المرصد الإفريقي للهجرة..شجاعةُ الانتقال من مرحلة المخاوف الى مرحلة الواقعية

بقلم : د. عبد الله بوصوف | الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

لم تكـن عـودة المغرب إلى حُضن منظمة الاتحاد الإفريقي حـدثا عابــرا، أو نُزهة إلى أديس أبابا عاصمة اثيوبيا، كما لم تكن خطابات ورسائل الملك محمد السادس إلى القمم الإفريقية موضوعا للاستهلاك الإعلامي أو « بـروبغانــدا »، أو مجرد شعـارات سياسيـة جوفاء.

لقد رجع المغرب للبيت الافريقي من باب «القيمة المضافة»، وبصفته العضو المؤسس الفاعل والمؤثر، والحامل لـتصور معاصر للعديد من الملفات الساخنة في إطار العمل المشترك والتعاون جنوب – جنوب وعلى رأسها ملف الهجرة.

فتسمية ملك المغرب بـ “رائـد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة “ لم يكن مجانيا أو “لـقـبا فخريـا“، بل تجسيدا للعمل الجاد والطويل، وللتراكمات المكتسبة في ملف الهجرة بالمغرب، وكذا باعتبار أن الملك محمد السادس كان أول من بادر سنة 2013 إلى تسوية وضعية العديد من الأخوة الأفارقة بالمغرب، ليتحول بذلك المغرب من بلد للعبور إلى بـلـد للاستقرار؛ وكذا بإضافة شؤون الهجرة إلى حقيبة وزارة مغاربة العالم عـرفنـا على الإرادة السياسية.

وكان أول الغيث اقتراح جلالة الملك لخلق المرصد الإفريقي للهجرة، وكـذا منصب المبعوث الخاص لشؤون الهجرة إفـريقيـا، كأحد أجهزة منظمة الاتحاد الإفريقي في إطار ما يسمى بـ”الأجندة الإفريقية للهجرة” وهو ما تمت المصادقة عليه بالفعل في اجتماع القمة الأفريقية بنواكشوط في يوليوز 2018، كما وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة الميثاق العالمي حول الهجرة، في انتظار اعتماده الرسمي في مؤتمر دولي بمراكش في دجنبر 2018… ولابأس من التذكير هنا، أن فكـرة المرصد الإفريقي للهجرة، ومقـره بالمغرب، اكتست أهمية كُبـرى.

أولا على مستوى التوقيت، حيث بـلغ عدد الموتى في عرض البحر المتوسط مستوى عالي جدا خاصة منذ سنـة 2015، بالإضافة إلى الوضعية الغير الإنسانية التي يعيشها المهاجرون الأفارقة خاصة في ليبيــا، بحيث  تتحدث الوقائع عن عودة سوق النخاسة؛ أو حديث أكثـر من تقــريــر و قصاصة لمنصات إعلامية عالميــة معروفة عن تخلي الجزائر عــن حوالي 13 الف مهاجر افريقي في اتجاه النيجر ومالي بدون ماء وبدون طعام يـواجهون مصيرا مجهولا في الصحراء وتحت درجة حرارة تقارب 48 درجة مئوية… ثانيا على مستوى الموضوع، فمضوع الهجرة أصبح يكتسي أهمية بالغة في السياسات العمومية، وهو محور الجدل السياسي والانتخابي والأيديولوجي والإعلامي في دول الاستقبال خاصة مع تنامي دور الأحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبـا، كما يطلع بأهمية محورية خصوصا مع ما تعرفه بعض الدول الافريقية من عدم استقرار وصراعات حدودية وافتقار مؤهلات التنمية البشرية ومشاكل بيئية…

