طبخة المجلس الوطني للصحافة
بقلم : عزيز إدامين
في تاسع مارس 2011، أعلن الملك محمد السادس عن تشكيل لجنة مكلفة بإعداد وصياغة الدستور الجديد، وسمى أعضاءها واحدا واحدا، ونفس المقاربة تقريبا اعتمدتها الحكومة الأولى للأستاذ عبد الإله بنكيران، إذ تم تشكيل مجموعة من اللجن المكلفة بإعداد تصورات ومقترحات حول رزمة من القوانين، كاللجنة العلمية المكلفة بإصلاح قوانين الصحافة والنشر، أو لجنة الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، أو اللجنة المكلفة بإصلاح قوانين العنف ضد المرأة، وغيرها من اللجن…
وقد نص الدستور الجديد، في عدة فصول، على المقاربة التشاركية في إعداد القوانين والسياسات العمومية، وكرس الحق في الوصول إلى المعلومة، الذي كان مطلبا حقوقيا ومدنيا ترافعت عليه الجمعيات والهيئات والمنظمات غير الحكومية.
هذه المقدمة، تأتي جوابا عن بلاغ صدر بتاريخ 02 أبريل 2018، عن وزارة الاتصال والثقافة، ويتعلق بالإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى من عمل لجنة الإشراف المكلفة بعملية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين والناشرين في المجلس الوطني للصحافة، والمنصوص عليها في المادة 54 من القانون رقم 90.13، وهي مرحلة دامت زهاء ثلاثة أشهر، لتبقى بعض الأسئلة العالقة:
هل نحن أمام لجنة سرية دام اشتغالها ثلاثة أشهر كاملة دون معرفة أعضائها؟ والقصد هنا إمكانية المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية الترافع والمساهمة في إيجاد أنجع وأفضل السبل لانتخاب ممثلين عن الجسم الصحفي والناشرين.
فقد سبق لجمعيات شبابية عاملة في مجال حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، أن أصدرت بلاغات، قبل شهرين، تؤكد أن لجنة الإشراف المعنية تجتمع وتشتغل بشكل سري، فكان جواب وزارة الاتصال، عبر وسائل الإعلام، من خلال مسؤول إداري رفض ذكر اسمه، أن هذه “الدعاية افتراء وكذب”، وأن “لجنة الإشراف غير موجودة”، وإضافة إلى ذلك، صرح ممثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية عضو اللجنة حاليا، عبر برنامج تلفزي مباشر، أن “لجنة الإشراف لم تجتمع نهائيا وغير موجودة”، كل هذا تم قبل شهرين، في حين أكد رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، عبر تدوينة، أن اللجنة اشتغلت منذ ثلاثة أشهر لإعداد تصور حول انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة.
ملاحظة أخرى تتعلق بـ”حجب المعلومات” حول مخرجات لجنة الإشراف “السرية”، فبعد صدور “البلاغ اليتيم” عن استقبال الوزير لأعضاء اللجنة، لا أحد يعرف تصورها حول نمط انتخاب ممثلي الصحافيين والناشرين؟ ما هو الجسم الانتخابي، بمعنى من له الحق في التصويت؟ ما هي أماكن الاقتراع؟ وهل سوف يتم اعتماد التصويت عبر البريد بخصوص الصحافيين الموجودين في مناطق بعيدة ويصعب عليهم الوصول إلى “صناديق” الاقتراع؟ وغير ذلك من الأسئلة، التي تبقى عالقة، والمعلومات بشأنها محجوبة، وكأن المجلس الوطني للصحافة مؤسسة متعلقة بالدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي، والمعلومات بشأنه مقيدة ومحظورة بالفصل 27 من الدستور…
إن الطبخة المكشوفة لانتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة عرت عن الوجه الحقيقي لدعاة الديمقراطية والدفاع عن حرية الرأي والتعبير ومقدسي الحق في الوصول إلى المعلومات، والغاية هي وصول أفراد بعينهم إلى كراسي العضوية، ولو على حساب الدستور ومعايير التنافس والمساواة بين الجميع…
هذه الممارسات قد تكون مقبولة جزئيا في حقول أخرى غير حقل الصحافة والنشر، باعتبار أن هذا المجال هو شأن مجتمعي، وأن أدوار المجلس الوطني للصحافة، كآلية للتدبير الذاتي للمهنة، وفي الوقت نفسه، آلية لحماية المجتمع من الدعاية الكاذبة والأخبار الزائفة والمس بأعراض الناس وغيرها من الممارسات المتنافية مع نبل رسالة الإعلام وأخلاقيات المهنة، وأن السموم التي تقذف بها بعض الجرائد والمواقع لها أثر بالغ على الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة، ولكن يمكن وضع مضادات لهذه السموم بآلية منتخبة بشكل ديمقراطي وحر وتنافسي ومبني على المساواة.
إن أكبر الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية لم تستطع أن تبدع ما أبدعته وزارة الاتصال عبر لجنة الإشراف، فتلك الأنظمة، على الأقل، تضع بعض المساحيق لتجميل عمليات التسلط أو أنها تلغي الانتخابات نهائيا، وتعلن نفسها حارسة المعبد ووصية على رعاياها.
بالعودة إلى المادة 54 من القانون 90.13، التي تنص صراحة على أن لجنة الإشراف تقوم بـ”الاشراف العام على سير وتنظيم جميع مراحل انتخاب أعضاء المجلس إلى غاية الإعلان النهائي على النتائج”، و”تنتهي مهمة اللجنة عند تنصيب المجلس”، فهل سيترشح بعض أعضاء لجنة الإشراف لانتخابات المجلس وهم من قاموا بـ”الإعداد اللوجيستيكي، وحصر لوائح الهيئة الناخبة، وتلقي الترشيحات، والسهر على تنظيم عملية الاقتراع، وفرز الأصوات وإحصاء النتائج والإعلان عنها…”؟ أم أنهم سوف يستقيلون، بعد المرحلة الأولى لعمل لجنة الإشراف لإعداد “طبخة الترشح” في المرحلة الثانية؟