بلاغ “خميس المصدوم” لأبناء حركة التوحيد والإصلاح
بقلم : يحيى تيفاوي
تموقعا في درجات وعي المواطن المغربي لحق الفهم و استيعاب المشهد السياسي ببلدنا و فتح فسحة للقراءة و التحليل السياسي البسيط الذي لايخضع للمقاربات الاكاديمية في الفكر السياسي المتعارف عليها.
بل يحاول استقراءا بواقعية حدث سقوط السيد عبد الاله بنكيران من رئاسة الحكومة بعد خمسة اشهر من المشاورات لتشكيلها و بطبيعة الحال دون معزل عن مسيرة الرجل “السياسية” و تمفصلات التجادب السياسي التي رافقة مرحلة التفاوض بشروطها التاريخية و في سياقها الوطني و المتغيرات الدولية.
لكن ما يهمنا في مقالنا هذا بدرجة الاولوية قراءة الرسائل السياسية و بتحليل و تأويل خاص للبلاغ الصادر عن الامانة العامة لحزب العدالة و التنمية يوم الخميس 16 مارس 2017 او بالأحرى وفق تحليلنا المتواضع مضمون وتوقيت البلاغ الذي تم خطه استلهاما و بقناعات تعبر عن نية مضمرة لرؤية و تصور ابناء حركة التوحيد و الاصلاح للدولة بمؤسساتها.
وهو ما سنحاول ملامسته من خلال رصد الاشارات السياسية الممكنة في تقديرنا للعبارات الواردة في البلاغ بفك رموز كلماته.
ففي مستوى اول من ناحية التوقيت و بيوم واحد من البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بإعفاء رئيس الحكومة جاء الخطأ في تقدير الزمني و التعامل مع اللحظة السياسية بإنتاج بلاغ الخميس الاسود الذي لا يخرج في اشارة سياسية و اسلوب فض على انه تجاوز لسقف اللباقة في التواصل و التعامل السياسي مع و في ذهنية صانعي القرار في هرم الدولة.
كما انه يكشف في مستوى ثاني عن حقيقة مفادها أن قرار اعفاء رئيس الحكومة كان احتمال وارد في حسابات التقدير السياسي لابناء حركة الاصلاح و التوحيد لكن توقيت الرد وعدم ترجيح التريث كان له تبعاته و بنفس السرعة و بيوم واحد خبر تعيين سعد الدين العثماني رئيس للحكومة و مكلف بتشكيلها في رسالة مفادها لكل من يهمه امر السياسة في هذا البلد ان دائرة صنع القرار لاتقبل ادخالها في حلقة التعامل باحتمالات التقدير السياسي لان للعبة السياسية قواعد و الخروج عنها ومحاولة الصعود فوق السقف ولو بنية السداجة السياسية خوض في المحظور و للعبة مجال سياسي مفترض “للفاعل الحزبي”، كما كان خبر تعيين رئيس الحكومة الجديد تطويعا للجرعات الجرأة الغير محسوبة في كلمات بلاغ الخميس الاسود بنية الفتح استلهاما من قاموس فكر ابناء حركة التوحيد و الاصلاح و المعبر عنها بمقدمة تحصيل امر واقع في اعفاء الامين العام للحزب من رئاسة الحكومة مسترسلا البلاغ حرفيا في فقرته الاولى ( …بتأكيد الامانة العامة على مايلي:1) اعتزاز الحزب بما ورد في بلاغ الديوان الملكي من تأكيد لحرص جلالة الملك على توطيد الاختيار الديموقراطي و صيانة المكاسب التي حققتها بلادنا في هذا المجال، و اختياره الاستمرار في تفعيل مقتضياته المتعلقة بتشكيل الحكومة من خلال تكليف شخصية من حزبنا بصفته الحزب المتصدر و” ترجيحه هذا الاختيار على الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور “…) و العبارة الاخيرة تساؤل المقصد المضمر في اشارة ان الدفع بأي اختيار متاح يجعل موقع ابناء حركة التوحيد و الاصلاح اقوى و ستتقوى اكثر في اعتقاد ووهم الطموح استنهالا من الادبيات و المرجعيات الفكرية للحركة. وما يعزز تحليلنا هذا ان نفس العبارة جاءت في سياق اعفاء عبد الاله بنكيران نجدها حرفيا في بلاغ الديوان الملكي الصادر يوم 15 مارس 2016 (… وقد فضل جلالة الملك ان يتخد هذا القرار السياسي من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي منحها له نص وروح الدستور…)، وهي رسالة رد لا ود قد تحمل اكثر من اشارة بدلالة في مقارعة المحظور عند دائرة صانعي القرار.
وان قواعد اللعبة السياسية اكبر من خطابات و تصريحات لغة ارقام صناديق الاقتراع التي طالما نجدها لسان حال السيد عبدالاله بنكيران تحت مسمى “احترام الارادة شعبية” وهو مابدى واضحا تفصيلا من خلال عبارات الفقرة الثانية و الثالثة من البلاغ في محاولة للهروب الى الامام ورفع سقف التحدي عن طريق الاستدلال بان المعفى(… تميز بدوره في الاستحقاقات الانتخابية الجماعية و التشريعية … و اعتبار الامانة العامة عن قناعة راسخة بأن الامين العام أدى مهمته في احترام تام للمنطق الدستوري و التكليف الملكي و التفويض الشعبي، و انتصر تبعا لذالك للاختيار الديموقراطي…) وهذا يعكس موقف سياسي يعبر عن رفض وعدم تقبل قرار اعفاء السيد عبدالاله بنكيران من ابناء الحركة و يبزر ردود فعل الصدمة من الموقف المعبر عنه في قراءة الفقرة الرابعة من البلاغ حرفيا (…بأن الامين العام رئيس الحكومة ” ملاحظة غياب صفة الاعفاء من المهمة” لايتحمل بأي وجه من الاوجه مسؤولية التأخر في تشكيلها… وتعتبر ان مثل تلك الاشتراطات هي التي ستجعل تشكيلها في حالة استمرارها متعذرا- ايا كان رئيس الحكومة المعين…) بل يتجاوز ذالك في العبارة الاخيرة ان قرار الاعفاء لايكسر حالة الجمود او يتجاوزها في تشكيل الحكومة وهذا يعطي اشارات بتمسك ابناء حركة التوحيد و الاصلاح بمنهجية المفاوضات و قرار الاعفاء لن يغير من الامر شيء. و العودة في اخر البلاغ من خلال الفقرة الخامسة و بدرجة المقارعة في فرض تغيير قواعد اللعبة السياسية من خلال ترك هامش المناورة بتدويل قرار المناقشة في اعفاء الامين العام و رئيس الحكومة سابقا الى “برلمان الحزب ” لتحديد اختيارات ابناء حركة التوحيد و الاصلاح و التعامل مع الضرفية.
لكن هذا قد يكون خوضا في المحضور بدهنية دائرة صانعي القرار لأن الحساب السياسي الضيق ممكن في مجاله المفترض في فضاء الفرقاء و “الفاعلين الحزبيين”… و غير ذالك فانتظر نص بلاغ مقتضبا بيوم واحد فقط ردا على بلاغ ابناء حركة التوحيد والاصلاح يحوي خبر تعيين السيد سعد الدين العثماني، عن حزب العدالة والتنمية، رئيسا للحكومة وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. لكن بدون شك يعتبر بلاغ خميس “المصدوم” محددا يؤكد تراكمات الماضي و يزيل الغبار في تحديد معالم المستقبل وكشف استشراف العلاقة بين حركة التوحيد و الاصلاح ودائرة صنع القرار في هرم الدولة.