الـديبلوماسية الصحية و العلاقات الدولية في زمن كورونــا..
بقلم : د. عبد الله بوصـوف / أمين عام مجلس الجالية.
في 12 من شهر مارس الماضي صدر كتاب جديد لجوزيف ناي وهو الاب الروحي ” للقوة الناعمة ” أو ” القوة الذكية ” و يتضمن الكتاب الجديد ” هل الاخلاق ذات شأن …؟ العديد من الاجابات عن أسئلة طرحها الكاتب الأمريكي و تتعلق بموضوع الاخلاق وعلاقتها بالسياسة الخارجية الامريكية و العلاقات الدولية….وهل الاخلاق مهمة في السياسات الخارجية..؟
و قــد تناول ” جوزيف ناي ” وهو المفكر المتخصص في العلاقات الدولية تحليل ثـنائية الاخلاق و السياسة من خلال جرده لتجارب القادة الأمريكيين من روزفلت الى الرئيس الحالي ترامب…
و قد تزامن صدور الكتاب مع حدثين هامين الأول هو الحملة الانتخابية لرئاسيات الولايات المتحدة الامريكية ، و الثاني هو الحرب على جائحة كورونا…و حملات التضامن الدولي و المساعدات الدولية للدول الأكثر تضررا إيطاليا نموذجا ، و كل ما رافق ذلك من تحاليل تتجه الى تسييس تلك المساعدات و دخولها في نطاق تحالفات أيديولوجية او اقتصادية…مما جعل عامل الاخلاق يحضى بمساحة أصغر في عمليات المساعدات الدولية…وهناك من وصفها ” بديبلوماسية الكمامات ” او ” طريق الحرير الطبي الجديد ” او غيرها..مما ينفي عن كل تلك المساعدات المقدمة في زمن الحرب على كورونا أي وازع أخلاقي…
و قـد حضيت المساعدات الطبية الكوبية بالكثير من التعاليق…بحيث يُـمكن تبرير المساعدات الطبية الصينية لإيطاليا بالقوة الاقتصادية للصين ، و يُـمكن تبرير المساعدات الطبية الروسية لإيطاليا.. بكون روسيا هي دولة قوية و نووية و عضو دائم في مجلس الامن و فاعل قوي في مجال العلاقات الدولية…لكن صعُب أمْـر تبريـر المساعدات الطبية الكوبية لإيطاليا ، وهي الدولة القوية و المنتمية لمجموعة الدول الأكثر تصنيعا جي 7 و مؤسس للاتحاد الأوروبي..و..و..؟ هذا مقارنة مع جزيرة كوبا و تاريخ صراعها مع أمريكا و مقاومة زعيمها ” فيديل كاسترو ” لكل اشكال الحصار و العقوبات الاقتصادية الامريكية…
وهو ما يجعل الطريق سالكا لطرح أسئلة أخرى ، كهل مساعدات كوبا هي تضامنية ، أي ينتصر فيها عنصر الاخلاق..؟ ام هي نوع من خرق للحصار الأمريكي… واستراتيجية لفتح أسواق جديدة و تحالفات جديدة… و بالتالي يُمكن توصيفهـا ” بديبلوماسية صحية “…
فـقـد رفـع فيـديـل كاستـرو الرئيس السابق لكوبــا شعار ” أطباء …لا قنابل ” من بوينس ايرس عاصمة الارجنتين سنة 2003…و تأكيده على ان كوبا لن تتبنى ابدا هجومات مسلحة استباقية ضد البلدان الأخرى ، بل ستكون مستعدة لارسال اطبائها الى كل اقطار العالم عندما يُـطْلب منها ذلك… وهو ما يعني ان ” الديبلوماسية الصحية ” تعتبر جُـزءا من العقيدة الأيديولوجية و السياسية لكوبـا، ليس فقط بمناسبة جائحة كورونا حيث أرسلت اكثر من 800 من أطباء و ممرضين و متخصصين في علوم البيولوجيا الى اكثر من 13 دولة مختلفة لمحاربة فيروس كوفيد 19المستجد…بـل إن كــوبا وقًـعت على حضورها من خلال حضور اطبائها في كل الكوارث السابقة كزلازل الباكستان و اندونيسيا و وباء الكوليرا في هايتي و فيروس ايبولا في افريقيا الغربية….