زنقة 20 . متابعة
السياسة في المتخيل الشعبي رديفة الخبث، المكر والخداع، فيما الحب نسمة الحياة وبسمتها الخالدة.
السياسي ثعلب، ليس له أصدقاء دائمون ولكن له مصالح دائمة.. بينما الحب عطاء بلا حدود.. لذلك حين يلتقي الحب والسياسة في قلب كل من يمارس السلطة أو يسعى إليها، يكون الضحية هو الحب، ف”البشاعة أقوى من الجمال لأنها أبقى” كما يقول المغني الفرنسي سيرج غاسبور.. هذا ما حدث للكوبل الحكومي الذي اتفقا طرفاه على إبطال مفعول الحب بدل التضحية بالمنصب من أجل عشقهما.. حتى جرفهما تيار التعديل الحكومي.
للحب دوما كلفة.. وكلفة باهظة أحيانا.. منذ تفاحة آدم إلى إعجاب الروماني مارك أنطوان بأنف كليوباترا الذي بسببه لم يدمر الرومان بلاد الفراعنة، حتى الملك الإنجليزي إدوارد الثامن الذي أدى به شغفه ب”واليس سمبسون” دوقة وندسور لكي يضحي بالملك ويتنازل عن العرش البريطاني من أجل عيون معشوقته بعد أن عارض الكل زواجه من مطلقة.
هكذا تبدو قصة حب الحبيب الشوباني وسمية بن خلدون ذات تكلفة كبيرة ولكن من زاوية مغايرة، ذات كلفة ليس فقط على مستوى الحياة الخاصة للعاشقين بل على الحزب السياسي الذي ينتميان إليه وعلى الحكومة ككل.
لم تعد قصة الحب الذي ربط بين قلب سمية بن خلدون والحبيب الشوباني مسألة شخصية بعد أن شغلت العام والخاص.. بل أدخلها الطرفان نفسهما مع سبق الإصرار في سياق التداول الإعلامي.. ولم يتلق رئيس الحكومة ضربة قوية بحجم مخلفات وإسقاطات علاقة الحبيب وسمية.
منذ تولى بن كيران زمام قيادة الحكومة الحالية وجد نفسه تحت ظل إكراهات عميقة، حيث اختبر أن ما ظل يبشر به حزبه طيلة المرحلة الانتخابية هو مجرد أضغاث أحلام والواقع عنيد، في قرارة نفسه قد يكون بن كيران اشتهى أن يظل في المعارضة خاصة في زمن لم تعد فيه المعارضة ذات تكلفة سياسية باهظة، لكن النفس أمارة بسوء الحكم، وغواية السلطة أكبر مما تمنحه مواقع المعارضة للفاعل السياسي، لذلك يعشق بن كيران الحكومة حد الوله ويكره المعارضة سواء كان الأمر يتعلق بحميد شباط وإدريس لشكر وإلياس العماري أو بعودة حزبه إلى المعارضة، ولذلك سفه رأيها خلال عادته الشهرية أقصد المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة في البرلمان.
خلال ثلاث سنوات ظل بن كيران يعض بالنواجد على الحكومة كما لو أنها المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، خاصة بعد المآل المأساوي الذي انتهى إليه رفيقه الإخواني محمد مرسي بأرض الكنانة، حتى أن رابعة لم تستطع أن تمنحه الحرية فبالأحرى أن تعيده إلى كرسي الحكم.
ظل عبد الإلاه بن كيران يتلقى الضربات من هنا وهناك وفي ظل أزمة عالمية لم يستطع أن ينجز وعدا واحدا مما بشر به الحالمين بالتغيير الذين وهبوه أصواتهم حتى ولو لم يكونوا يؤمنون به كمهدي منتظر ولا بمذهبه.. ومع كل ذلك كان بن كيران ومعه حزب العدالة والتنمية ومع كل ضربة ينهض مثل طائر الفينيق قويا متجددا تزداد شعبيته باستمرار، فلم تنل منه الانتقادات الموجهة إلى الطفل الحكومي المدلل الكروج صاحب فضيحة الشوكولاتة ولا جرفته كراطة محمد أوزين صاحب فضيحة ملعب مولاي عبد الله، ومهما كانت الضربات القوية التي سددها له إلياس العماري، حميد شباط وادريس لشكر فإن جدران حكومته لم تتداعى، وظل حزب العدالة والتنمية مثل البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، حتى جاءت قصة حب وزيريه الحبيب الشوباني وسمية بن خلدون، ألم تقل العرب ومن الحب ما قتل؟
لو كانت قصة حب مماثلة لما جمع بين قلبي سمية والحبيب في حكومة عادية، لمر الأمر بردا وسلاما ولكان العاشقان يتمتعان اليوم بشهر العسل في أجمل مدينة مغربية أو في باريس أو ريو دي جانيرو أو في لندن بدون ضجيج يذكر، فقد عشق مقاوم كبير ابنة فرنسي كان يعمل بالإقامة العامة، وظل يلتقيها سرا وبينهما ترجمان حتى أنه كان سيتعرض للتصفية الجسدية بسبب اكتشاف إحدى الخلايا السرية للمقاومة من طرف البوليس الفرنسي ووجهت له تهمة “تبياعت”، وما تخلى عمن نبض قلبه بها، وفي آخر عمره تزوج بن عرفة الخائن أو الدمية الاستعمارية كما كان يلقبه أقطاب الحركة الوطنية، ببنت أحد أكبر رجال المقاومة، وظل الراحل المهدي بن بركة يزور المنطقة التي يقيم بها بن عرفة بباريس ليراه ويضحك منه فقط، على ما يذكره الزميل مصطفى العلوي في كتابه حول الشهيد….
ولكن لأن الأمر يتعلق بحزب كان ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية والمتشددون منه قبلوا المدونة المتقدمة للأسرة على مضض، ولأنهم بدوا للمجتمع كما لو أنهم ضد الحب الذي خلقه الله في الطبيعة … وضعهم الناس في المجهر حتى أنه يصعب اليوم أن نقول إن قصة الحبيب الشوباني وسمية بن خلدون هي حياة خاصة ولا دخل لعامة الناس بها، فقد اختلط الحب بالسياسة لذلك ارتفعت الكلفة التي دفعها حزب العدالة والتنمية وحكومة بن كيران، فما أخطر الاستهانة بالحب حتى ولو كانت الحكومة محافظة مثل حكومة بن كيران، لقد أهين رئيس الحكومة بسبب قصة حب غريبة عن حزب محافظ.. ولكن إهانة الحب كانت أكبر حين قرر الطرفان إيقافا مؤقتا لما بينهما وتشبثا بمنصبهما السياسي إلى أن جرفهما تيار التعديل الحكومي الأخير.. لذلك انتصرت السياسة على الحب.