أعميار: ما الذي تبقى من شعارات تأسيس ‘البـام’ الذي ‘أريد’ له أن يكون حزبا استثنائياً
بقلم : عبد المطلب أعميار
يتزامن هذا المقال مع الذكرى العاشرة للإعلان عن تأسيس ” حركة لكل الديمقراطيين”، ومع ذكرى 20 فبراير. وما بين اللحظتين،مع ما يجمعهما من تقاطعات ممكنة،أو تباعدات محتملة، تطرح أسئلة الراهن السياسي بأبعادها المختلفة، كأسئلة موضوعية، لا تعني بالضرورة الفاعل الحزبي بل كأسئلة استقرائية تهم مختلف الفاعلين، من مختلف المواقع، بغية مساءلة الوضع السياسي العام بالبلاد، مع ما يطرحه من تعقيدات ذاتية وموضوعية في سياقات استثنائية يصعب تحديد معالمها، وأولوياتها، ورهاناتها.غير أن المرحلة الراهنة، بعناوينها الكبرى منذ إقرار دستور 2011،وما أفرزته من مستجدات وطنية قد تسمح لنا بتكثيف بعض العناصر لمساءلة الراهن السياسي ، سواء في علاقاته العامة، أو في علاقته بالمشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة.وفي هذا الصدد ،نورد في مستهل هذا المقال بعضا من الأسئلة المتجددة…
1.ما الذي تبقى اليوم من المشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة؟. وما الذي تبقى من مجموع الشعارات التأسيسية لحزب ” أريد” له أن يكون حزبا استثنائيا في سياق سياسي وطني قيل عنه بأنه أصيب بكل عوامل ومسببات التآكل والضمور والتحلل، مما شرعن الحديث عن ضرورة تأسيس مشروع حزبي ” أكبر من الأحزاب” وأقل من الدولة، مشروع حزبي سيمارس “السياسة بشكل مغاير”، وسيعيد الثقة في الممارسة السياسية.؟.ما الذي تحقق من هذه الشعارات اليوم؟.
2.ما الذي تبقى من الأدبيات التأسيسية لحزب الأصالة والمعاصرة، والتي أعلنت إرادة الانفلات من دائرة الايديولوجيا، ومن تصنيفات اليمين والوسط واليسار، لتستقر في تبني توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وخلاصات تقرير الخمسينية، في محاولة لإضفاء الشرعية السياسية والأدبية على مشروع جديد سيستثمر في الرأسمال الحقوقي لمشروع المصالحة الوطنية،وفي التوجهات الكبرى لتقرير الخمسينية الذي استشرف ” المغرب الممكن” بسيناريوهات تحتمل بناء المغرب المأمول، وتحذر من مغرب التراجعات؟. وإذا كان الحزب قد تخلص عند تأسيسه من سؤال الايديولوجيا(بمعناها الصارم)،فما حصيلة انتسابه لمشروع المصالحة ،وما حجم المكتسبات التي حققها في مسار الترسيخ الديمقراطي، وهل كان أداؤه في الحقل السياسي في مستوى هذا الانتساب، وفي مستوى اللحظة التاريخية التي جاء من أجلها؟.
3.هل نجح خط ” الديمقراطية الاجتماعية ” في تمكين حزب الأصالة والمعاصرة من موقع سياسي يسمح بتحديد هوية مرجعية قادرة على الإجابة على مختلف الأسئلة الدقيقة المرتبطة بقضايا الشأن العام،وبالسياسات العامة والعمومية،وبرهانات التحديث المجتمعي، والثقافي؟، وهل ساهم في ” رقعة الأصالة والمعاصرة” في تحقيق قوة الدفع المطلوبة لفائدة مشروع الحداثة والديمقراطية؟.
- هل انتهى المشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة بعد 07 اكتوبر، أو على الأصح هل انتهت مبررات وجوده للترويج بأن فاعلا سياسيا جديدا “سيحتل” موقعه لتحقيق شرط التوازنات السياسية والانتخابية في مشهد سياسي يتآكل يوما بعد يوم، ويعلن اتساع الشرخ بين الناخبين والطبقة السياسية؟ .
