاف ديبلوماسية تحت مطلبي “توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان”، و”حق الشعب الصحراوي في تقرير مصير ثرواته الطبيعية في الأقاليم الجنوبية”.
تطور مطلب “توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان”، من مطب ترفعه بعض المنظمات غير الحكومية الدولية، وبعض مكاتب الدراسات في الولايات المتحدة الامريكية، إلى مطلب تسلل الى أروقة الأمم المتحدة، سواء أمام الاستعراض الدوري الشامل لسنة 2012 في التسوية 63 المقدمة من قبل دولة كوستاريكا، والتي رفضها المغرب باعتبار أن مجلس حقوق الانسان غير معني بهذا الملف المتداول وفق الباب السادس أمام مجلس الأمن، أو من خلال تقرير السيد خوان مانديز المقرر المعني بمسألة مناهضة التعذيب سنة 2012 ، والذي طالب بإنشاء آلية بين حكومية إقليمية في المنطقة تتولى مهمة المراقبة، أو من خلال مشروع توصية سبق وأن تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة تجديد ولاية البعثة في المنطقة، والذي سحبته في الدقائق الأخيرة من عمر المشاورات، ليختتم هذا المسار أخيرا بتوصية صادر عن البرلمان الأوربي.
أما بخصوص موضوع الثروات الطبيعية، فلازالت التداعيات قائمة بخصوص قرار المحكمة الأوربية الصادر في العاشر من دجنبر، والقاضي بإلغاء الاتفاق المتعلق ب”إجراءات التحرير المتبادل في مجال المنتجات الفلاحية والمنتجات الفلاحية المحولة ومنتجات الصيد البحري”، حيث استأنف الاتحاد الأوروبي قرار المحكمة منتصف.
إن هذين المطالبين مجرد مناورات لمشروع أكبر يخطط له في المستقبل، والغاية الآنية منهما هي إلهاء المغرب في تفاصيل يمكنه تدبيرها بآليات وطنية كالمجلس الوطني لحقوق الانسان ولجانه الجهوية بالصحراء فيما يتعلق بموضوع حقوق الانسان، أو تبديل مجرى الاتفاقيات الاقتصادية على شكل اتفاقيات ثنائية والبحث عن أسواق دولية جديدة.
ويبقى الخطر الأكبر غير المعلن، متمثلا في مشروع استكمال المقومات القانونية لما يسمى “بالجمهورية العربية الصحرواية”، بهدف الذهاب بها إلى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة والمطالبة بالحق في العضوية.
وليكتمل هذا الحق لا بد من تشكل العناصر القانونية للدولة، متمثلة في الشعب والسلطة السياسية والأرض، وهذه الأخيرة هي مربط الفرص في هذه الاستراتيجية غير المعلنة.
فمنذ وقف إطلاق النار، أصبح المغرب يدبر الأقاليم الجنوبية باعتراف دولي باستثناء “المنطقة العازلة”، وهي منطقة ممتدة من الجدار الرملي (الشريط العسكري) الذي شيده المغرب وصولا إلى الحدود الجزائرية، وهي منطقة تعتبرها جبهة البوليزاريو أراض محررة، وتستعرض فوقها بشكل سنوي تشكيلات عسكرية وتقيم بها أعيادها الوطنية، وخاصة منطقة تيفاريتي.
هذا الموضوع يتسلسل بهدوء وبدون ضجيج في التقارير الأممية، ونستحضر هنا التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن، والمؤرخ في أبريل 2015، حيث يقول التقرير في فقرته 12: ولاحظت البعثة في الجانب الشرقي من الجدار الرملي، بالناحية الشمالية الشرقية من الصحراء الغربية زيادة في الأنشطة المدنية وأعمال تشييد البنيات التحتية المحلية في ست قرى، مما يعكس بوضوح البرنامج الذي أقره “المجلس الوطني الصحراوي” في نيسان/أبريل 2014، من أجل “توطيد ممارسة السيادة في الأقاليم المحررة”. وبدأت مناطق عديدة هُجر جزء كبير منها في عام 1976 ، تشهد حاليا عودة السكان الأصليين إليها من مخيمات اللاجئين، ولا سيما أثناء اعتدال الطقس في فصل الصي. غير أن العديد من المناطق التي تشهد أنشطة إنمائية أولية ما زالت تحتوي على كمية كبيرة من الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب، مما يحد من إمكانية تحقيق المزيد من النمو ويقلص مصادر الرزق ويعرض السكان للخطر”. (نهاية الفقرة).
