الصحافة الغوغائيـة !!
بقلم : أحمد عصيد
يعرف رجال ونساء الإعلام بالمغرب بأننا نكن لهم كل التقدير والمحبة، فلولاهم لما عرف الناس الكثير مما يعانيه المواطنون المغاربة سواء في الحواضر أو البوادي، من ألوان العسف وهدر الكرامة، غير أنه بين الفينة والأخرى تقع بعض الأقلام التي يتم تحريكها عن بعد، في مطبّ الغوغائية وحالة الشرود، التي لا تهدف إلا إلى التشهير والتحريض والإساءة إلى ذوي الحقوق، وإلى المدافعين عنهم كذلك، مما يجعل منهم ذراعا من أذرع السلطة وبوقا من أبواقها، عندما تسعى إلى إخفاء الحقائق والتظلمات، وقلبها إلى “مؤامرات” تستهدف كيان الدولة. هكذا يتحول ذوو الحقوق إلى “مخربين” أو “انفصاليين”، أي إلى أعداء للوطن، ويصبح مضطهدوهم رموزا للوطنية.
والغريب أنه في جامعة أكادير مثلا يتلقى شباب البوليزاريو تعليمهم كغيرهم من الطلبة، ويستعرضون رموزهم ومواقفهم الانفصالية بكل حرية، ويعلنون جهارا “الجمهورية العربية الصحراوية” من قلب عاصمة سوس، بل يمكنهم أن يقتلوا طالبا أو أكثر بين الفينة والأخرى، ويعتدوا على العشرات من الطلبة بالعنف الوحشي، دون أن تتعرض لهم السلطة بالمساءلة، ولكن بالمقابل عندما ينتفض سكان البوادي السوسية ضد التهميش والقهر والظلم واغتصاب الأراضي وتخريب الممتلكات، يعتبرون “انفصاليين” في أعين الصحافة الغوغائية.
ولهذا تتقمص هذه الصحافة دور “الوطنية” ، بمفهومها الأعرج طبعا الذي لا يعني أكثر من الرضوخ لذوي النفوذ والسلطة والغلبة، فـ”الوطني الغيور” هو من يقول “آمين” لكل ما يصدر عن الحكام من قرارات حتى ولو كانت بعيدة عن الصواب، وتؤدي إلى كوارث اجتماعية وسياسية. ومن عارضها يصبح “لا وطنيا” ومتآمرا، هكذا اشتغلت كل الأنظمة العسكرية وأنظمة الحكم الفردي والحكم العشائري بشمال إفريقيا والشرق الأوسط على مدى العقود السابقة التي تلت مرحلة الاستعمار.
إن دور الصحافة هو البحث عن الخبر وتبليغه بكل حياد، من هنا ضرورة توفير حرية الصحافة واستقلالها وإتاحة مصادر المعلومة، وعندما تقوم جهة ما من جهات المغرب بانتفاضة ضدّ السلطات المركزية، فإن ذلك لا يحدث إلا بعد سنوات طويلة من المعاناة والتشكي والترافع وعقد المناظرات والندوات والأيام الدراسية ودق أبواب المسؤولين والبحث عن الوسطاء واللجوء للمنتخبين والشخصيات الوطنية لإيجاد حلول للسكان المتضررين، ولا تعلو صرخات الناس في الشارع العام بالرباط أو البيضاء إلا بعد أن يتمكن اليأس من النفوس وتصل الثقة في المؤسسات إلى الدرجة الصفر. هذا المسلسل الطويل هو الذي على الصحافة تتبعه من مبتدئه إلى منتهاه، عبر التواجد بعين المكان، وبجوار السكان قصد مساءلتهم باستمرار، وإذا كان هناك من يقوم بذلك بكل مهنية ومسؤولية، فإن ثمة بعض من يحبّ الاصطياد في الماء العكر، فيعمد إلى استعمال نظرية المؤامرة بشكل أقرب إلى الخبل والاضطراب النفسي، أو اللعب على وتر النعرات فيقلب الحق باطلا، وتصبح وظيفته توزيع التهم والتصنيفات العشوائية.
وبما أن بعض المواطنين لم يقدروا معاناة غيرهم حقّ قدرها، فاعتبروا أن ما حدث بالحسيمة “ثانوي” و”محلي”، وما جرى في زاكورة مجرد مشكل “بسيط” ، و ما عاناه أهل سوس منذ سنوات طويلة “قضية هامشية”، فإننا ندعوهم إلى أن يقوموا بتمرين ذهني بسيط، كأن يتخيلوا ولو لمرة واحدة أن ما يحدث إنما يحدث لذويهم كأمهاتهم وأخواتهم وأطفالهم في العالم القروي أوالهوامش المنسية، عندئذ ربما سيشعرون بالمسؤولية، وبأن أبسط شيء يمكن أن يقدموه لهؤلاء المظلومين، هو إعطاؤهم الكلمة من أجل إسماع أصواتهم، وتغطية تحركاتهم والتعريف بها.