زنقة 20 . الرباط
خلقت إستضافة حزب الأصالة والمعاصرة لـ سيد القمني، الباحث في التاريخ من وجهة نظر ماركسية وصاحب أفكار اتسمت بالجرأة في تصديه للفكر الذي تؤمن به جماعات الإسلام السياسي، جدلا واسعا في أوساط قيادة وأعضاء حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، تُوجَ ببلاغ هجومي لاذع من طرف الأمانة العامة لذات التنظيم الحزبي على “البام”.
محمد يتيم الكاتب العام للذراع النقابية لحزب العدالة والتنمية، إعتبر إستضافة “البام” لـ سيد القمني، “استهزاء بالدولة الإسلامية في دولة إسلامية وإستخفاف بنظام البيعة في بلد نظامه قام تاريخيا على البيعة”، متهما قيادي حزب الأصالة والمعاصرة بـ”التشكيك في إسلامية دولتنا وفي البيعة”.
في مايلي نورد مقال رأي محمد يتيم المعنون بـ”القمني في ضيافة البام”:
لقمني وفي ضيافة البام : استهزاء بالدولة الاسلامية في دولة إسلامية واستخفاف بنظام البيعة في بلد نظامه قام تاريخيا على البيعة !!!
في عاصمة المملكة المغربية التي تنص ديباجتها على أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن الهوية المغربية متميزة بتعدد وتلاحم مكوناتها وتتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها.
وينص الفصل الاول منه على ان الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، في صدارتها الدين الإسلامي السمح، اضافة الوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
في عاصمة المملكة المغربية التي ينص دستورها في الفصل 41 منه ايضا على ان ” الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. ” وانه بهذه الصفة الدينية ” يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.” وانه ” يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”
في مدينة الرباط ، رباط الفتح وقلعة الموحدين والدول الاسلامية المتعاقبة على حكم المغرب، والتي جدد فيها أهل الصحراء ” بيعتهم ” للملك الراحل الحسن الثاني في واقعة تاريخية تؤكد الروابط الدينية الروحية والسياسية بين الدولة المغربية وساكنة الصحراء والأقاليم الجنوبية مما أقرته محكمة العدل الدولية
وفي عاصمة المملكة التي أكد فيها المغاربة ولاءهم للدولة العلوية الشريفة واستمرار تشبتهم بالملكية من خلال تقديم أركان الدولة وأعيان المجتمع للبيعة الشرعية بعد وفاة الملك الحسن الثاني لولي عهده انذاك الامير محمد السادس، وأكدته آلاف الرسائل والبرقيات التلقائية التي تقاطرت على الديوان الملكي من داخل المغرب وخارجه
،يأبى مجلس مقاطعة يعقوب الذي يترأسه قيادي من البام إلا أن يستضيف ” مفكرا ” مصريا مغمورا يشكك في الشرعية الدينية والتاريخية للدولة المغربية وفي نظام البيعة التي ألقى في شانها عشرات من فطاحل العلماء من المغاربة عشرات من المحاضرات خلال ما يقرب من نصف قرن من الزمن في محاضرة سميت :”الدين والسياسة، العلاقة الملتبسة”، وذلك يوم الثلاثاء 23 يونيو 2015
كان الأمر سيكون متفهما أو محتملا لو كان الخطاب موجها الى جماعات متطرفة من قبيل القاعدة أو داعش او غيرهما من الجماعات المتطرفة او الى حركات إسلامية لو افترضنا وجودها تدعو الى إقامة دولة دينية لاهوتية يحكم فيها رئيسها بمقتضى تفويض ألهي، لكن السيد القمني تجاوز ذلك كي يفتري على الاسلام وتاريخه وينتقد نظام البيعة ويعتبره منافيا للديمقراطيةً، ويقول كلاما مطلقا حول العلاقة بين الديني والسياسي في الاسلام
انزلق القمني الى عدد من الاستنتاجات والمصادرات التي يختلط فيها شيء من الصواب بكثير من التدليس، وقدر غير قليل من التهريج والسخرية، والترويج لعدد من الأفكار المكرورة المعتمدة على التفكير من خلال الصورة النمطية وعلى التعميم والإطلاق التي تقاسمها القمني مع بعض المشاركين ومنهم سعيد لكحل وفوزية البرج ومن بينها :
– أن التيارات “الاسلاموية ” تطالب بتطبيق النصوص المكونة للشريعة، بدون اي اجتهاد او نقاش لما ورد في النصوص، ودون مراعاة لتغير الأزمنة”،
– ان هذا النمط من التفكير أدى إلى “فشل الدولة الدينية، وأفرز انقسامات وسفك للدماء على مر الأزمنة”
– ان اصحاب هذا التفكير ” الذين يصيرون تكفيرييين، يرفضون كل ممارسة أو فكر ديمقراطي، و يرفضون الأحزاب والمؤسسات بكل ألوانها ويعتبرونها كفرا، وكذا القوانين، رغم أنهم يحتمون بذات القوانين في حال اعتقلوا”
– إن الله لم يطلب من المسلمين إقامة ما يسمى الآن بالدولة الإسلامية، وتساءل قائلا “هل أراد الله من المسلمين أن يُقيموا له دولة” ، او نص صريح يشير كما يقول القمني : ” إلى شكل الدولة الإسلامية ودستورها لا في الحديث النبوي، ولا في التفاسير القرآنية لمجموعة من الأئمة الكبار .
