إخوان المغرب على بعد خطوات من “التمكين”
بقلم : محمد رضا الرحماني
قد يبدو من العبث العلمي و الترف الفكري محاولة إعادة الربط الإيديولوجي و العقدي بين حزب العدالة و التنمية و ذراعه الدعوي (مركز القرار و التوجيه) المتمثل في حركة التوحيد و الإصلاح و التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مصر، و ما على القارئ إلا الرجوع إلى مراجعات عبدالإله بن كيران على قناة المحور و كذا حوار السيد محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد و الإصلاح مع الإخواني الآخر أحمد منصور في برنامج بلا حدود بالإضافة إلى خرجات قيادات الإخوان على صفحاتهم الفيسبوكية (عبد الصمد الإدريسي و غيره). و رغم إصرار إخوان المغرب على إنكار أي ارتباط لهم بالتنظيم الأم في تقية دينية و سياسية واضحة فإنهم يقرون بأن الاستقلالية تبقى تنظيمية بالأساس رغم التلاقي الموضوعي في الطروحات و الأطروحات و وحدة الأهداف. و لعل غياب أدبيات مكتوبة توثق لفكر الجزب و الحركة على السواء يعكس ذكاءا ثاقبا و يدخل في إطار المداراة الدينية التي جنبت الحزب توثيق بعض المواقف التي تعتبر ذات حساسية بالغة على مشروعه الايديولوجي (الوطن، الملكية، الديموقراطية، الموقف من جماعة الإخوان المسلمين و استراتيجية التنظيم على المدى البعيد……). و نرى أن عدم توثيق أدبيات الحزب و الحركة معا مرضه إلى ا استفادة من التجربة المصرية حيث استطاع الباحثون و المراقبون و المتتبعون للجماعة الوقوف على الأخطاء التاريخية للجماعة و بعض الجرائم البشعة التي دونها أعلام و مؤسسيها (أحمد عادل كمال (النقاط فوق الحروف)، صلاح شادي (حصاد العمر)، علي عشماوي (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين) و كلهم قيادات من الصف الأول في الجماعة و مؤسسين بارزين للتنظيم الخاص و هو الجناح العسكري في جماعة الاخوان المسلمين و الذي كان يتزعمه عبد الرحمان السندي…..
السيد عبد الإله بن كيران عبر مباشرة بعد فوزه في العديد من المدن الكبرى صرح أن هذه النتيجة جاءت كنتاج لمجهودات دامت أكثر من 20 سنة من العمل المتواصل و المستمر أعطى للحزب هذه المساحة من الانتشار في صفوف الطبقات الاجتماعية بمختلف تكويناتها و تشكيلاتها لتنضاف إلى النجاح الباهر الذي حققه الحزب على مستوى الانتخابات التشريعية لشهر نونبر 2011 و التي بوأت الحزب المرتبة الأولى و بالتالي قيادة التجربة الحكومية في مرحلة ما سمي بحكومات الربيع العربي.
و قد لاحظ بعض الفاعلين السياسيين و انتقد بعدهم الآخر حضور الخطاب الديني القوي في التعبيرات السياسية لعبد الإله بن كيران. ورغم أن هذا الأخير أصر على استعماله كجزء من المعتقد الحزبي و كذا التكوين الشخصي فإن حقيقة الاعتقاد عند هذا المكون السياسي-الديني تروم بالأساس إدخال عامل الدين فى السياسة الذي يعتبر اساس انطلاقة الجماعة الأم بمصر فى خطابها السياسى وهنا عادة ما يجد الحزب نفسه محاصراَ ما بين هذا الخطاب (الديني) الذى يفترض فيه المصداقية وما بين تقلبات السياسة ومواقفها التى تتطلب اساليب اخرى لا تتوفر عند اهل هذا التنظيم ليفاجأ الكثير من مؤيديهم بالتناقضات التى تحدث منهم وخاصة عند معالجاتهم لتلك الاساليب بطرق و آليات مختلفة اهمها العنف اللفظي والكذب و المداراة، حيث لا يتردد الحزب في إيجاد المنطلقات القرآنية لتبرير العنف و التجريح و القذف و السب. ففي الوقت الذي يبرر به أحد رموز الإخوان في مصر ممثلا في وجدي غنيم هجومه على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين يقول: “اللهم عليك بالسيسي … ومن أيده … ومن فوضه … ومن سانده … ومن سكته عليه … ومن برر له … اللهم أذقهم مرارة الداء … وفقد الأبناء .. وثكل النساء …. لا ترفع لهم رايه … حل بينهم وبين كل غايه … رمل نساءهم … يتم أطفالهم … شل أركانهم .. اجعل دائرة السوء عليهم … اللهم أرنا فيهم يوما أسودا قبل الممات” (الصفحة الرسمية للمدعو وجدي غنيم)، نجد يبرر هذا الهجوم بالآية القرآنية: “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ” (النساء الآيات 148-149). نجد السيد رئيس الحكومة المغربية يستنجد بنفس الآيات الكريمات من أجل تبرير عنفه اللفظي اتجاه باقي الفاعلين السياسيين. هذا و قد استشهد السيد عبد الإله بن كيران بنفس الآية الكريمة قبل بضعة أيام خلال المناظرة التي نظمتها إذاعة mfm بشراكة مع جريدة المساء.
