الشعب .. الحيط القصير
بقلم : خالد أشيبان
“كانشكي ليه بالعكٌر، كايسولني آش خبار الدراري” .. هذا هو حال رئيس الحكومة بنكيران مع الشعب المغربي. فبينما تشير كل التقارير الوطنية والدولية، الرسمية والغير رسمية، إلى تراجع القدرة الشرائية للمغاربة، وفقدان ثقة المغاربة في السياسات العمومية، ولجوء أكثر من ثلثي الأسر المغربية إلى قروض الاستهلاك للتغلب على ارتفاع تكلفة العيش، جاء السيد بنكيران إلى مجلس المستشارين بالأمس ليزف للمغاربة خبر رفع الدعم عن السكر ابتداء من الشهر القادم.
خبر ليس بالغريب بعد كل ما عاشه المغاربة خلال أربع سنوات من عمر هذه الحكومة من قرارات كان شعارها الأساسي “الشعب يدفع ثمن الإصلاح من جيبه.
والغريب في الأمر هو أن تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات، بخصوص صندوق المقاصة، والتي لم يكلف السيد بنكيران نفسه عناء الإطلاع عليهما، لأن العلم لا فائدة منه في التسيير في هذا البلد، تذهب إلى نفس الخلاصة : 70% من مصاريف صندوق المقاصة لا تستفيد منها الأسر المغربية، بل الشركات والمؤسسات الكبرى.يعني أن السيد بنكيران “نقز على الحيط القصير” لأنه ببساطة لن يقدر على المساس بمصالح “اللوبيات” التي كان يتوعدها قبل إن يجلس على الكرسي.
وبما أن الانتخابات تقترب وأصوات النساء الأرامل وعائلاتهن مهمة، فيجب أن يوفر لهن دعما من دراهم معدودة سيدفعها الشعب مرةً أخرى من جيبه. ولنكون منصفين يجب أن نعترف بأن بنكيران وحكومته استطاعوا، بالأرقام، خفض العجز الذي خلَفته حكومة السيد عباس الفاسي.
لكن، ليكون السيد رئيس الحكومة ووزرائه منطقيين، يجب الاعتراف بأن نجاعة السياسات العمومية تقاس بأثرها المباشر على المواطن وليس على أرقام الميزانية العامة للمملكة، ويجب كذلك الاعتراف بأن كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كانت مجرد خضوع أعمى لتعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للحصول على المزيد من القروض وإدخال مديونية المغرب إلى منطقة الخطر.
هذا ليس مجرد استنتاج يخصني، بل هذا ما تؤكده الأرقام التي تبرر بها الحكومة الحالية كل قراراتها. واقع الحال، الذي يعرفه بنكيران وأتباعه جيداً، يقول بأن تكلفة العيش في المغرب ارتفعت كثيراً في السنوات الأربع الأخيرة، حيث أصبح يستعصي العيش بأجر موظف في السلم 11, فما بالك بأجور باقي الموظفين والمستخدمين والمهنيين والمتقاعدين و”طالب معاشو” ! تكلفة العيش ارتفعت لأن من يسير البلاد لم يفهم بعد بأننا نستهلك من السوق العالمية بثمن السوق العالمية فيما الدخل الوطني لا يساوي شيئا عالمياًة ولأننا لا ننتج شيئا داخليا يمكننا استهلاكه.
تكلفة العيش مرتفعة جداً لأن الدولة تخلَت عن دورها في توفير الخدمات العمومية للمواطنين من تعليم وصحة ونقل عمومي ومرافق رياضية وثقافية وغيرها من الخدمات.
المواطن المغربي البسيط اليوم يعاني لدفع ثمن تمدرس أبنائه، ويلجأ إلى المصحات الخاصة لأن المستشفيات العمومية أصبحت مجرد مجازر عمومية، ويدفع قيمة قرض مرتفعة طيلة ربع قرن ليضمن لأبنائه سقفاً يحميهم من البرد، ويضطر لدفع قيمة قرض لشراء سيارة توصله إلى عمله لأن النقل العمومي أفلس، هذا إن وجد أساساً. تكلفة العيش مرتفعة لأن المغربي المتوسط يدفع ضرائب على الدخل تفوق ثلث دخله ولا يتلقى في المقابل أي خدمات.
تكلفة العيش مرتفعة لأن مستوى الأجور في القطاع العام لم يتحرك منذ آخر زيادة أقرتها حكومة عباس الفاسي مجبرة لإطفاء غضب الشارع سنة 2011.
فعن أي دعم يتحدث السيد بنكيران ؟
أين وصل إصلاح التعليم؟
أين وصل إصلاح العدالة؟
أين وصل إصلاح قطاع الصحة؟
أين وصل إصلاح النظام الجبائي؟
ما هي القطاعات الجديدة التي أدخلتها هذه الحكومة إلى الدورة الاقتصادية؟
ما هي القيمة المضافة التي قدمتها هذه الحكومة في الميزانية العامة للمملكة؟
لن يجيبنا أحد عن كل هذه التساؤلات، لأن الجواب واضح للعيان. ولأن الشيء الوحيد الذي يتقنه وزراء الحكومة الحالية، إلا من رحم ربك، هو “البريكولاج” في غياب أي حس إبداعي يعطي حلول جذرية لمشاكل قد تفجر الأوضاع في هذا البلد في أي لحظة.
فكيف نأتي بعد ذلك لنتحدث عن الإرهاب ومكافحته، ونحن نوفر للإرهاب كل الظروف ليوجد ويعيش ويتمدد. يكفي أن تزور هامش أي مدينة لتقابل قنابل موقوتة فاقدة للأمل قابلة للانفجار في أي وقت !.