– ان الدين ” أعطى تفاصيل دقيقة عن مجموعة من الاشياء، كطريقة الأكل والشرب والنوم والجماع، لكنه وفقا للنصوص الدينية، فالإسلام لم يعط أي تفصيل عن مفهوم الدولة الإسلامية”.
– أن ” الرسول محمد، قبل موته، لم يتحدث عن الخلافة أو الحكم، إذ أمر أبا بكر بإمامة الصلاة بعده ولم يأمره بخلافته”.
” كيف يكلف الله المسلمين بإقامة دولة، وهو لم يشرح لعباده كيف تُقام هاته الدولة “؟
– الغموض الذي يكتنف مفهوم “دولة الخلافة” وانه راجع الى “اجتهاد لصحابة الرسول أدى إلى صراع المسلمين على السلطة والثروة، مما نتج عنه انشقاق الإسلام إلى نصفين سنة و شيعة” .
والاخطر من ذلك وهذا بيت القصيد ، ما خلص اليه القمني وهو يطعن في مفهوم البيعة معتبرا إياها لا تمت بصلة الى مبدأ الديمقراطية والإنتخابات ومفهوم الدولة المعاصرة !!!
وبغض النظر عن طابع التعميم وان بعض ما ورد فيه يمكن ان ينطبق على بعض الفرق في تاريخ الاسلام وعلى بعض المجموعات التكفيرية والمتطرفة في العصر الحاضر والتي لا تشكل الحالة العامة في الحركات الاسلامية
بعض النظر عن ذلك مما لا سبيل للتفصيل فيه مما ظن القمني انه قد جاء فيه بفتح مبين، والامر انه لم يفعل سوى ترديد بعض الاوطروحات التي عفا عنها الزمن وصارت موضوع مراجعة من قبل مفكري ما بعد الحداثة الذين اعادوا مراجعة موضوعة علاقة الدين بالسياسة، اطروحات كان اول من روج لها الاستشراق الاستعماري في سياق تمهيد الطريق لاستعمار الأسنة باستعمار الفكر والألسنة، وتابعهم فيها من باركوه من تلامذتهم من أمثال علي عبد الرازق في ” الاسلام واصول الحكم ” وطه حسين في ” الفتنة الكبرى “
بعض النظر عن ذلك كله فانه تجدر الإشارة الى الملاحظات التالية :
1- أقام المسلمون منذ اليوم الاول اي منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة ” دولة ” تتوفر فيها كافة مقومات الدولة ولو بصورة أولية تناسب ذلك العصر ومستوى تطوره اي الشعب والأرض او الإقليم والسيادة او السلطة والنظام القانوني ثم سرعان ان بدأت في التطور والامتداد الى ان تحولت الى امبراطورية سميت بأسماء من تعاقبوا على الحكم فيها . وكان النظام القانوني القائم فيها مرجعيته الاساسية هو الاسلام وأحكامه وقيمه، وشرعية قائمة على البيعة الشرعية دون ان ينفي ذلك انها كانت في كثير من الأحيان قائمة على التغلب والاكراه، وهو ما كان يكون موضوع معارضة من قبل علماء وحركات سياسية ( الامام مالك وبيعة الاكراه ) لكنها كانت في حالات كثيرة في تاريخ الاسلام ” ضربة يد وثمرة الفؤاد ” حسب تعريف كتب السياسة الشرعية والاحكام السلطانية
ولو كان القمني منصفا لعلم ان الدولة الاسلامية المغربية كأقدم دولة وأعرقها في العالم الاسلامي إنما قامت على بيعة رضى من قبل سكان المغرب الأمازيغ للمولى ادريس الاول ثم بعد ذلك لابنه المولى ادريس الثاني الذين اعتبروا ان له في اعناقهم بيعة وهو ما زال في بطن أمه، وكذلك فعلوا معه بعد ولادته وبلوغه سن رشده . ان ادعاء عدم وجود دولة في الاسلام على الأقل من الناحية التاريخية هو محاولة لشطب تاريخ بكامله
2ان عدم وجود نص صريح على شكل الدولة وتفاصيل القواعد الدستورية التي تشكل بصماتها وملامحها العامة لا يعنى انه لا توجد لمبادى عامة سواء منصوص عليها او مستنبطة عن طريق النظر في احكام ومقاصد الشريعة يستنتج منها ضرورة إقامة نظام سياسي .