إن هذه الأسئلة، وأخرى، قد لا تعني بالضرورة كل المنتسبين لحزب الأصالة والمعاصرة بل تعني، بهذا القدر أو ذاك، كل الفاعلين والمحللين السياسيين، من مختلف المواقع، من أجل تقييم المسارات السياسية الكبرى لبلادنا، في مرحلة دقيقة ، تقاطعت فيها مطالب الشارع المغربي، وما حملته من شعارات كبرى، مع ما تم تحقيقه عبر مسارات المصالحة السياسية والحقوقية، ومجموع التراكمات الديمقراطية التي أنجزت في البلاد، ومع رهانات التنمية في أبعادها المختلفة.
ولأن هذه الأسئلة تعتبر من صميم المرحلة الراهنة، فإن تقديم إجابات عنها يفترض تحقيق أكبر مسافة ممكنة بين الذات والموضوع، بين الوقائع والنزعات الذاتية.
وفي هذا الصدد،يقتضي التنقيب عن أسئلة الراهن السياسي ببلادنا، سواء في علاقته بالوضع السياسي العام بالبلاد، أو في علاقته بالتنظيمات الحزبية التي تشكل مكونا من مكوناته،استحضار طبيعة المرحلة المنبثقة عن مخاض ما بعد دستور 2011،وما أفرزته من تجاذبات وتموقعات ونتائج ستفضي عمليا إلى تشكيل لحظة سياسية مفارقة ستعلن غلبة موازين القوى لفائدة الحزب الإسلامي(العدالة والتنمية) الذي سيجني ثمار العملية السياسية في لحظتين انتخابيتين مفصليتين ستمكنه من قيادة الحكومة، والهيمنة على الفضاء السياسي، سواء في الواجهة الإعلامية،أو المؤسساتية. ليتحول المشهد السياسي، بحكم الواقع، إلى مجال لترتيب ردود الفعل الممكنة إزاء المساحات التي أصبح يحتلها الحزب الإسلامي، أو لتبرير منطق الاصطفافات الحكومية، تارة باسم ” المصلحة الوطنية” ،وتارة أخرى باسم ” التوازنات السياسية المطلوبة”، في مرحلة أعلنت فيها الحركة الديمقراطية، والتحديثية فشلها العملي في مواكبة مرحلة ما بعد 20 فبراير، وعدم قدرتها على جني ثمار الحراك الاجتماعي لفائدتها من أجل ربح معركة ” التأويل الديمقراطي للوثيقة الدستورية” ، وتحويلها إلى لحظة سياسية كفيلة بإحداث التراكمات السياسية والتشريعية الكفيلة بتعزيز شعار المجتمع الحداثي الديمقراطي و تأهيل المؤسسات وترسيخ قواعد الديمقراطية.
وإذا كان السياق السياسي لمرحلة ما بعد التناوب التوافقي، ومسارات المصالحة،ودستور 2011 تفترض مشهدا سياسيا قويا، وناضجا يؤمن للحركة الديمقراطية والتحديثية كل الفرص الموضوعية لتلعب أدوارها كقوى حية قادرة على ضمان التوازنات السياسية الكبرى، وتأمين كل الشروط لإنجاح الاختيار الديمقراطي،و مجابهة المد الأصولي، مجتمعيا ومؤسساتيا، فإن المفارقة القائمة أشرت على تراجع مفزع في القدرة على لعب هذه الأدوار،وارتسام شرخ متزايد بين الحركيات الاجتماعية ، والتعبيرات السياسية القائمة. حتى أضحى الحديث عن السياسة ، في ضوء هذه المعطيات، يرتبط بتقييم وظيفة “الوساطة” المنوطة بالحزب السياسي، وبموجبها،أصبح التداول سائدا ، فيما يشبه مسلمة جديدة،بكون الحزب السياسي مطالب بتأدية هذه الوظيفة، ومن خلالها يتم تقييم أدائه ومشروعية قيامه.حتى كدنا لا نميز بين وظائف الدولة، ووظائف المؤسسات الدستورية، ووظائف الهيئات المنتخبة،ومهام الأحزاب السياسية.ولعل جزءا من هذا الخلط يرتبط بطبيعة تشكل الحزب، وبطبيعة خطابه السياسي، وأدوار بعض قيادييه.
