سأبيع صوتي لمن يدفعْ أكثر…!!
بقلم :محمد لعبيدي
تبقى التجربةْ السياسيةْ مهما طالتْ غير مكتملة وفاقدة لأحد اهم مقوماتها، التي تتجلى في العملية الانتخابية، وما يصاحب هذه الاخيرة، من مفاهيمْ وأنماط، تختلف باختلاف اماكن اجراءها، كأن تتحدث حول عملية انتخابيةْ، تدور وقائعها في بلادْ الويلز أو الغال، ليس ذات الشيء حينما تتحدث عنها في بلادْ “ماسينيسا ويوغرطا” وغيرهمْ، فهنا للعمليةْ، شروطها الذاتية والموضوعيةْ، التي تختلف تماما في جوهر كما في شكل عن نظيرتها في الدول الغربيةْ، ويرجع ذلك بالاساس الى طبيعة وبنيةْ النظام هنا، وكذا أنماط تشكل النخبْ، وعلاقات المخزن بباقي المكونات الدينية منها، والسياسيةْ، هذه الاخيرةْ، التي تستمد شرعيتها من ضربة عصا ” الاعيانْ”، ويشير السيد العطري في كتابه “سيوسيولوجيا الاعيان..آليات انتاج الوجاهة السياسية”، بأن الاعيان، والذي كلما قرأت له، أقر بأنه المسؤول عن ادخالنا دوامة القلق الفكري، عبر اقتحامه لمواضيع ومفاهيمْ، توضح لنا الرؤية اكثرْ، مما يزيل عنا ولو بشكل غير ظاهر حالات الضبابية، التي يقبع فيها المجتمعْ وشرائحهِ، (يشير) موضوعاتياً على أن الاعيانْ كظاهرةْ “لاتزال قوية الحضور، عبر لعب أدوار مختلفة تضمن للعين في كل مرحلة وفاءه للطرف المسيطر ميدانيا مقابل حيازته الدائمة لرساميل القوة والتميز. إنه الغنم الذي ما زال العين يجتره إلى الآن. وجاهة اجتماعية تنتقل عبر الأجيال في إشارة قوية إلى إنتاج وإعادة إنتاج المعايير الاجتماعية.”
ومعناهْ، نسجلْ بخجلْ “حيازة الثروة”، التي لازال يتساءلْ البعض، عن مكانهاَ، والنقطة الثانية، “توريثها بين الاجيال”، وهنا كذلك قد تبرز خلفيات بؤس شرائح واسعة من ابناء هذه البلادْ، وعليه موضوعاتيا، تظهر ثنائية القهرْ، الذي يمارسه “الاعيان” على باقي مكونات افراد المجتمعْ، ولعل ما تفجر مؤخرا ايام قبيل الانتخابات القادمةْ، وبروز “الاعيان” بقوة في سطح، وتهافت جميع الاطياف السياسي، وتوسل خدماتها، يظهر مدى هشاشة الاحزاب السياسية المغربيةْ من جهة، وكذا قوة العلاقة المتينة بين المخزن والاعيانْ، هذه العلاقةْ، التي انضاف اليها ولو ظاهريا عنصر ثالث يتجلى في اسلامي العصر، أو الاسلامي السياسي بصيغته المغربيةْ، وتعتبر هذه العلاقة الجدلية الثلاثية، أقوى بنيةْ سياسية، استطاع العلويون بلوغها منذ تأسيس دولتهم في المغرب الاقصى، وعليهْ يبدو الامر اكثر تعقيدا مما قد نتصور، وما يتمظهر وان على مستوى الشكل من ممارسات وأنماط، جاءت نتاجاً لمخاضات باطنيةْ، بين المكونات الثلاث.
ليس المراد هنا تعداد مقومات دولة ضاربة في القدم، وانما محاولة معقدة لبسط أوراقْ اخر طفرة سياسيةْ، استطاع المخزن تحقيقها، منذ رحيلْ ربيع الديمقراطيةْ، ليحل محلها ما سبق وان تدوالناه آنفاً، ولا هي محاولة من اجل تفكيك بنيات النظام الفوقيةْ، اذ صار عاديا جداً تداول مفاهيمْ من شأنها ان تزعزع اعرق الديمقراطيات الغربية، لو تم تداولها، وحتى وان تبثت نيات سابقة لاستخدامهاَ، عندما نقر بأن للاعيان دور طلائعي وقيادي في تحديد معالم الخريطة الانتخابية، وبعدها السياسية للبلادْ؛ فذلك معناهْ محددات هذه المعالم وعواملْ وانتاجها، تتناقض وجوهر العملية الديمقراطيةْ، قد يقول البعض ان محاولة انتخابية فاشلة افسدتها الاوليغارشيةْ وتحالفاتهاَ، وقد يقر البعض الاخر على أنها عملية ناجحة وفي منتهى الشفافيةْ، الا ان المنطق والواقعيةْ، يؤكد ما يقوله اصحاب الطرح الاولْ، وكيف لا يقول ذلكْ، وهناك من تربع على عرش بعض المجالس المنتخبة لاكثر من أربعة عقود، ومنهم من فضل التواري الى خلف والدفع بابنائهمْ، والاسوءْ هم أولئك الذي يعتقدون جازمين ان عملية انتخابية لا تستقيم الا اذا دخل العملية بيعْ وشراء وعملات تقدر بالملايينْ، وكأن الخريطة السياسية في نهاية هي من صنع المال، وكيف لها ان تخدم مصالح غير مصالح المالْ.
وفي نهاية انا الاخر سأبيع صوتي، ولا أرى في ذلك حرجاً، اذ كان المشتري كفيلا بمقايضتي بعملةْ الحريةْ ودراهم الكرامةْ، وموائد العدالة الاجتماعية، لن أبيع له صوتي وفقط وانما سأمسي رجعيا، وارغم زوجتي هي الاخرى ان تبيعه صوتها، واغري باقي الاصدقاء، وهكذا ودواليك ، الى اخر فرد في اخر منطقة نائية في هذه البلاد.