ليس صحيحا ان القرآن (النصوص الدينية) قد جاء بأمور تفصيلية في قضايا مثل طريقة الأكل والشرب والنوم والجماع، وأنه لم تأت بشيء فيما يتعلق بامور الحكم، اذ من المعروف لدى المبتدئين أن القرآن لم يفصل في أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من العبادات إنما جاء بيان تفاصيلها في السنة العملية، ونفس الامر ينطبق على كثير من المعاملات وأيضاً على كل ما يتعلق بتدبير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ففي كلتا الحالتين اكتفى القران بأحكام وتوجيهات العامة ونبه الى علل بعض الحكام ومقاصدها ليسير المسلمون على هداها ويستنبطوا من الأحكام التفصيلية ما يتلاءم مع واقعهم ومع مستجدات عصرهم .
لم يقل أحد من علماء المسلمين القدامى او المحدثين بان نصوص القرآن والحديث قد نصت على طبيعة وشكل النظام السياسي وطريقة التداول على السلطة، فان هذا من باب السماء من فوقنا وليس اكتشافا للسيد القمني . لكن في المقابل فان ذلك لا ينفي ان المسلمين منذ اليوم الاول وعلماؤهم وفقهاؤهم انطلاقا من تعاليم دينهم وأحكامه ومقاصده أيقنوا واستنتجوا ان نصب الامام واجب وتوجهوا منذ اليوم الاول الى اقامة دولة بمعناها العام ولو في شكلها الأولي البسيط، وهي الدولة التي صارت تتطور وتتفاعل مع نماذج تاريخية كانت قائمة وتعبر عن مستوى التطور الحضاري وتطور الفكر السياسي
3- لم تكن ” الدولة ” التي اقامها المسلمون عبر التاريخ في ظل الاسلام وأحكامه وقيمه ومقاصده في يوم من الأيام دولة دينية لاهوتية، على الرغم من ان بعض الفرق الكلامية وبعض الحكام المسلمين حاولوا ان يضفوا على الحاكم الصبغة اللاهوتية، بل لقد كان الخلاف في هذه القضية مبكرا حين رفض التيار العام من المسلمين الذي سينتظم فيما سيعرف فيما بعد ب ” أهل السنة والجماعة ” اضفاء صبغة دينية مقدسة على الممارسة السياسية او ادراجها في القضايا ” التوقيفية ” او اعتبارها من المباحث العقدية .