وحسبنا، أن حزب الأصالة والمعاصرة، وبحكم الشعارات التي أعلنها منذ التأسيس،أصبح مجبرا ، بالمحصلة، بتحمل تبعات هذه الوظيفة باعتبارها ” مقياسا” لتلبية حجم الطلب الاجتماعي، وامتصاص حدة التوتر الاجتماعي.
وإذا كان حزب الأصالة والمعاصرة قد ردد منذ نشأته عزمه ” إحداث خلخلة في المشهد السياسي”، فان سيرورة الأحداث ، بعضها مرتبط بما أفرزه الشارع المغربي، وبعضها مرتبط بطبيعة الأدوار السياسية التي أعلنها، لن تمهله كثيرا من الوقت ليصاب بتبعات وارتدادات هذه ” الخلخلة” اعتبارا للنعت الذي ظل يلاحقه منذ الولادة بكونه ” حزبا للدولة” ، واعتبارا كذلك لما أفرزه الواقع من سيناريوهات لم تكن مرتقبة في المشهد السياسي.
وإذا كان طبيعيا أن تحدث الرجات في السياسة، فمن الطبيعي أن يساءل الحزب اليوم عن الشعارات الكبرى التي رفعها، وعن طبيعة الأدوار السياسية التي نجح ، أو فشل في تأديتها.وفي المقام الأول،قدرته على إعادة طرح السؤال من جديد..ما معنى حزب الأصالة والمعاصرة اليوم؟، وما هي مبررات وجوده؟،وما هي أسس شرعياته التنظيمية، والجماهيرية، والسياسية؟. وهل هو “حزب للوساطة” أم حزب يضطلع بمشروع سياسي واجتماعي يناضل من أجل تحقيقه؟.
أو لنطرح السؤال بصيغة النفي..لو لم يكن حزب اسمه ” الأصالة والمعاصرة” موجودا في الساحة السياسية، هل كانت الضرورة تستلزم تأسيسه اليوم؟، وبأي إخراج ممكن يا ترى؟.
إن استقراء عناصر الوضع السياسي بالبلاد تدفع ، موضوعيا، في اتجاه الإقرار بأن وجود حزب الأصالة والمعاصرة ببلادنا لعب أدوارا مهمة سمحت على الأقل ، في شروط التحولات التي عرفتها المنطقة، بامتصاص جزء غير يسير من الضربات التي خلفتها رياح المتغيرات، محليا وإقليميا ودوليا. وهي المتغيرات التي وضعت الحزب في واجهة الصراع الذي سيحمل إسلاميي العدالة والتنمية إلى الحكم، بموجب موازين قوى مجتمعية وسياسية مختلة لعبت ، وتلعب لصالح الحزب الدعوي.وهو ما لا يسائل حزب الاصالة والمعاصرة لوحده، بل يسائل عموم المؤسسات والهيئات والقوى المجتمعية ومختلف الفاعلين، كما يسائل أيضا الدولة بمختلف مؤسساتها، وأجهزتها.
غير أن الإقرار بهذه الحقيقة- والتي قد تكون نسبية- يدفع أيضا في اتجاه القول بأن مشروعية الحزب ترتبط بمدى قدرته على إعادة تأهيل بنياته وخطابه ونخبه،وعلى تجديد وتطوير أدوات الصراع السياسي،بما يسمح له باحتلال المساحات الممكنة في ضوء المتغيرات الراهنة.
