الحركات الاحتجاجية…أزمة وساطة أم أزمة الدولة الاجتماعية؟.
بقلم : عبد المطلب أعميار
تذهب العديد من القراءات إلى القول بأن الحركات الاحتجاجية ببلادنا تفسر أزمة الوساطة التي تنهض بها الأحزاب والنقابات .وبالتالي، كلما ازدادت أزمة الوساطة هاته، كلما توسعت دوائر الاحتجاج.ولأن هذه القراءة لا تسائل العوامل بقدر ما تقارب النتائج،لنا أن نتساءل …من الأسبق السياسة أم الوساطة؟ ، الدولة أم الحزب والنقابة؟.
إن مشروعية سؤالنا تفترض أن أدوار الوساطة التي تقوم بها الأحزاب والنقابات ليست بديلا عن وظائف الدولة، ولا هي وكالة تحت الطلب، لتحقيق التوازنات التي تخربها سياسة الدولة. فالوساطة ، بالتعريف الدستوري، ترتبط بمهام ” التأطير” فيما وظائف الدولة ترتبط بالحماية. وإذا كفت الدولة عن لعب أدوارها الحمائية، فكيف للحزب وللنقابة أن ترمم كل الشروخ الناجمة عن أعطاب السياسات العمومية؟.
وحري بالذكر أن اتساع رقعة الاحتجاج عبر العالم، في سياق الاختيارات الليبرالية التي يفرضها منطق السوق، أصبحت تقتل بالتدريج مشروعية السياسة، ومن خلالها يتم تقويض الأدوار السياسية التقليدية التي كانت تجعل من النقابة والحزب وسطاء لتدبير العمليات السياسية من بوابة الانتخابات، ومشروعية التمثيليات المؤسساتية، كإحدى الواجهات لتدبير التوازنات والطلبات الاجتماعية.
هذا النموذج أصبح ، مع توالي السنوات، لا يطرح فقط محدودية الأدوار التأطيرية والتفاوضية للوسائط السياسية الموروثة عن الأنظمة التقليدية ، بل أيضا أزمة العلاقة بين المجتمع والدولة، بين السياسة ، كوظائف مفترضة، والسياسة كتطبيقات متوحشة.
وفي بلادنا،أصبحت الحركات الاحتجاجية ، على الأقل منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي، والى حدود اليوم، تتوسع تدريجيا حيث أضحت من مكونات الفضاء العام، من مختلف التعبيرات الاحتجاجية بأصنافها المطلبية المختلفة( مطالب مهنية –مطالب فئؤية- مطالب اجتماعية- مطالب حقوقية-مطالب سياسية…) وأصبح المجتمع المدني يحتل مساحات كبيرة في هذا المشهد. فتحول الفاعل المدني إلى خصم للسياسة، لا يتردد في إشهار ” استقلاليته” على حسابها، أي على حساب وظائفها وأدوارها المفترضة. يطلب منها تحقيق المطالب، ولا يتردد في مهاجمتها، والتنكيل بها. وأصبح المجتمع المدني، والحالة هاته، يحتل المساحات التي كانت تحتلها الأحزاب والنقابات، يتغذى من رأسمالها الاجتماعي، ومن وقود حطبها الاحتجاجي. يمتص مشروعيتها، لتأسيس مشروعيته. ويقدم نفسه بديلا عنها. ولا يتردد في تعبئة المجتمع ضدها.
وهكذا، أصبحت الحركات الاحتجاجية، مجردة من أفقها السياسي.حركات خارج معادلات التوازنات السياسية المطلوبة. حرحات تراهن على ” ربح” معاركها على حساب الوسطاء التقليديين. وكلما تقلصت المشروعيات التمثيلية للسياسة، كلما أعلن المجتمع المدني انتصاراته على حسابها. وفي هذا الرهان، ظلت الدولة تراهن على إضعاف مشروعيات السياسة، في مقابل تخليها عن وظائفها الحمائية.
وإذا كانت الحركات الاحتجاجية ببلادنا، بالتوسع الملحوظ الذي نعايشه منذ سنوات، من ثمار السياسة نفسها، أي من نتائج المعارك السياسية التي خاضتها أجيال كثيرة من أجل الديمقراطية، والحرية ، والعدالة الاجتماعية ، فان السياسة اليوم تبدو معزولة عن الفضاء العام. ليس لأن صورة السياسيين تزداد سوءا ، بل لأن السياسة أصبحت عاجزة عن مواجهة توحش الدولة التي اختارت، بمعية السياسيين أنفسهم، أسوء القرارات بعد تخليها التدريجي عن وظائفها الحمائية، وترك الشعب في مواجهة اكراهات ومتطلبات الحياة..ماذا عساه أن يفعل أمام تغول السوق؟. ماذا عساه أن يصنع أمام دولة ترفع أيديها عن القطاعات الاجتماعية الحيوية؟.
وحسبنا أن الحركات الاحتجاجية ، كما يشهدها المغرب، ليست احتجاجا على أزمة الوساطة، بل هي احتجاجات تعلن تخلف الدولة عن أداء وظائفها الحمائية، وتراجعا يعلن أزمة الدولة الاجتماعية.وهو ما ينذر باتساع دوائر الاحتجاج، والمزيد من انكماش السياسة.