كان أصل اول خلاف في المجتمع الاسلامي الاول الخلاف مع الخوراج الذين رفعوا شعار :” لا حكم لله ” وذلك حين اعتبروا ان عليا حين قبل التحكيم قد ” حكم الرجال ” والامر ان ” الحكم لله ” ، وهو ما علق عليه سيدنا علي قائلا ؛ كلمة حق اريد به باطل
بناء على ذلك استقر التوجه العام لدى المسلمين والراي الغالب الذي مثله عبر التاريخ الاسلامي ” أهل السنة والجماعة ” ان مسالة الإمامة تدخل في إطار ” المصلحة المرسلة ” وليس ضمن ” أصول الدين ” وهو ما قاد الى تطور فكر سياسي رافض لفكرة ” الدولة الدينية ” او ” الدولة الثيوقزاطية ” لذلك فانه من الافتراء على الاسلام وتاريخه وعلى المسلمين انهم أنتجوا عبر التاريخ دولة دينية فاشلة
4- ان هذا التوجه الذي رفض اضفاء ” العصمة ” او ” القدسية ” على الحاكم واجتهاداته كان واضحا منذ البداية حيث لم يعتبر المسلمون أبابكر خليفة لله وإنما خليفة لرسول الله اي في وظيفته السياسية وليس في وظيفته الدينية اي باعتباره رسولا مبلغا عن الله، بل لقد كان واضحا ان المسلمين كانوا يميزون تمييزا واضحا بين صفتة الدينية اي باعتبارهارسولا مبلغا عن الله وبين صفته البشرية وذلك حين كانوا يسألونه كما فعلوا في غزوة بدر قايلين : امنزل انزلكه الله ام هو الحرب والمكيدة فاجاب : بل هو الحرب والمكيدة . فقالوا : ليس بمنزل، وكما كان يعلمهم قائلا: أنتم أعلم بأمور دنياكم !!
ومنذ خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه استعمل المسلمون لقب (أمير المؤمنين) فيذكر ابن سعد في طبقاته: أنه لما مات أبو بكر رضي الله تعالى عنه وكان يُدْعَى خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قيل لعمر: خليفة خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال المسلمون: من جاء بعد عمر قيل له: خليفة خليفة خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيطول هذا، ولكن اجتمعوا على اسم تدعون به الخليفة، يدعى به من بعده من الخلفاء، قال بعض أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدعي عمر (أمير المؤمنين) فهو أول من سمي بذلك
وروي أن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم رضي الله عنهما لما قدما من المدينة، قالا لعمرو بن العاص: استأذن لنا يا عمرو أمير المؤمنين، فقال: أنتما والله أصبتما اسمه، فهو الأمير ونحن المؤمنون، فدخل عمرو على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: ما هذا؟ فقال: أنت الأمير، ونحن المؤمنون، “
5 – عمد القمني في محاضرته الى التهريج والتعميم وهو يتحدث عما سماه بالعلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة عند الإسلاميين، وهي فعلا ملتبسة لكنها في ذهنه فقط، اذ بالاضافة الى محاولة شطب تاريخ أمة وتراكم حضارة هو إنجاز لعدد من الدول الاسلامية المتوالية التي تبين ان المسلمين لم يفهموا من الاسلام انه مجرد توجيهات حول طريقة الأكل والشرب والنوم والجماع، ولكنهم فهموا من أحكام الاسلام ومبادئه ومقاصده ووما انطبع في نفوسهم من قيمه انه دين يدعو الى إقامة نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي، او على الأقل ان تشرب احكامه وقيمه يفضي بالضرورة الى انتاج اجتماع بشري اجتماعي وسياسي مرجعيته هي الاسلام .
صحيح ان النصوص الدينية من قرآن وسنة لم تعط أي تفاصيل عن مفهوم الدولة عامة وعن الدولة الاسلامية خاصة وتركت ذلك مفتوحا للاجتهاد واعتبرته من المصالح المرسلة، ولكن منطق الأشياء بالنسبة لكل النصوص المؤسسة سواء كانت نصوصا دينية منزلة من السماء او نصوص فلسفية يقتضى انها انما تضع الإطار المرجعي والقيمي والمقاصد الكبرى وتترك التفاصيل لاجتهاد الفكر البشري، وهو ما يعني انه حين الحديث عن الدولة الاسلامية فإننا نتكلم عنها في علاقتها بالمرجعية التي تحيل عليها والقيم الكبرى التي تتأسس عليها والرسالة الحضارية التي تتولى تبليغها للبشرية وليس بالضرورة عن شكل معين اذ قد تكون ملكية دستورية وقد تكون نظاما رئاسيا او نظاما برلمانيا او نظاما مختلطا الى غير تلك من الأشكال والصيغ الممكنة التي يمكن ان تتفتق عنها العبقرية البشرية .