وقبل أن نستعرض إلى الانتشار “الخطير” للحزب الحاكم في دواليب الدولة، وجب إحاطة القارئ الكريم بخطة التمكين التي تتبناها جماعة الاخوان المسلمين و التي يعبّر عنها إعلاميا ب”وثيقة التمكين” و التي تم ضبطها بمكتب خيرت الشاطر (الرجل رقم واحد في التنظيم) في شركته الخاصة (سلسبيل).
خطة التمكين تهدف بالأساس (حسب أدبيات جماعة الإخوان المسلمين) التغلغل في هياكل الدولة و بسط سيطرتها عليها و الانتشار في النسيج المجتمعي و بسط ثقافة الحزب-الحركة وسط مجموع المواطنين بمختلف تكويناتهم من خلال أربع آليات ممكنة:
الآلية الأولى: الحث على التغلغل فى قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين ورجال الاعمال ومؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة، وتركز على ضرورة التغلغل فى المناطق والفئات الشعبية. فالإخوان يعتبرون أن هذا الانتشار يزيد فرص الجماعة فى عملية التمكين ويجعل مواجهة الدولة مع الجماعة أكثر تعقيداً وأكبر في الحسابات.
الآلية الثانية: الانتشار والتغلغل واختراق المؤسسات الفاعلة وهى الجيش والشرطة والإعلام لأن هذه المؤسسات هى الأكثر قدرة على تحجيم الجماعة، إضافة إلى اختراق المؤسسات الدينية لما لهذه المؤسسات من قدرات واسعة وتأثير طويل المدى وكذلك المؤسسة القضائية والتشريعية التى تصفهم الخطة بأنهم لديهم فاعلية القدرة على التغيير فى الموقف لصالح الجماعة.
الآلية الثالثة: ضرورة التعامل مع القوى الأخرى الموجودة فى الشارع المصرى، والقوى الأخرى بالنسبة للإخوان هم كما حددتهم الوثيقة الذين يؤثرون سلبا أو إيجابا على رسالة الإخوان مثل السلطة، ويتم التعامل معها (بالاحتواء بتوظيف أجهزتها فى تحقيق رسالتها من خلال اتخاذ القرار أو تغيير نظمها) أى عملية أسلمة الدولة، والأسلوب الثانى هو التعايش بمعنى العمل على إيجاد صورة من صور التعايش مع النظام بالتأثير على الأوضاع بما يجعله حريصا على استمرار وجود الجماعة، وثالث أسلوب تطرحه الوثيقة هو التحييد أى عن طريق إشعار السلطة أن الإخوان ليسوا خطر عليها وإنهم لا يسعون للحكم، وآخر أسلوب من أساليب الإخوان فى مواجهة الدولة طبقا لوثيقتهم هو تقليلفاعلية الدولة في التأثير على خطة التمكين.
الآلية الرابعة: تهم التعامل مع الأحزاب السياسية وجماعات الضغط التى تعرفها الوثيقة (وثيقة التمكين) بأنها النقابات المهنية والتجمعات العائلية والقبلية والمنظمات الدولية «لحقوق الإنسان»، وتحدد الوثيقة أساليب التعامل مع هذه القوى بالدخول والسيطرة على مراكز القرار فيها وتوجيهها من الداخل والأسلوب الثانى أنه إذا تعثر الاختراق والتوجيه من الداخل فليكن تنسيق وتوجيه من الخارج ولابد من أن يكون التنسيق فى المساحات المشتركة، وإن لم توجد المساحات المشتركة فلابد من ايجاد “المصالح المشتركة”.
هذا و رغم ما يعلنه الحزب-الجماعة (العدالة و التنمية) دوما من عدم طموحه للوصول إلى السلطة، فإن الواقع يذهب عكس ذلك، و نحن على يقين أن استراتيجية الحزب تقوم على أساس مجموعة من الثوابت المتعلقة أساسا بالتحالف مع المؤسسة الملكية بحكم قوتها و ترسخها في المخيلة الشعبية و عزل باقي القوى السياسية و من تم الانفراد بالمؤسسة الملكية في أفق تحييدها أو القضاء عليها.