ولأن بعض القراءات الاختزالية روجت بعد 07 أكتوبر بأن الحزب ربح الرهان الانتخابي بالنظر لعدد المقاعد المحصل عليها، فإن هذا التقييم العددي لا يقيم الاعتبار لجوهر السؤال السياسي للمشروع، لأننا نعتقد بأن سؤال المشروعية السياسية للحزب ، والتي ظلت موضوع مساءلة، وتهجم، ونقد، وشكوك(منها ما هو مشروع ، ومنها ما هو غير مشروع) قد لا يتحقق بعدد المقاعد المحصل عليها. فمشروعية الأحزاب التاريخية، والتي كانت موضوع نقد من لدن الحزب نفسه، قامت دائما على طبيعة الأدوار السياسية والمجتمعية والنضالية التي لعبتها في تاريخ المغرب. وينبغي الـتأكيد في هذا المقام بأن المشروعية الانتخابية ينبغي أن تكون ترجمة عملية للمشروعية السياسية المطلوبة.وإلا فإن الشرخ الحاصل بين المشروعيتين سيكون كافيا لوحده لتفسير جزء من الاختلالات التي يعيشها الحزب على مستويات عديدة.
وفي هذا الصدد، نود التأكيد بأن المشروع السياسي للحزب ليس ورقة لضبط التوازنات الانتخابية(فقط) لأن هذه المهمة قد يتم تحقيقها في الرقعة السياسية بفاعلين آخرين ،وأن تكون فكرة تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة فكرة انتخابية فهذا الأمر سيكون ، بالمحصلة، فكرة سخيفة ولا تاريخية.فما معنى أن يتأسس حزب جديد من قبيل حزب الأصالة والمعاصرة ليلعب هذا الدورفي رقعة سياسية يقارب عدد الأحزاب فيها أربعين حزبا.
لقد ظلت نشأة الحزب، وظروف تأسيسه، تلقي بظلالها على مساراته السياسية والتنظيمية،حيث ظل نعت ” حزب الدولة” ، سواء من قبل خصومه، أو من قبل جزء من الرأي العام، لصيقا به، بما هو توصيف يسعى لتجريده من مشروعية قيامه أصلا، أو لمحاولة لجم تحركاته في المشهد السياسي بالتشكيك في صدقية شعاراته ومراميه.وحيث إن هذا التوصيف تم استخدامه في سياقات مختلفة، وبخلفيات مختلفة،ومن لدن جهات مختلفة، فإن سؤال التموقع الطبيعي في المجال السياسي يشكل إحدى الرهانات المرتبطة بسيرورة الحزب، وبماهية وجوده ،وهو ما يتطلب إعادة تأهيل الخطاب الحزبي بما يسمح بمراجعة الوثيقة السياسية المرجعية للحزب من خلال
-رسم خط مرحلي توجيهي يجيب على اختياراته وتموقعاته في الحقل السياسي.
-تقييم المسار الدستوري لمرحلة ما بعد دستور 2011، والتفاعل النقدي مع مجمل الاختلالات المسجلة، من أجل ترسيخ حكامة المؤسسات الدستورية، وتمتين مسار الإصلاحات المؤسساتية.
-بناء خط معارضة برلمانية قوية يستجيب لخط سياسي ناظم يشكل الأداة المرجعية والتوجيهية للحزب.
-تحرير المبادرات التنظيمية بما يضمن تقوية الهيئات الموازية بامتداداتها المجتمعية، وفي تناغم بين مختلف التنظيمات.
– تمكين خط ” الديمقراطية الاجتماعية” من مضامين سياسية، واقتصادية، وثقافية، وحقوقية،وبيئية واضحة يستجيب لمجمل المتغيرات الحاصلة في المشهد الوطني، وتقديم البدائل بشأنها.
إن هذه الرهانات لا تنفصل عن مستلزمات بناء مشهد سياسي تعددي قوي قادر على تأمين شروط الصراع الديمقراطي، وتحقيق التوازنات السياسية المطلوبة لدعم مسارات التحديث والتنمية، وتقليص الهوة بين السياسة وعموم المواطنات والمواطنين.وهذه التحديات لا تعني حزب الأصالة والمعاصرة لوحده،بل تعني كل القوى الحية بالبلاد.غير أن هذه الأسئلة لا تخفي خلفيتها الداعية إلى ضرورة إعادة بناء وتأهيل المشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة ليلعب أدواره الممكنة والمطلوبة في سياق وطني ما زالت مؤشراته تلعب لصالح القوى المحافظة بتلاوينها ومشاربها المختلفة.