من يرفض تقنين الإجهاض عليه تقديم الحلول العملية
لا بد في البداية من تقديم الشكر وواجب الامتنان للدكتور شفيق الشرايبي رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، الذي فجّر أحد طابوهات واقعنا المتردي وفتح إحدى جراحات المجتمع للنقاش العمومي، فأمثال هذا الرجل، رغم ما يطالهم من تجنّ وما يتعرضون له من محن هم صناع المستقبل، ولهذا لا تضيع تضحياتهم أبدا، لأنها تصنع واقعا جديدا أكثر إنسانية.
ونشكره ونثني عليه لأنه أوضح بما يكفي أن وظيفته ومركزه لا يحظيان بالأولوية أمام المبدأ وأمام الهدف الأسمى الذي هو حماية حياة النساء وحماية المجتمع من آفات عديدة.
ومن جهة أخرى لا بد من التعبير عن الدهشة والاستغراب من غيرة المحافظين على الأجنة في ظلمات الأرحام وعدم اكتراثهم بالأحياء من البشر، سواء منهم الذين يقتلون ويذبحون باسم الدين، أو باسم الرجولة والذكورة أو باسم أنظمة عشائرية ما زالت يتخبطها التخلف بجميع أنواعه ومستوياته.
إن غيرة المحافظين ليست على الإنسان ولا على حياته، لأنهم لو كانوا كذلك لسمعنا أصواتهم تتعالى باستنكار ما يجري في العديد من البلدان الإسلامية التي صار فيها القتل والتقتيل عملا يوميا يلقى المباركة من فقهاء المسلمين الذين دعوا إلى المقاتل والمحارق واعتبروها جهادا مقدسا في سوريا والعراق، حيث تهان كرامة الإنسان يوميا ويقتل آلاف الناس بدون أن تتحرك مشاعرهم، وإنما غيرة المحافظين هي على النصوص الدينية كما فهمها القدماء من فقهاء السلف، حيث يحظى الدين عندهم بالأولوية على الإنسان، خلافا للحداثيين الذين يضعون الإنسان في أعلى عليين، ويعتبرونه هو الغاية التي لا يسمو فوقها شيء. ولهذا عندما تكون النساء والمجتمع في خطر ما فإن التضحية بالنطف التي بلا هوية لحماية الأحياء من الناس الشاهدين على واقعنا المرّ أمر واجب بمنطق العقل والحضارة والحسّ السليم، وأما الحديث عن حماية النطف ضدا على صحّة النساء وحياتهن وضدا على استقرار المجتمع ومستقبله وضدا على مستقبل الأطفال الذين يلقى بهم في الشوارع لمصير مجهول، فهذا غاية الشكلانية في الأخلاق والسطحية في التديّن.
يبذل المحافظون كل جهودهم من أجل البرهنة على أن الجنين منذ بدايات تشكله الأولى هو إنسان ينعم بالحق في الحياة، ولا يعطون أية أهمية للنساء اللواتي قضين في هذه الدنيا سنوات طويلة من المعاناة، حيث لم يحركوا ساكنا في جميع المآسي التي عاشها مجتمعنا، والتي ذهب فيها ضحية العنف الذكوري الأهوج نساء في مقتبل العمر، كما أنّ الآلاف منهن غادرن هذا العالم بفعل الإهمال ومحاولة الإجهاض في ظروف لا إنسانية، و لم نسمع لهؤلاء المحافظين صوتا عن الأطفال المتخلى عنهم، وتخرس ألسنتهم عندما يتعلق الأمر بالأمهات العازبات أو يفعلون كما فعل بنكيران ينسون الأمهات بالمرة ويتحدثون عن الأطفال.
ما هي الحلول العملية البديلة التي يقترحها المحافظون ؟ إنهم يرفضون جميع الحلول العقلانية والواقعية ولا يقترحون إلا الوعظ والإرشاد والحياة المثالية التي لا تطابق أي واقع ملموس، فما هي نسبة توجيه الوعظ الديني للناس في حياتهم ؟ يذكرني هذا الأمر بالحملة من أجل محاربة السيدا والتي اعتبرها المحافظون “إشاعة للفاحشة”، كما لو أنهم يتحكمون في سلوكات جميع المواطنين ويضمنون عدم انتشار هذا الوباء، والحقيقة أنهم يدركون في قرارة أنفسهم بأن الوعظ والإرشاد الديني له تأثير محدود جدّا ولا يمسّ إلا فئة قليلة من الناس، ولا يمكن الاعتماد عليه وحده في مواجهة المشاكل التي تنبثق من عمق الواقع. ولدينا المثال الحيّ في بلدان التشدّد الديني كالسعودية وإيران، حيث يشيع الوعظ صباح مساء، وحيث أدّى الأمر إلى انحرافات خطيرة بسبب شيوع الكبت والأمراض النفسية التي لا يمكن مقاومتها بالوعظ الديني، وخاصة إذا كان من يقوم بالوعظ في غاية الفظاظة والقسوة.
المعطيات الواقعية تقول إن نسبة الولادات الناتجة عن الحمل غير المرغوب فيه نسبة مرتفعة تصل إلى 200 ألف مولود في السنة، وهي نسبة تمثل نصف نسبة الولادات العادية تقريبا والتي تصل إلى 500 ألف سنويا، فعلى المغرب أن يمضي في اتجاه تقنين الإجهاض حماية لحياة الأحياء من الناس، وحماية للمجتمع من آفات ليست له القدرة على مواجهتها، وضبطا للنسل، وخدمة للعائلة النووية التي تقوم بتدبير شؤونها بعقلانية العصر، مع وإقرار التربية الجنسية في المدارس، والاستعانة باتخاذ الاحتياطات اللازمة والقيام بالحملات الضرورية للحيلولة دون الوقوع في الحمل غير المرغوب فيه، ومن قال بغير ذلك فعليه توفير الحلول البديلة والعملية، ولن يستطيع لأن فاقد الشيء لا يعطيه.