زنقة 20 . العربي الجديد
لا التراشق السياسي في التصريحات المتبادلة بين طهران وأنقرة، ولا انتقادات الداخل الإيراني، كانا كفيلين بإلغاء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران، أمس الثلاثاء، برفقة وزير خارجيته مولود جاووش أوغلو وعدد من الوزراء في حكومته الذين التقوا مع نظرائهم الإيرانيين في جلسات متعددة، لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية، التي يبدو أيضاً أنها لن تتأثر بالخلافات السياسية. أبرز ما في الزيارة كان اللقاء الذي جمع أردوغان بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، حيث التقاه بحضور الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزيري خارجية البلدين فضلاً عن مستشار المرشد علي أكبر ولايتي، وهذا اللقاء كان كفيلاً بإنهاء الجدل الدائر حول هذه الزيارة التي تعرضت للعديد من الانتقادات الإيرانية إثر التصريحات الأخيرة التي وجهها الرئيس التركي لطهران، مطالباً إياها بسحب قواتها من اليمن وسورية والعراق.
ونقلت المواقع الرسمية الإيرانية أن أردوغان بحث مع نظيره الإيراني أبرز تطورات الملفات الإقليمية، وخاة تلك المتعلقة بسورية واليمن والعراق، وبعد عقد اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، والذي أسفر عن توقيع ثمانية اتفاقات اقتصادية وإصدار بيان مشترك، خرج كل من أردوغان وروحاني في مؤتمر صحافي مشترك، أكدا خلاله على اتفاقهما لحلحلة بعض القضايا في المنطقة. وقال روحاني في هذا المؤتمر، إن الطرفين اتفقا على دعم قرار وقف إطلاق النار في اليمن، درءاً لتشعب التهديدات، ولإيقاف النار التي ستمتد إلى مناطق أخرى، قائلاً إنه يجب دعم الحوار لإنهاء الأزمة في اليمن وإيصال المساعدات الإنسانية اللازمة لليمنيين. روحاني الذي وصف محادثاته مع نظيره التركي بالإيجابية ركز في تصريحاته على ضرورة الوقوف بوجه التطرف والعنف في المنطقة، معلناً أن كلاً من طهران وأنقرة اتفقتا على حماية الشريط الحدودي الممتد بين البلدين، لمنع مرور المنتمين إلى “التنظيمات الإرهابية” عبرهما.
من جهته، أكد أردوغان ضرورة إطلاق حوار مشترك والتعاون لأجل حلحلة أزمات المنطقة، مركزاً على ضرورة “حقن الدماء” في سورية والعراق أيضاً، و”إيقاف المجازر المرتكبة هناك”. تأتي زيارة أردوغان هذه بعد زيارة أخرى لولي ولي العهد السعودي محمد بن نايف، إلى أنقرة ليل الإثنين، فقد التقى هذا الأخير بالرئيس التركي، وقرئ الأمر في الداخل الإيراني على أن أردوغان الذي صعّد من تصريحاته ضد طهران إبان البدء بعمليات عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية، يحمل بيده رسالة إلى إيران. ولطالما وقفت طهران على الضفة المقابلة تماماً للرياض، عندما تعلق الأمر بقضايا إقليمية حساسة، فالموقف مما جرى في سورية والبحرين، واليوم في اليمن، كان كفيلاً بضرب كل محاولات التقارب بين الطرفين الإيراني والسعودي، وعلى الرغم من أن مواقف الحكومة التركية أكثر قرباً من تلك السعودية إزاء هذه القضايا، إلا أنه ليس من الضروري أن تتأثر علاقاتها بإيران سلبيا، خاصة مع وجود علاقات اقتصادية استراتيجية بين البلدين.
لطالما استطاع الطرفان الإيراني والتركي احتواء الأزمات بينهما عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة، كا أن نية الطرفين المعلن عنها من طهران بزيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى ثلاثين مليار دولار كفيلة كذلك بتهدئة المشاكل، فالعلاقات الثنائية بين هذين القطبين الإقليميين مختلفة عن علاقات إيران مع أطراف أخرى. وأتت هذه الزيارة بعدما بدأت طهران بتكثيف جهودها الإقليمية في محاولة لإيجاد حل لأزمة اليمن عساه يعيد التوازن بين القوى الإقليمية. وقد أرسلت وزارة الخارجية الإيرانية وكيلها مرتضى سرمدي، قبل مدة، ليقوم بجولة إقليمية بدأها من العاصمة العمانية مسقط، وتوجه بعد ذلك إلى تونس، وجاء هذا تزامناً مع وجود رئيس الدائرة العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان في الكويت، وأكد كلاهما على ذات الموقف الذي ينقل إن إيران تريد دعم حوار بين الأطراف اليمنية، وإن كان هذا عبر دولة وسيطة.
عبد اللهيان، بحث الثلاثاء عبر اتصال هاتفي مع مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف موضوعي سورية واليمن، ليؤكد ضرورة إيقاف عمليات عاصفة الحزم، قبل أن تشعل هذه الضربات المنطقة بأسرها، مطالبا الطرف الروسي بتكثيف مساعيه لدعم البدء في الحوار اليمني-اليمني، مشيراً أيضاً إلى أن الحل السياسي هو الوحيد القادر على إنقاذ السوريين أيضا، بحسب تعبيره، فيما انتقد بوغدانوف حسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “دور بعض الأطراف في المنطقة في تسليح أفراد ومجموعات إرهابية والتي أدت إلى تعقيد الوضع في سورية”، فضلا عن انتقاده عاصفة الحزم في اليمن.
وفي مسعى آخر، اقترحت إيران أيضاً أن تتولى سلطنة عُمان دور الوسيط في هذا الملف، والإعلان عن توجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، صباح الأربعاء، إلى مسقط، يشي بتفعيل الدور الإيراني المتعلق بهذا الأمر.
ونقلت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، أن ظريف سيتوجه من سلطنة عمان إلى باكستان عصراً، ليلتقي المسؤولين هناك، قائلة إن هذه الزيارة كانت على جدول أعمال الوزير منذ شهر، ولكن مواقع دولية نقلت في وقت سابق أن ظريف سيزور إسلام أباد قريبا لبحث تطورات الأوضاع في اليمن.
كل هذه التطورات تنبئ بأن المساعي الإيرانية لن تتوقف خلال هذه المرحلة، ولاسيما مع تهدئة الأجواء بين إيران والغرب إبان جولة مفاوضات لوزان، وزيارة أردوغان إلى طهران، وإن جاءت لتؤكد على استراتيجية العلاقات بين الطرفين برغم الخلافات، لكنها تنبئ، بحسب مراقبين للساحة الإيرانية، بتحركات دبلوماسية مرتقبة، وخاصة في ما يتعلق بالشأن اليمني.