و قبل اكثر من 60 سنة عندما ارسلت كوبا أول بعثة أطبائها الى الجزائر سنة 1963 …كما استجابت كوبا لطلب Cyril Ramaphosa رئيس جنوب افريقيا و أرسلت له حوالي 200 من الأطر الطبية و الممرضين للمساعدة في الحرب على جائحة كورونــا…كما أرسلت بعثات طبية أخرى الى العديد من الدول الافريقية…
وهو ما يعني ان القطاعات المرتبطة بالمجال الصحة و التمريض و الطب الرياضي هي قطاعات استراتيجية بالنسبة للسياسة الخارجية لكوبا ، و موجهة أساسا لخدمة العلاقات الخارجية لكوبا ، كما يتــم تسخير الأطر الطبية الكوبية لفك الحصار و العقوبات الاقتصادية…وهو ما نجحت فيه الى حد كبير عندما أرسلت اطبائها الى إيطاليا لمواجهة فيروس كوفيد 19..و تم اعتبار ذلك حدثا سياسيا كبيرا باعتبار ان إيطاليا هي من الدول السبع الأكثر تصنيعا في العالم و مؤسس للاتحاد الأوروبي و عضو في الحلف الأطلسي ( الناتو )…كما انها أرسلت اطبائها أيضا الى ” امارة أندورا ” باسبانيـا…
كل هذا يجعلنا نميل الى تغليب السياسة و المصالح و التحالفات الاستراتيجية في مسألـة المساعدات الدولية ، اكثر من كفة التضامن و الاخلاق…وان الامر يدخل في مجال ديبلوماسية القوة الناعمة او القوة الذكية….
كما يـدفعنـا من جهة أخرى ، الى التفكير في آليات جديدة تسمح لنا نحن أيضا ، بجعل كل من الصحة و ما يرتبط بها من مجالات كأحد آلـيات ” الـديبلوماسية الصحية ” خاصة في العمق الافريقي و كيف نجعل منها مصدر قـوة و تأثير في مجالات أخرى…؟
صحيح ان القطاع الصحي المغربي يعيش أوضاعا غير سليمة…لكـن تجربة جزيرة كوبا الصغيرة تجعلنا نقف على ان المشكل ليس هو الموارد المالية فقط ، بل أولويات السياسات العمومية…و مجال لـتجديد و ابتكار في آلـيات جديـدة في مجال الـديبلوماسية الناعمة..
لقد جعلت كُـوبـا من أطبائهـا جيـوشا و سفـراء في كل العالــم ، حتى انها اغرقت القارة الافريقية بالاطباء و الممرضين … وهو ما عاد عليها بمداخيل مهمة من العملة الصعبة في شكل استثمارات و وفـود سياحية و غيرهـا.. بالاضافة الى إنجازات سياسية و إيـديولـوجيـة في اطار العلاقات الدولية..
وهو ما يجعلنا على موعد جديد مع قواعد لعب جديدة ، خاصة ما بعد زمن كورونا…حيث يجب إعطاء الأولوية للقطاع الصحي ، ليس لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الامن الصحي و بجودة عالية فقط ..بل لـنجعل منه ديبلوماسية ناعمة و ذكية خاصة في العمق الافريقي..و اعتباره قطاعا استراتيجيا حيويا للسياسة الخارجية المغربية ، مما يُــوجب معه خلـق ” المجلس الأعلى للصحة ” الى جانب المجلس الأعلى للتعليم و المجلس الاعلى للأمـن…
نعتقـد اننا تأخرنـا بالفعـل في مجال ” الـديبلوماسية الصحية ” لكـن هذا لا يعني الاستسلام لاكراهات مرحلية… و لأن رحلـة الألـف ميـل تبـدأ بالخطوة الأولى..فاننا نعتقد أن الخطوة الأولـى هي الـمجلس الأعلى للصحة…