هيستيرية الدولة في مواجهة بحالي بحالك
بقلم : عزيز ادامين
أقدمت السلطات الولائية بالدار البيضاء على منع نشاط منظم من قبل “مجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية” بتاريخ 02 يناير 2016، والهادف الى التحسيس بظاهرة التحرش الجنسي، ودفاعا عن فضاءات عمومية مشتركة بين النساء والرجال، ويتضمن برنامج النشاط تكريم لنساء بصمن التاريخ المغربي المعاصر.
ويعتبر هذا المنع غير استثنائي أو معزول أو شاذ، بل ممنهج ومفكر فيه، بعد سلسلة من عمليات المنع التي طالت مجموعة من الجمعيات الحقوقية والمدينة والحركات الاجتماعية، وقد شرعن هذا “المسلسل” بتصريح وزير الداخلية المغربي أمام البرلمان بتاريخ 15 يوليوز 2014، والذي يربط فيه مكافحة الارهارب بأنشطة الجمعيات الحقوقية التي تبخس مجهودات رجال الامن، بالاضافة إلى مسألة تلقي التمويلات الاجنبية من أجل خدمة أجندات خارجية …. وغيرها من الادعاءات الباطلة.
مما يطرح سؤال حول الهلوسة والهيستريا التي أصابت الدول حتى تلجأ إلى مثل هذه الاجراءات المنافية للتشريعات الوطنية ولالتزاماتها الدولية؟
قد يتبادر الى الذهن بشكل تبسيطي أن الدولة تقوم بإعادة تثبيت لهيمنتها التي سلبت منها في سياق حركة 20 فبراير والحراك الاقليمي، وبسط سيادتها أمام شركائها الدوليين ولاسيما الاتحاد الاوربي والمجلس الاوروبي.
ولكن بالرجوع إلى التاريخ السياسي للدولة المغربية ما بعد الاستقلال، نستشف أنها من “الكائنات” التي لا تعيش إلا بوجود “نقيض” أو “عدو” أو “خطر”، وإن لم يكن فإنها تصنعه وهميا، وذلك من أجل ضمان استمراريتها وبقائها، وخلق نوع من “البروباغندا” بكون السلم والامن رهين بوجودها.
في بداية الستينات من القرن الماضي، كانت الحركة الوطنية منافس قوي للدولة حول مشرعية “الوطنية”، وفي السبعينات كانت الحركات اليسارية الراديكالية والحركات السرية تصارع الدولة تحت “نيران العداء”، وفي الثمانينات ناهضت النقابات العمالية برنامج التقويم الهيكلي، أما في التسعينات فقد تمت “صناعة” السكتة القلبية من أجل إدماج المعارضة الاشتراكية في أفق ترويض الحركة الاسلامية، هذه الاخيرة كان تم ضبطها أمنيا مع انفجارات 16 ماي، وسياسيا مع حزب العدالة والتنمية وإديديولوجيا مع إعادة هيكلة الحقل الديني، وذلك في بداية القرن الواحد والعشرين.
في منتصف العشرية الاول من هذا القرن، برز فاعل سياسي جديد يشتغل بأدوات حقوقية ومدنية، لم تكن تتوقعه الدولة، مما جعلها تقوم بعملية استباقية بخلق “جيش” من الجمعيات تحت مسمى “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، وذلك بغية الامتداد داخل هذا الفضاء الجديد، ومن جهة أخرى بهدف نزع المشروعية المدنية القائمة على “التطوع” بخلق مشاريع تنموية وهمية.
اشتغال الدولة لأزيد من عشر سنوات باستراتيجية ضبط جمعيات المجتمع المدني، بصرف أموال طائلة وجهد كبير، لم يصل إلى مبتغاه، لعدة أسباب، أهمها عدم استيعابها لفلسفة وروح المجتمع المدني، الذي لا يسعى الى الاستيلاء على السلطة، أو المراهنة على الديمقراطية التمثيلية، بل يجعل من الديمقراطية التشاركية مدخلا لبناء دولة المؤسسات والقانون، وأيضا عدم استيعاب مفهوم “النضال المدني” الذي لا يبغي منصبا ولا مقعدا، وسبب ثالث يعود بالأساس لانخراط الجمعيات المدنية الجادة في الدورة العالمية سواء لحقوق الانسان أو التنموية ومؤخرا المناخية، وتبقى أسباب أخرى …
فشل الدولة في ضبط جمعيات المجتمع المدني، زاد عليه انفلات حركات اجتماعية وافتراضية ومبادرات فردية (الحريات الفردية، الاجهاض، المساواة، التحرش، محاربة الرشوة…) غير خاضعة لمراقبتها وأعينها، وغير مؤطرة بقواعد لعبتها القانونية.
بعد هذا المدخل، نجد أنه من الطبيعي أن تصاب الدولة بالهيستيريا، وترهن نجاح استراتيجيتها في ضبط المجتمع المدني الجاد، بتكتيكات أمنية وأخرى قضائية.
حين تصاب الدولة بالهيستيريا، فهو دليل على علتها، وعليها بالطبيب، وطبيبها ليس سوى الضمير الحي “للمواطن”.