6- قفز السيد القمني من خلال محاضرته التهريجية ايضا على تراث فكري معاصر طور فكرة الطبيعة المدنية للدولة في الاسلام من خلال حجاج مستمد من داخل نصوص القرآن والسنة ومن خلال عدد من الأدلة العقلية والتجارب التاريخية، و عبر نقد ومراجعة لدى المفكرين والقيادات والعلماء المعتبرين لدى الحركة الاسلامية لفكرة الدولة الدينية، انتهى للقيام بمواءمات للفكر الاسلامي الحديث مع الثرات الفكري الإنساني في المجال السياسي من قبيل المواءمة بين الفكر الاسلامي وفكرة الديمقراطية، والمواءمة مع مقومات الدولة الحديثة، وهو ما قام به على سبيل المثال مفكرون، من قبيل الدكتور كمال ابو المجد والدكتور محمد اعمارة والدكتور سليم العوا والدكتور طارق البشري ومن المغارب الاستاذ راشد الغنوشي صاحب كتاب الدولة المدنية في الاسلام، والدكتور الريسوني صاحب كتاب نظرية التقريب والتغليب وكتاب الأمة هي الأصل التي نطر فيها للديمقراطيةً من منظور إسلامي والدكتور سعد الدين العثماني صاحب عدةً دراسات حول العلاقة بين الدين والسياسة هل هي علاقة وصل ام علاقة فصل ؟؟ وغيرهم كثير ممن أغنوا المكتبة المعاصرة، وبطبيعة الحال فان التفكير التهريجي القائم على استخدام الصورة النمطية ليس من مصلحته تنسيب احكامه والنظر بموضوعية لان مشكلة هؤلاء في الحقيقة ليس مع المتطرفين التكفيريين الذين هم فرقعات عابرة ولكن مشكلتهم مع المعتدلين الذين يكذبون تصوراتهم النمطية، اذ النظر الموضوعي وتسليط الضوء على المشهد كله من شأنه ان ينهي خدمتهم ودورهم ك” مثقفين ” بلاطات الاستبداد وقوى الثورة المضادة ومموليها في المنطقة، خاصة وقد أصبحت الحداثة عند هؤلاء برائحة البترودولار .
7 – وعلى العكس من ذلك فان السيد القمني قد عمل على تغييب هذا الجانب من الصورة وسلط الضوء على. جزء منها يتمثل في التصورات المتطرفة اي على المجموعات التكفيرية وبعض الجوانب السلبية في التاريخ الاسلامي وتلك آلية فكرية معروفة لنمط من المفكرين الذي اطلق عليهم في وقت من الأوقات ” الليبراليون الجدد ” وهي آلية الصورة النمطية التي تقوم على اجتزاء مقطع من الصورة اي التركيز على تفكير شاذ ومتطرف وجعله بؤرة التركيز والاهتمام وتعميمه على جميع مكونات الطيف على تنوعها واختلافها، بل قراءة تاريخ أمة بكامله من خلال تلك الصورة المشوهة المختزلة بل وتقديم قراءة آثمة للإسلام نفسه من خلال تلك الصور فتصبح المشكلة في الاسلام والدين نفسه وليس في الإسلاميين وفي الدين وليس في المتدينين وفي الإسلاميين جميعا وليس في جماعات الغلو والتطرف وانه تبعا لذلك ليس هناك فرق بين متطرف ومعتدل وتلك قمة التجني على التاريخ وعلى الحضارة وعلى الواقع الاسلامي الذي لا يقبل ذلك الاختزال وذلك التجني .
هذه القراءة الآثمة المتطرفة الاستئصالية في منهجها وروحها ليست الا الصورة الاخرى المقابلة للفكر الداعشي باعتباره فكرا قائما على التجني على التاريخ والغاء الآخر واختزال الواقع وتقسيمه الى فسطاطين، وهو واجهة لعملة واحدة هو التطرّف سواء اتخذ شكلا دينيا او شكلا علمانيا، علما ان هذين النمطين يخدم بعضهما بعضا بل ويصنع بعضهما الآخر او على الأقل يسهم في تطوره وازدهاره.