التراكم المغربي في الاشتغال على موضوع الهجرة من خلال اعتماد هـندسة معاصرة تعتمد على مؤسسات تنفيذية واجتماعية واستشارية، مكنت المغرب من اقتراح خلق المرصد الإفريقي للهجرة مع تحديد خطوط اشتغاله الكبرى في ثـلاثية الفهم والاستباق والمبادرة، وتوسيع مفهوم اختصاصه إلى جمع المعلومات وتطوير تبادل المعطيات والتنسيق بين الدول الافريقية، ووضع استراتيجيات مشتركة بين الدول الأفريقية في ملف الهجرة وتكمن أهمية المرصد الإفريقي للهجرة في ضرورة تأمين طريقة اشتغال عمودية من جهة، تعتمد على التنسيق بين أجهزة منظمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وهيئات الأمم المتحدة الجمعية العمومية ومنظمة العمل الدولية واليونسكو ومنظمة غوث اللاجئين ومنظمة الفاو ومعاهدة جنيف لحقوق الإنسان وغيرها…

واعتماد طريقة اشتغال أفـقية تقوم على التنسيق والتعاون مع المجتمع المدني والمنظمات الدولية والإعـلام وقبل ذلك التنسيق بين كل مراصد الهجرة الإقليمية والجهوية والقارية والمؤسسات الاستشارية الخاصة بالهجرة في الدول الإفريقية وكذا إشراك الجامعات الافريقية والبحث العلمي في مجال الهجرة ومجموعات التفكيـر «تينك تانك».

إننا نعتقد أن أهمية المرصد الافريقي للهجرة، بالإضافة إلى العمل على جمع المعطيات والمعلومات ودراستها وإصدار بيـانات واقعـية بشأنهـا وتقارير بمواصفات أممية تُـناقش على مستوى أجهزة المنظمة الإفريقية، فإنه يشكل  من جهة أخرى فارقا بين مرحلتيْـن؛ الأولى كانت تعتبر الهجرة مشكلا و حالة طارئة، حيث كانت الحلول تُغلب الجانب السياسي والأيديولوجي على الإنساني، ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة تـتخـد من المعطيات الواقعية غير المسيسة ومن المصالح المشتركة أساسا علميا يُـمهد الطريق لهجرة آمنة ومنتظمة ومنظمة تُـراعي حقوق الإنسان…

كما تكمن أهمية المرصد على مستوى تتبع ودراسة تشريعات وقوانين الهجرة بدول الاستقبال مع مقارنتها بنظيرتها في البلدان الأفريقية؛ وكذا دراسة قوانين اللجوء مثل (اتفاق دبلن) وسياسات الإدماج بدول الاستقبال، وأيضا كيفية التعامل مع شبكات المنظمات الدولية في مجال الهجرة وحقوق الانسان.

بمعنى آخـر الانتقال من مرحلة المخاوف الى مرحلة الواقعية…. لقد أصبحت سيـاسة عالمية مشتركة للهجرة غايـة أكثـر من فاعـل دولي أو إقليمي، سواء بأوروبا حيث تم وضع “أجندة أوروبية للهجرة” منـذ أبريـل 2015 وحظيت بموافقة كل من اللجنة الأوروبية والبرلمان الأوروبي لمواجهة تحديات الهجرة والتدبير مُعـقلن على المدى المتوسط والبعيـد لكل الجوانب المتعلقة بالهجرة وخاصة الهجرة الغير الشرعية وحماية الحدود واللجوء والتأشيرات؛ أو على مستوى القارة الإفريقية والتي تبنت بدورها “أجنـدة إفريقية للهجرة” والتي تسعى الى تحويــل الهجرة من مشكل إلى حـل، وكذا من هجرة محفوفة بالأخطار إلى هجرة آمنة ومنتظمة ومنظمة وتراعي حقوق الإنسـان.

نعتقد أن المرصد الإفريقي للهجرة سيشكل لبنة قوية تساعد على قـراءة صحيحة للهجرة في إفريقيـا وعلى فهم ميكانيزمات الهويات الإفريقية، كما أنه سيشكل “بنك معلومات” كبير ومهم سيكون جزءا كبيرا من الحل.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد