الريع في زمن ” التفرڭيع “
بقلم : صهيب لمرابطي
شتاء جاف و مرعب يصاحبه ارتفاع ثمن البطاطس في السوق المغربي ليقترب في الأفق الملتحي من ثمن برميل الخام الأمريكي، الأسعار تتسابق للانفجار و المجتمع مستسلم لقضاء الإدارة و قدرها، و لا أحد ينظر لمستقبل خلفه المنشغل بالرداءة و ستار أكاديمي، و لا آخر يلمح لضعاف الرعية المرميون في ما يشبه الجحور و “لي ما عندهمش عشا ليلة”، زيادات تتلوها أخرى تنشل فرانكاتهم على قلتها، أصحاب 70 درهما كأجر يومي كل مساء يوم عسير من “التحوفير” لا يملكون ماضي ولا حاضر فمدا عن المستقبل؟! فلذات أكبادهم تتمختر بين أزقة الشح المظلمة أملا في جرعاتهم اليومية من العدوانية و التشرميل، عقولهم تبدع في سبل الوصول لأكبر الكميات المهلوسة للإيقاع بضحاياهم من الطبقة المتوسطة المسحوقة بالحياة الرأسمالية، بهروبهم من زحام حجرات مدارس العمومية البئيسة هم اليوم مشروع جيل جديد من الفئة الكادحة في مغرب الألفية و الطاقة الشمسية، حقهم في السكن و الشغل و التعليم و التطبيب و العيش الكريم غير مضمون ، كذلك حقهم في الإفلات من غياهب سجون المملكة المكتظة بالمأساة الاجتماعية، عليهم أن لا يقلقوا فعلى الأقل حكومتهم شرعت في بناء عشر معتقلات جديدة تتسع لهم جميعا بميزانية تكفي لعشرات الحجرات القصديرية الفرعية.
و لأن الظلام يطغى على النور و الردع يسبق الحوار فلا أمل في تغيير تعاطي الدولة مع أولويات الشعب، لا صوت يعلو فوق صوت الانتهازية و الاستفاذة لأن لكل سيف كما للناس آجال، الكل ينظر لأيامه على رأس السلطة و كأنها ملايين و مناصب، منطق الاستفادة و الطمع يعميان البصيرة و لا أحد يدافع عن قضية ولا آخر يؤمن بمبدأ، حلم الكراسي يكشف بعض الحرباءات التاريخية التي بدأت تغير ألوانها كعادتها استعدادا للانقضاض على ما تتخيلها فريسة ريعية قادمة، وجهين لعملة الشعبوية و لغتها المنحطة الدالة على العوز الفكري و البؤس العلمي تتهم بعضها البعض بالموساد و الداعشية، ليس مجانا بل لأنهم فعلا وضعوا يدهم في يد البغدادي حينما تنكروا لدورهم الدستوري في تأطير شباب الأمة و تركوهم صيدا سهلا لتيارات التطرف الفكري و العقائدي، صفحات التاريخ تتبت كذلك مشاركتهم في استنزاف ثروات هذا البلد و نفيها إجباريا إلى البنوك الشمالية، رغم ذلك لا حرج لهم في الافتخار بهذا الماضي المشوه، كيف لا و قانونهم يحمي اللصوص و يحصنهم بحجة الموت و حضور مراسيم دفن الأقارب. إلى جانب أسلافهم يحتفضون بالمال و الجاه لأحفادهم لكن لما لا يتوارثون خصال العزة و تامغربيت الأجداد؟ كيف يقبلوا بالتنكر للأخلاق المحمدية و هم رافضون للتنازل عن المعاشات؟
العيب في المناضل الذي ترك الساحة لسماسرة الاستبداد و لجماعات القتل و “التفرڭيع” و نصب “الفايسبوك” سيدا للنقاش العمومي المؤثر، وجعل من الحواسيب و اللوحات وسيلة وحيدة للدفاع عن حقوقه بل للانتقام من الإرهاب و التعنيف الممارس عليه من طرف رجال السياسة، أقول رجال في غياب مؤهلات الريادة و رزانة الزعماء لأن الموقع الأزرق في عديد المرات نال من الجبناء منهم و هشم كبرياء السلطة و دمر نخوة الدولة.
في فترة انتقال النفوذ لدعاة الحقد و الاستثمار في المعتقدات و أباطرة التكفير و التفرقة الكل مختلف في وطني، لكن بعد قضية الوحدة الترابية يبدو أن هناك شبه إجماع حول التغيير في قادم الاستحقاقات، مفهوم التغيير مقرون بتمكين السلطة لمن يقدرها و يحترمها و يجعل منها وسيلة للمساهمة في إقلاع المغرب نحو الأفضل و لا يعتبرها غاية مادية، نحن في حاجة لأصحاب بروفيلات رنانة و كاريزمات مهيبة ليبقون على “الفايسبوك” في مكانه كموقع للتواصل الاجتماعي و يعيدون النقاش للميدان كمعقل تاريخي و منطقي للتواصل الفكري و التدافع السياسي، من يملكون الشجاعة ليعلنوها بصوت عال: “الآن سنفصل بين السلط”، من يمتازون بلسان فصيح اللغات راقي التعبير يقلل من حدة التشنج الحاصل في المجتمع، و من يرتكزون على تاريخ ناصع شفاف بعيد عن المحاكم و المتابعات، نريد زعماء بصبغة ليبرالية معتدلة ليخرجوننا من متاهات العقول المتحجرة و القلوب المستبدة السوداء، أليس هذا ما نحتاجه للحاق بركب الدول المتقدمة؟