8 – وأخيرا وليس آخراً مشكلتا في العالم العربي مع مفكرين يعيشون مراهقة فكرية متأخرة ويرجعون بِنا عقودا الى الوراء الى ” علمانية متطرفة ” وموقف من الدين عفا عليه الزمن في حين ان مفكري ما بعد الحداثة يعيدون تأسيس تصورهم للدين ووجوده في الحياة العامة بعد ان طردته فلسفة الأنوار منها، وأنتجت علمانيات استبدادية تولدت عنها أنماط جديدة من الآلهة والأديان.
ومن النماذج الدالة في هذا الشأن مراجعات هابرماس حول المسألة الدينية التي بدأت في خطابه الذي ألقاه بمناسبة حصوله على جائزة السلام الألمانية في خريف 2001، بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، حين أبرز هابرماس خلافه مع كل علمانية متطرفة نختم مقالنا ببعض الإشارات الى مضامين إعادة تفكيره في موقع المسالة الدينية .
– أكد هابرماس انه على الرغم من الدور الإيجابي الذي قامت به العلمانية في تحرير العقل من استبداد الفكر الديني في الغرب فان ذلك التنوير الذي لا يتمتع بروح نقدية تجاه نفسه، قد تحول الى واقع مرعب اذ انه في وجهيه القومي الاشتراكي والسوفياتي تحول إلى أنظمة مجرمة، لم ير العالم لها شبيهًا. فالطريق إلى الخلاص قاد مباشرة إلى مراكز الاعتقال النازية والغولاغ السوفياتي.
– عبر هابرماس عن الانزعاج من نتائج التسطيح الثقافي في زمن انتشار وسائل الإعلام، وانحطاط الثقافة النقدية وتحولها الى ثرثرة عاطفية وسفاهة منفلتة أصبحت هي العملة السائدة اليوم، مؤكدا ان الحاجة ماسة الى الاهتمام بالقضايا المرتبطة بالشعور الأخلاقي، وهي التي يمكن التعبير عنها حسب هابرماس في لغة دينية. وهو ما يعني أنه حتى في المجتمعات العلمانية تبرز الحاجة إلى الإرث الديني وإن العلمانية التي لا تدمر، بامكانها ترجمة الخطاب الديني إلى لغة دنيوية.
– يأسف هابرماس لحال الدين، وأيضًا من وجهة نظر علمانية. في سياق يتميز بين التفاوت بين عالم متقدم يستفيد من كل ثمار الحداثة وخيراتها وعالم مقصي منها تماما مؤكدا أن ليس عالم الأشياء فقط هو الذي يمنح الإنسان السعادة؟ ولكن عالم الكلمات أيضًا، الكلمات الخيِّرة . ووجود أديان متنافسة، تحاور ولا تحارب، يعود بالخير على هذه الأديان. ففي ظل أجواء مسالمة يمكن – حسب هابرماس – لهذه الأديان التفكير في قضاياها الأساسية ومنها قضية حياة الناس على هذه الأرض والاهتمام أكثر بالتقاليد، فهذا الاهتمام وحده قادر على تحقيق مصالحة بين التقليد والحداثة حسب هابرماس. وتقديم حوافز جديدة لقراءة جديدة للنصوص القديمة، وللقراءة النقدية لقناعاتنا الدينية وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا إذا لم تكن الأديان مضطرة لمواجهة ضغوط خارجية ومضطرة لحماية وجودها، فحينها فقط لن تتكلس لا في اتجاه الداخل ولا في اتجاه الخارج. والواقع ان واقع المواجهة الذي فرضه واقع ما بعد احداث الحادي عشر من شتنبر والهجمات الإرهابية التي وقعت ذلك اليوم لم يخلق الأجواء المناسبة لذلك الحوار.
– يؤكد هابرماس إن إعادة النظر بالتقاليد لا يعني البتة أن نتخلص منها، فهذا ما لا تريده الدولة العلمانية ولا الدولة ما بعد العلمانية، خصوصًا التي لا تعطي قيمة أكبر للتيار العلماني الخالص أو للإلحاد على حساب الدين، لأن دولة تفعل ذلك هي دولة مذهبية وإيديولوجية: “إن المحافظة على الحريات الأخلاقية نفسها تتطلب علمنة للسلطة السياسية، لكنها تمنع التعميم السياسي للرؤية العلمانية إلى العالم على الجميع”.
وللحديث عن العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة فى ذهن القمني ومن استدعاه في الرباط ليشكك في إسلامية دولتنا وفي البيعة متابعة وبقية