هكذا تتلاعب وزيرة العدل الفرنسية بالمصالحة القضائية بين الرباط وباريس

زنقة 20 . الرباط

على مضض، وقعت وزيرة العدل الفرنسية كريستين توبيرا نهاية شهر يناير الماضي على الاتفاق التعديلي للتعاون القضائي المغربي الفرنسي الذي طوى صفحة التوتر الديبلوماسي بين الرباط وباريس إثر ما عرف بقضية عبد اللطيف الحموشي وزكريا المومني، لكن المعركة ضد التقارب بين البلدين لم تنته بالنسبة لكريستين توبيرا، التي عادت عشية لقاء القمة رفيع المستوى الذي يجمع وزراء حكومة عبد الإله بن كيران ونظيره مانويل فالس للنبش في ما من شأنه إعادة التوتر الديبلوماسي إلى مربعه الأول.

آخر الوقائع التي تثبت خرق الوزيرة الفرنسية لواجب التحفظ القضائي على حساب تعاطفها مع ادعاءات زكريا المومني تعود إلى الواحد والعشرين من هذا الشهر، حيث بعثت المسؤولة الفرنسية عبر بريدها الإلكتروني رسالة إلى المومني عقب ادعاءاته الجديدة بخصوص تعرضه للتعذيب، تخبره فيها أن الوقائع «في حال تأكدت هي خطيرة جدا». وأنها ستحرص على «حسن سير القضاء في هذه القضية». وهو ما يدفع إلى التساؤل عما استندت إليه توبيرا في تقييم الوقائع؟ وهل من حقها كسلطة حكومية أن تصفها بـ«الخطيرة جدا»؟، وهل تراسل كريستين توبيرا جميع المواطنين الفرنسيين عبر بريديهم الإلكتروني لإعطائهم تقييماتها بخصوص ملفاتهم المعروضة على القضاء؟.

ليست هذه هي الواقعة الوحيدة التي تؤكد تورط وزيرة العدل الفرنسية في التلاعب بالمصالحة القضائية المغربية الفرنسية، وسعيها إلى عرقلة تصديق البرلمان الفرنسي على الاتفاق الموقع بالأحرف الأولى، فمع وضع أولى اللمسات البرلمانية الفرنسية على مشروع الاتفاق الذي وقعته توبيرا بقرار سيادي من الرئيس فرانسوا هولاند، سربت الجهة القضائية التابعة للوزيرة المثيرة للجدل بتصريحاتها المستفزة للمغرب لوكالة «فرانس بريس» في نفس توقيت المراسلة الإلكترونية بين توبيرا والمومني أن نيابة باريس «وفي ختام التحقيق التمهيدي في قضية مومني وجهت نيابة باريس إلى السلطات القضائية المغربية إبلاغا رسميا بهدف الملاحقة» عن الوقائع الواردة في الشكاية. ونقلت الوكالة الفرنسية عن المحامية كليمانس بيكتارت التي تتولى عن المحامي باتريك بودوان الدفاع عن مومني أنه «بعد تحقيق تمهيدي استغرق 14 شهرا اعتبرت النيابة أن الوقائع جدية بما يكفي لتبرير هذا الإبلاغ الرسمي».

وفيما سربت المصادر القضائية التابعة لكريسيتن توبيرا أن تبليغ السلطات القضائية المغربية تم يوم 27 مارس الماضي، خرج وزير العدل والحريات مصطفى الرميد ليؤكد لوكالة الأنباء الفرنسية أن الرباط «لم تتلق حتى اليوم أي وثيقة من نيابة باريس حول قضية اتهام المدير عبد اللطيف الحموشي بالتعذيب» وأضاف الرميد «إذا تلقينا طلبا كهذا فإن القضاء سيتخذ الإجراءات المناسبة. لا يعود إلى الوزير التدخل بل على القضاء أن يتحرك من تلقاء نفسه». كما أوضح أنه «لا يوجد أي نص قانوني يسمح بعملية من هذا النوع»، إذ أن برلماني البلدين لم يصادقا بعد على الاتفاقية القضائية الجديدة التي سمحت بإنهاء خلاف دبلوماسي استمر حوالي العام بين الرباط وباريس.

وعلى العكس مما قالت توبيرا بأنه «وقائع خطيرة جدا» أفاد محامو المغرب يوم عشرين ماي الجاري للوكالة الفرنسية أن الإبلاغ الرسمي لنيابة باريس لدى القضاء المغربي بشأن وقائع تعذيب مفترضة تورط فيها الحموشي لا تعني تأكيدا لـ «صحة تلك الاتهامات». وقال المحاميان رالف بوسييه وايف ريبيكي المستشاران القانونيان للمغرب «بعكس ما يحاول تصويره محامو الشاكي فإن هذا الإبلاغ لا يعني البتة تأكيدا لصحة مزاعم زكرياء مومني».

ورغم هذا النفي وهذه التوضيحات ستعود وكالة الأنباء الفرنسية لتكشف الاتصال بين زكريا المومني والوزيرة كريستين توبيرا عشية لقاء القمة المغربي الفرنسي، فبعد محاولات التشويش على تصديق البرلمان الفرنسي على الاتفاق القضائي، يأتي الدور هذه المرة على محاولة نسف لقاء القمة المغربي الفرنسي المنعقد اليوم، فبعد أن افتتحت الوكالة قصاصتها الإخبارية مساء أمس الأربعاء بالقول «ترسخ فرنسا والمغرب مصالحتهما الخميس في باريس لكن التحقيقات القضائية حول اتهامات التعذيب لا تزال تسبب توترا في العلاقات بعد عام على أزمة دبلوماسية غير مسبوقة». تنتقل إلى التأكيد على أن «اللقاء يأتي في حين يدرس البرلمان الفرنسي المعاهدة الجديدة للتعاون القضائي بين فرنسا والمغرب التي انتقدتها بشدة منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي ترى فيها وسيلة لعدم التمكن من ملاحقة مواطنين مغربيين في فرنسا» !!. مضيفة أن المحققين قالوا في خلاصة «تحقيقاتهم التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس أنه تبين أن هناك سببا أو عدة أسباب تدفع إلى الاعتقاد بحصول تجاوزات ترقى إلى التعذيب ويمكن الاستناد إليها» !!.

في خلاصة كل ما جرى ويجري، توجد حقيقة واضحة وهي أنه ومن أجل نسف أي تقدم في المصالحة المغربية الفرنسية لا ضرر في خرق سرية التحقيقات على افتراض أنها جدية، ولا مشكل في أن تتجاوز كريستين توبيرا صلاحياتها وتتولى الإشراف شخصيا على تدبير اتهامات المومني لعبد اللطيف الحموشي، لكن كريستين توبيرا تظل في جميع الحالات وفية لخطتها الإعلامية منذ شهر يناير الماضي لما سربت للصحافة الفرنسية أن المغرب طلب تحصين مسؤوليه من المتابعة القضائية لضمان إفلاتهم من العقاب، وهو ما نفاه في حينه وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، لكنه اتهام مايزال يلٍقى صدى له ليس فقط في وكالة الأنباء الفرنسية، بل وفي صحف مغربية تصر على أن تردد في صفحاتها الأولى أن الرميد تفاوض «حول اتفاق قضائي جديد يمنع محاكمة المسؤولين المغاربة في باريس».

عن يومية “الأحداث المغربية”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد