لماذا تغيب البيداغوجيا عن مؤسساتنا التربوية ؟ (بصدد قبلة مكناس)
بقلم : أحمد عصيد
كشف المرصد الوطني للتنمية البشرية في دراسة أنجزها عن أن نسبة إلمام المدرسين المغاربة بالبيداغوجيا هي نسبة ضئيلة جدا حيث حصلوا على معدل 34 على 100، بينما حصلوا في الرياضيات على معدل 84 على 100، وهذا معناه أننا بصدد جعل التعليم تلقينا تقنويا بدون محتوى تربوي يضمن بناء الشخص المواطن، وهو تعليم نتائجه معلومة.
يقوم الحس البيداغوجي في المدرسة العصرية ـ والذي هو نتاج بحوث ودراسات عميقة في علم النفس التربوي وعلم الاجتماع ـ على نزعة إنسية تضع الإنسان في مركز الاهتمام، ولهذا يهتم بملكات الفهم والتحليل والنقد عوض الوقوف عند الحفظ والاستظهار، ويقوم بجانب ذلك على مبدأ الحرية وشحذ ملكات الإبداع والمبادرة عوض الوصاية والاتباع ومناخ السلطة، ولهذا يعتمد أيضا على منطق إلغاء العنف والانتقام وتعويضه بالتربية والإصلاح، وعندما تتجاوز الحرية حدودها المرسومة لها، فإن السلطة التربوية تتدخل من أجل المعاقبة بالإصلاح والتقويم لا بالطرد والانتقام.
ما حدث في مكناس بطرد إحدى التلميذات بسبب قبلة مع زميل لها هو عمل انتقامي عنيف لا يعتمد منطق البيداغوجيا والإصلاح والتقويم، بقدر ما يقع في تصفية حسابات مع تلميذة نظر إليها بعض الأساتذة وبعض إداريي المؤسسة نظرة تجريم لا مبرر لها داخل مؤسسة تربوية، إنها نفس نظرة الأجهزة الأمنية ومحاكم التفتيش، لكنها غريبة عن المدرسة والمنطق التربوي، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار سن التلميذة التي تجتاز فترة المراهقة، ولم تعتمد معطيات العلوم في فهم شخصيتها، بقدر ما تم اعتماد الوعي التقليدي المحافظ القائم على منظور العنف والانتقام اللاإنساني ضدّ العنصر الأنثوي. إضافة إلى أن التقدير الذي اعتمده المجلس التأديبي للمؤسسة المعنية لم ينتبه إلى أنّ محاكمة التلميذة بسبب خطأ بسيط لا يعني نهاية حقها في التمدرس، بل إن المسّ بهذا الحق لا يجوز لأي كان لأنه يؤدي إلى مآس أسوأ من الخطأ البسيط الذي تم اقترافه، كما أنّ المسارعة إلى الحكم على التلميذة بالفصل من الدراسة دون منحها حق الدفاع عن نفسها، مع منح كل فرص التعبير للتلميذ المشارك لها في القبلة، فهذا من قبيل السلوك التمييزي الفاضح والغير مقبول، خاصة عندما يصدر عن مربّين وأساتذة.
على وزارة التربية الوطنية ألا تقبل قرار الفصل الذي اتخذه مجلس تأديبي أعطى الأولوية لعواطف الأساتذة ورغباتهم في التجريم والانتقام على حساب حق تلميذة في التمدرس، وعلى الوزارة أن تحرص على التمكين لقيم التربية الحديثة ومعايير البيداغوجيا في مؤسساتها، وألا تسمح بممارسات تحول مدارسنا إلى سجون ومحاكم وأماكن للرقابة الأمنية.
من جانب آخر نُذكر بهذا الصدد المسؤولين عن هذا الإجراء الأخرق بأن وزارة التربية الوطنية قد سبق لها أن أصدرت مذكرة وزارية تحث في مضمونها على عدم المعاقبة بالطرد، وعلى اعتماد العقوبات البديلة من أجل تجنب حرمان التلاميذ من حقهم في الدراسة لأسباب عابرة قد تزول بعد ذلك.
وبهذا الصدد ألفتُ نظر وزارة التربية الوطنية إلى سلوكات غريبة أصبحت تعرفها مدارسنا، تدل على أن بعض المدرسين يفتقدون الحس البيداغوجي الذي يؤهلهم للتدريس في مؤسسات تربوية عصرية، بل يعانون من مشاكل نفسية تحتاج إلى التدخل العاجل :
ـ الأستاذة التي قامت بمدينة تطاون بشمال المغرب بقص شعر تلميذ بسبب جماله الذي شبهته بالفتيات، وهو سلوك لا يمكن أن يصدر عن امرأة سوية في شخصيتها، بله أن تقوم به مدرسة مكلفة بتربية الأجيال، وقد أدى هذا الفعل الشنيع إلى رفع دعوى قضائية من طرف الأبوين أمام تخاذل المؤسسة التي سكتت عن هذا السلوك المرضي.
ـ الأستاذ الذي منع تلميذة بمدينة مراكش من حضور دروسه بسبب امتناعها عن وضع غطاء الرأس، بعد أن نجح في فرضه على كل التلميذات الأّخريات باعتماد التهديد والإكراه، مما يتعارض مع قوانين المدرسة المغربية، وهو سلوك لا يخلو من مظاهر العُصاب والاضطراب النفسي، التي تجعل مكان الأستاذ الطبيعي في المستشفى لا في قاعة الدرس.
ـ الأستاذ الذي شرع في جعل التلاميذ يصلون فوق الطاولات داخل القسم في عمل هستيري لا ندري إلى أين سيقود صاحبه، وكذا الأستاذة التي أعلنت على صفحتها بالفيسبوك عن تحويل القسم إلى قاعة للصلاة خلال فترة الدرس، وهو ما اعتبرته الأستاذة فتحا عظيما بينما ما قام به الأستاذان إخلال واضح بالمسؤولية لأن الدولة تؤدي لهما راتبهما من أجل التدريس وليس إمامة الصلاة في القسم وخلال الحيز الزمني المخصص للتدريس.
ـ أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة تدعو إلى ارتداء “الوزرة” سواء بالنسبة للتلاميذ أو التلميذات، لكن إدارات المدارس طبقت المذكرة فقط على التلميذات دون التلاميذ الذكور، وهو إجراء تمييزي مخالف لقرار الوزارة، ولا يقبله الحس السليم، لأنه يقوم على نظرة ذكورية واضحة، والمنطق السليم يقتضي دعوة الجميع إلى احترام اللباس اللائق بالمدرسة وعدم السماح بالدخول لمن خالف ذلك القرار سواء كان من التلميذات أو التلاميذ.
إنها سلوكات غير بيداغوجية تفسح المجال للمزاج الفردي المنحرف على حساب قوانين المؤسسة، وهي تخترق المدرسة المغربية في غياب المتابعة المطلوبة من طرف المسؤولين، وبسبب ضعف الحرص على احترام القوانين وأهداف المدرسة المعلنة في المرجعيات التربوية الرسمية.