كما عمل الحزب على السيطرة على الإعلام الإلكتروني من خلال التواجد القوي بالفضاء الافتراضي من خلال “الكتائب الإلكترونية” و الحديث إلى جميع المنابر الاعلامية و الهجوم بالمقابل على المنابر الإعلامية المعارضة لفكرهم، مستمدين شرعية هذا الهجوم من ما يسمى بلائحة الإخوان المسلمين الذي يعتبر بمثابة دستور الجماعة و الذي ينص على ضرورة: “….تنقية وسائل الإعلام مما فيها من شرور و سيئات…”.
كل هذا و القوى السياسية الأخرى تمارس سياسة الطرشان و لغة الخشب مع هذا المكون الغريب الذي احتل الساحة السياسية و يهدد بالفوضى و الويل و الثبور لكل من اعترض على “مشروعه التوسعي”. و حتى حين انتقد السيد فريد الأنصاري رحمه الله (و كان من قيادة الحركة و الحزب) سياسة الحركة و الحزب بالقول في كتابه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب” أن “كل ما تقدمون عليه هو عمل شعبوي تلعبون على جوانب روحية و نفسية من أجمل كسب تأييد البسطاء و يلاحظ هذا التوجه من خلال استغلالكم العمل النقابي و العمل الطلابي الذي يطغى عليه الأنا و لا أحد” انتهى كلام، ووجه بنقد لاذع من طرع رفاق الأمس و خصص له السيد أحمد الريسوني ردا من خمسة مقالات في جريدة التجديد.
وهنا نسائل الأمين العام للحزب عن أقواله في برنامج حوار حين كان رئيسا للمجلس الوطني لحزب العدالة و التنمية حين قال أن الحزب كان متخوفا من تغطية جميع الدوائر الانتخابية في انتخابات سنة 1997 مخافة “…..أن نجر بلادنا إلى اضطراب غير مقبول كما وقع في الجزائر حينما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ ف ب 80 بالمائة من عدد المقاعد في الدور الأول من ا الانتخابات التشريعية”. و لا مجال للتذكير بالأحداث التي عرفتها الجزائر بعد ذلك فيما عرف بالعشرية السوداء (1991-2001) بعدما لجأ الإخوان الجزائريون إلى حمل السلاح و تأسيس الجيش الإسلامي للإنقاذ ( AIS) الذراع العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ و الصعود إلى الجبال. و هنا كان السيد عبد الإله ببن كيران يرى أن زمن “التمكين” لم يحن بعد، أما الآن و قد دانت له المدن الكبرى فإنه لن يسمح بأي تدخل في تغيير النتائج و إلا فهو اللجوء إلى الشارع مع ما يمكن يشكل هذا الاخيار من تهديد للأمن و النظام العام و بمعنى آخر يعيد صياغة شعار الإخوان المسلمين في مصر “نحن أو الفوضى” و “دون مرسي الرقاب” و “من رش الرئيس بالماء سنرشه بالدم” و غيرها من العبارات التي أوغل فيها القيادي الإخواني صفوت حجازي.
و رغم هذا الاكتساح الذي أحرزه حزب العدالة و التنمية على صعيد كبريات المدن، يخرج أمينه العام يوم 05 شتنبر 2015 ليعبر بخبث و مكر سياسيين أنه “حزين” لأنه لن يتمكن من تسيير عدد كبير من الجهات. هذا الطمع أو الطموح السياسي يفهم منه أن “الزعيم” يرى أن الانتخابات الجماعية فوتت عليه فرصة “التمكين” و بالتالي فهو مدعو لمزيد من الانتظار و الترقب و التنازل و التقية في واقع سياسي لا يمكن توقع نتائجه و جماهير متقلبة و غير محصنة و بالتالي غير مضمونة الولاء.
و بعيدا عن آليات الاستقطاب و الاختراق، فإننا ندعو كافة المواطنين و الفاعلين بجميع تشكيلاتهم و ألوانهم إلى الوقوف مع الذات و الرجوع إلى تصريحات قياديي الحزب الحاكم و تتبع صفحاتهم و خرجاتهم و مقارنتها بأدبيات الجماعة الأم بمصر بعيدا عن أحكام القيمة و المسبقة و دعوة للتأمل و التفقه و النظر بعين ناقدة باردة و فتح نقاش جدي و صادق و صريح حول حقيقة الانتماء و ندعو الحزب الحاكم إلى كتابة مراجعاته و مواقفه (أقسم بالله لن يفعل) حتى يتسنى للجميع رؤية هذا الحزب رؤية موضوعية بعيدا عن الارتباط بشخصية رئيس الحكومة الذي ما زال يصر أن يضحك أو(على) المغاربة.