وتضيف الفقرة 24 من التقرير نفسه أنه “وفي شرق الجدار الرملي، رصد المراقبون العسكريون بانتظام 93 وحدة، و8 مناطق تدريب، و38 مركز مراقبة، وكذلك 4 أنشطة تنفيذية أبلغت قوات جبهة البوليساريو عن قيامها بها. وراقبت البعثة ثماني مظاهرات قام بها مناصرون لجبهة البوليساريو على مقربة من الجدار الرملي من أجل التحقق من طابعها المدني الصرف ونزع فتيل أي توترات محتملة أو درئها. وفي بعض الحالات النادرة، اعتدى المتظاهرون لفظيا على مراقبي البعثة العسكريين، معربين عن استيائهم لغياب التقدم في المسار السياسي وعدم توصل الأمم المتحدة إلى تسوية”.
ويمكن وصف الملاحظة المقدمة من لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتاريخ 22 أكتوبر 2015 بالمنعطف الخطير، حيث نلاحظ في الفقرة 7 المعنونة ب”الجدار الرملي” ما يلي: “تحيط اللجنة علماً بالهاجس الأمني الذي أشارت إليه الدولة الطرف لكنها تشعر بقلق بالغ لأن الجدار الرملي المحصن بالألغام المضادة للأفراد الذي أقامته الدولة الطرف بين الأراضي الخاضعة لسيطرة المغرب من إقليم الصحراء الغربية وبقية الإقليم يحول دون تمتع الشعب الصحراوي كلياً بحقوقه المكرسة في العهد”.
وتضيف اللجنة في توصياتها في الفقرة 8 الموالية :”توصي اللجنة الدولة الطرف باتخاذ التدابير المناسبة لتمكين الشعب الصحراوي من الوصول بحرية إلى أراضيه وموارده الطبيعية ولم شمل أبنائه. وتوصي اللجنة الدولة الطرف بتسريع وتيرة برنامج إزالة الألغام من الجدار الرملي. وتطلب اللجنة إلى الدولة الطرف أن تقدم في تقريرها الدوري المقبل معلومات مفصلة عن تمتع الصحراويين بكافة حقوقهم المكرسة في العهد”.
إن ما قامت وتقوم به بعض الأطراف الدولية والمنظمات غير الحكومية من تشبيه لقضية الصحراء بقضية فلسيطن، ليس الغاية منه وصف الحالة بقدر ما الغاية من الوصول إلى أبعد ما وصلت إليه دولة فلسطين، وهي استكمال المقومات القانونية لوجود شعب، وسلطة سياسية، وإقليم “محرر” فيه استعراضات عسكرية ومشاريع تنموية.
وللإشارة فإن الأمم المتحدة حسمت في طبيعة وظيفتها في المنطقة عندما لاحظت أن “هناك اختلاف ملحوظ في تفسير الطرفين لولاية البعثة. فالمغرب يعتبر أن هذه الولاية تقتصر على وقف إطلاق النار والمسائل العسكرية، وإزالة الألغام وتقديم الدعم اللوجستي لتدابير بناء الثقة. أما جبهة البوليساريو، فترى أن تنظيم استفتاء لتقرير المصير يبقى هو العنصر المحوري للولاية. وتؤثر هذه الآراء المتعارضة بشكل مباشر في مصداقية البعثة لدى الطرفين، مما يؤثر في قدرتها على تنفيذ ولايتها وممارسة مهام حفظ السلام الأساسية بشكل كامل”. و”ترى” الأمم المتحدة بلغة آمرة وغير ديبلوماسية ” أن قرارات مجلس الأمن المتعاقبة تحدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية”. ومهام حفظ السلام الأساسية التي تضطلعها عمليات الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم تشكل الأساس الذي يمكّنها من تنفيذ ولايتها بفعالية، بما في ذلك إجراء التقييمات وإعداد التقارير عن الظروف المحلية التي قد تؤثر في أنشطتها وفي عملياتها السياسية” (الفقرة 39 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة سنة 2015).
من خلال ما سبق، نذكر أن السياسة الدولية والعلاقات الدولية قائمة على سياسة الأمر الواقع، وأنها تؤطر التحولات والمستجدات بما هي كائنة وليس بما يجب أن تكون، فحذاري من التغاضي عن الهدف الرئيسي لخصوم الوحدة الترابية، والحديث بلغة “التفعفيع”.